المخيف الآن هو توظيف القوى الناعمة والمنظمات الخيرية من أجل فتح مناطق عدم استقرار، وبؤر توتر جديدة.
التعليم والإعلام والعلم والبحث، وتحريك فكر النخبة وتوحيده من أجل كتابة منهج جديد يتماشى مع الأوضاع غير المسبوقة التي تمر بها منطقتنا والعالم بوجه عام، وتوظيف القوى الناعمة الآن بين مراكز فكرية ومنظمات المجتمع المدني هي الأسلحة الأكثر فعالية اليوم، ووحدها القادرة على البناء، وخاصة إعادة بناء ما دمرته الأسلحة الثقيلة والتقليدية.
والذكاء الحقيقي اليوم هو ليس في استعمال الأسلحة الذكية، بل ثبت أنها الأكثر غباء وأنها ومع مرور الوقت تدير فوهاتها ضد مستعمليها وهم من يدفعون ثمن تهورهم.
الذكاء هو في تحديد ما نريد لأممنا، ورسم استراتيجيات تتماشى مع الأوضاع، وتتمتع بالمرونة الكافية للتأقلم مع المتغيرات المتوقعة.
ماذا وراء تحويل الوجهة، أو بالأحرى توسيع رقعة مطامع الدكتاتور التركي من منطقة الشرق الأوسط نحو أفريقيا؟ المخيف الآن هو توظيف القوى الناعمة والمنظمات الخيرية من أجل فتح مناطق عدم استقرار، وبؤر توتر جديدة.
وهذا يتطلب بالتأكيد دراسات وأبحاث لأوضاع المناطق التي تهمنا، ثم وضع تصورات للسيناريوهات المحتملة، والتشاور مع المختصين لصناعة السيناريو الذي تريد والذي فيه الخير وصالح بلداننا.
الأسلحة بمختلف أنواعها بين طائرات وقنابل ودبابات إلى أن نصل إلى البسيطة ذات الاستعمال الفردي لا تصنع سوى الدمار والشر.
وهذا ما ثبت عبر التاريخ، ورغم أن القوانين الدولية تسمح في بعض الأحيان باستعمالها من أجل إيقاف أخطار محددة إلا أن ما وقع ويقع أثبت أن استعمال السلاح مدمر للدول والأمم، وعلى البشرية التوقف ومراجعة مواقعها ومواقفها؛ نحن الآن في حاجة لهدنة إنسانية.
حان الوقت أن يقتنع الإنسان بإنسانيته، وبأن خلاصه لا ولن يتحقق الا بالأسلحة الناعمة التي يديرها العقل بالأساس، وهي وسائل البناء والتقدم.
ومن المفترض استثمار القوى الناعمة وليس استغلالها كما حدث ويحدث في العالم الآن، وخير مثال على الاستغلال السلبي لدور هذه المؤسسات والقوى الناعمة هو مثال الحكومة التركية وما يفعله رجب طيب أردوغان.
بدأ أردوغان ببناء هذه المؤسسات وتقويتها لتكون واجهة لمداخل مخارجها سلاح ودمار، وبعد أن وظف أيديولوجياته الدينية من أجل البقاء على كرسيه والتوغل والتغول السياسي لتحقيق حلم استعادة إمبراطورية العثمانيين.
طريق بدأه بفتح أبواب الجحيم أمام شباب غرر بهم واستدرجوا على طريق ناعم، لينزلقوا في هاوية مظلمة لا نهاية لها، هاوية الإرهاب التي انزلقوا فيها طمعا في الدنيا والآخرة وحتى من تراجع منهم لم يجد طريقا للخلاص.
بعد سوريا وتدميرها الذي كان لأردوغان الدور الأكبر في إشعال نيران الحرب، وإحياء الطائفية فيها، ونهب مصانع وموارد لا رقيب عليها.
اليوم أردوغان ينتقل لأفريقيا حاملا "خيرات" بلاده التي يعاني شعبها من الاضطهاد الفكري وقمع الحريات والحاجة، ليوزعها على الدول الأفريقية بين زامبيا وكينيا وجيبوتي، والسيراليون وجنوب أفريقيا والسودان وليبيا ، والمبادرات التركية بالرغبة في الانضمام لدول "البريكس"، والتركيز التركي على الصومال و"الدعم" عبر مؤسسات "خيرية" والمبادرة بالإعلان عن إنشاء قواعد عسكرية.
كل هذا يطرح تساؤلات تثير القلق حول مستقبل هذه الدول؛ خاصة إن نجح أردوغان بفكره الإخواني المتطرف، وتحالفه الحالي مع إيران ونظام الحمدين في اختراق القرن الأفريقي ونقل نيران الحرب والدمار.
ماذا وراء تحويل الوجهة، أو بالأحرى توسيع رقعة مطامع الدكتاتور التركي من منطقة الشرق الأوسط نحو أفريقيا؟.
المخيف الآن هو توظيف القوى الناعمة والمنظمات الخيرية من أجل فتح مناطق عدم استقرار، وبؤر توتر جديدة.
وكيف لهذا الأمر والمساعدات اللامحدودة والتي من الأجدر بها الشعب التركي الذي يعاني من البطالة والحاجة، أن تمر بدون وقفة وتفكير؟.
حاكم استحوذ على كل السلطات السيادية في بلاده، واستغل عملية "محاولة الانقلاب"، التي مازالت تفاصيلها ضبابية، ليقمع الفكر والقلم في بلاده.
هل يعقل أن يكون الخير الناعم عبر مؤسساته، وأن يقدم مساعدات بلا حدود يعلن عنها من وقت لآخر وزيره للشؤون الدينية، وهنا دمج الأيديولوجية الدينية في اللعبة السياسية بكل وقاحة، هل الخير "التركي" الذي غمر أفريقيا "خير" وما ثمنه؟.
ولماذا أفريقيا الآن؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة