"مستوطنات" أردوغان بشمال سوريا.. التغيير الديموغرافي يدخل حيز التنفيذ
أردوغان طالما أفزعته آمال أكراد سوريا في الحصول على حكم ذاتي يغري نظراءهم في جنوب تركيا للمطالبة بخطوة مماثلة
دخلت مخططات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتغيير ديموغرافيا الشريط الحدودي مع سوريا حيز التنفيذ بإعلانه بدء إنشاء مستوطنات لإعادة اللاجئين.
ومنذ التدخل السافر الأول للجيش التركي في شمالي غرب سوريا بمنطقة عفرين قبل عامين، اتفق طيف واسع من المراقبين على أن تدخل أردوغان حينها ما هو إلا خطوة لإعادة تشكيل التركيبة السكانية في المنطقة ذات الغالبية الكردية.
وطالما أفزعت أردوغان آمالُ أكراد سوريا في الحصول على حكم ذاتي يغري نظراءهم في جنوب تركيا للمطالبة بخطوة مماثلة.
ويشن أردوغان منذ سنوات غارات على شمالي سوريا والعراق لتقويض قدرات الأكراد الذين لعبوا دورا حاسما في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي.
وما كان مجرد ترجيحات من مراقبين تحول، أمس الخميس، لواقع بإعلان أردوغان أن بلاده بدأت بالفعل في تشييد ما وصفها بـ"المستوطنات" في المناطق التي تسيطر عليها أنقرة بقوة السلاح شمالي سوريا.
وبدأت الموجة الأولى من الغزو التركي للشمال السوري في يناير/كانون الثاني عام 2018 شمالي غرب سوريا، لكن في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أردوغان، عدوانا عسكريا على شمال شرقي سوريا، أوقع مئات القتلى من المدنيين حتى الآن، وأدى لنزوح نحو 130 ألف شخص.
وبسيطرته على الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا شرع أردوغان في إنشاء منطقة آمنة بهدف التخلص من السوريين المقيمين على أراضيه من جهة، وخلق حاجز بشري على حدودها الجنوبي يفصل بين أكراد على جانبي الحدود، من جهة أخرى.
وتخطط أنقرة لتشييد مستوطنات في المناطق التي نزح عنها الأكراد، حتى يتم إسكان السوريين العرب الذين فروا من مناطق أخرى من البلاد إثر الحرب المندلعة منذ 2011، وسط تحذيرات من تشويه الخريطة الديموغرافية للمنطقة.
أردوغان يتحدث عن احتلاله للمناطق السورية بكل فخر ليؤكد نزعته الاستعمارية الواضحة ليس فقط في سوريا بل وصلت إلى ليبيا والعراق وغيرها من الدول العربية في إطار أوهمه بعودة الولاية العثمانية.
وقال الرئيس التركي إن مناطق أخرى على طول الحدود التركية السورية "يمكن أن تؤوي مليون شخص" في إشارة إلى أن مخططه لن يتوقف رغم التحذيرات الدولية.
وفي أعقاب التحركات العسكرية التركية شمال شرقي سوريا العام الماضي، علت الأصوات المحذرة من إحداث تغيير ديموغرافي، ومحاولة استغلال الاختلافات العرقية بين السوريين من أجل خلق عداوات بينهم، وبالتالي ربط مصير بعضهم بتركيا ووعودها.
وتجاهل أردوغان الحديث عن إسكان اللاجئين السوريين في منطقة جرابلس بشمالي سوريا، رغم أنها تخضع للسيطرة التركية، لأنها على ما يقول خبراء لن تمثل حزاما عازلا عن الأكراد، كما في رأس العين وتل أبيض المتاخمتين لبلاده.
وفي سبيل مخططه لم يتورع أردوغان عن ارتكاب فظائع في الشمال السوري، ويبحث خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، اتهام السلطات الكردية لتركيا باستخدام أسلحة غير تقليدية ضدهم.
وقالت المنظمة، في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي: "يشارك خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في عملية تقييم مدى تطور الوضع في شمالي سوريا".
واتهمت الإدارة الذاتية الكردية تركيا باستخدام أسلحة غير تقليدية كالنابالم والفوسفور الأبيض، في هجومها على المقاتلين الأكراد شمالي سوريا.
ونشر مسؤولون أكراد، وقتها، على مواقع التواصل الاجتماعي شريط فيديو يظهر أطفالاً مصابين بحروق يمكن أن تكون ناجمة عن هذه الأسلحة، بحسب طبيب في محافظة الحسكة.
واستقبل الأكراد في شمالي سوريا الدوريات العسكرية التركية خلال عملية الغزو، بالحجارة والزجاجات، رافضين العدوان على أراضيهم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم.
وبعد ما يزيد على أسبوع من العدوان التركي على الأراضي السورية، توصلت واشنطن وأنقرة إلى قرار وقف إطلاق نار مؤقت في شمالي سوريا وإيقاف العملية العسكرية التركية لمدة 120 ساعة لضمان انسحاب آمن لوحدات الشعب الكردية، ولكن هذا الاتفاق لم يتم تنفيذه بشكل واضح بل استمرت آلة الحرب التركية تنهش الأكراد وسط صمت دولي.
والآن يعيش آلاف النازحين السوريين في مخيم "واشوكاني" شديد الفقر في الخدمات والاحتياجات الأساسية، بعدما أجبرتهم العملية العسكرية التركية في شمالي سوريا على هجر منازلهم في مدينتي رأس العين وتل أبيض، حسب صحيفة "بيلد" الألمانية.
وحسب مراسل الصحيفة، الذي زار المخيم واشوكاني الواقع على بعد ٥٠ كيلومترا من مدينة رأس العين، التي كانت هدفا أساسيا للهجوم التركي، فإن الآلاف يعيشون في أوضاع إنسانية صعبة داخل خيام من القماش لا تقيهم برد الشتاء ولا حر الصيف.
وقالت الصحيفة: "في مدخل المعسكر توجد لوحة كبيرة مدون عليها مرحبا بالجدد، للترحيب بعشرات السوريين الذين يصلون يوميا هربا من هجمات الجيش التركي، وحلفائه في شمال سوريا".