12 مادة في دستور تركيا يسعى من خلالها الرئيس أردوغان إلى البقاء في العرش التركي 12 سنة مقبلة.
12 مادة في دستور تركيا يسعى من خلالها الرئيس أردوغان إلى البقاء في العرش التركي 12 سنة مقبلة.
هذا هو ما يمكن به اختصار المشهد التركي الآن بعد طرح حزب العدالة والتنمية الحاكم على بقية الأحزاب مسودة تتضمن تعديلات دستورية جديدة تحقق حلم أردوغان في الاستمرار بالحكم حتى عام 2029.
حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، في مسودة التعديلات المقترحة على الدستور، والتي عرضها على الأحزاب يسعى لتحويل نظام الحكم هناك إلى نظام رئاسي، يمنح الرئيس سلطات شبه ديكتاتورية بحسب وصف وسائل إعلام تركية.
العمل بالتعديلات الدستورية الجديدة يبدأ بعد عامين من الآن، حيث يسعى الحزب الحاكم تنفيذ خطة التغيير خلال الانتخابات التي ستجرى في شهر أغسطس من عام 2019.
المخطط يهدف إلى بقاء أردوغان رئيساً لتركيا حتى عام 2029، من خلال نظام الفترتين الرئاسيتين، مدة كل منهما 5 سنوات، بالإضافة إلى العامين المتبقين له في الرئاسة حتى عام 2019.
وسيدعو حزب العدالة والتنمية قريباً إلى تنظيم استفتاء لاعتماد التعديلات الدستورية المقترحة التي تتم بموجبها توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية وتمديد ولايته مع إلغاء منصب رئيس الوزراء.
وحسب المعلومات المتاحة سيكون للرئيس التركي نائب أو اثنان على الأكثر، ويتركز بيد الرئيس صلاحيات واسعة من بينها تعين قادة هيئات الجيش والمخابرات ورؤساء الجامعات وكبار مسؤولي الدولة وبعض الهيئات القضائية بشكل مباشر.
وستؤدي هذه التعديلات في حال إقرارها إلى تعزيز سلطات النظام الرئاسي في تركيا، والمعمول به أيضاً في الولايات المتحدة وفرنسا.
معارضو هذه التعديلات يرون فيها وسيلة لتحقيق طموح أرودغان في البقاء رئيساً لتركيا أطول فترة ممكنة، ويخشون المزيد من التوجهات السلطوية في بلدٍ يواجه انتقادات من حلفاء غربيين بسبب تدهور سجل الحقوق والحريات.
ووفقاً للمسودة الأخيرة للتعديلات المقترحة، ربما يتولى أردوغان منصب الرئيس التنفيذي "المكلف" بمجرد موافقة المشاركين في الاستفتاء على التغييرات.
وستجرى بعد ذلك انتخابات رئاسية في الموعد المقرر لها بعد انتهاء ولايته عام 2019. ويحدد الدستور ولاية الرئيس بمدتين كحد أقصى، وإذا فاز أردوغان بانتخابات عام 2019، فسيتمكن من الحكم حتى عام 2024 فقط.
لكن بموجب النظام الرئاسي المقترح سيقود أردوغان البلاد لولايتين أخريين.
ووفقاً لمسؤولين كبيرين اطلعا على المسودة، سيكون الرئيس مؤهلاً لتولي الرئاسة لمدتين كل منهما 5 سنوات، وسيتمكن من إصدار المراسيم الرئاسية بشأن معظم الأمور التنفيذية بدون الحاجة لاستشارة البرلمان.
وقال المسؤولان لوكالة رويترز، إنه سيكون للرئيس نائب أو اثنان على الأكثر.
ويحتاج أي تغيير دستوري لدعم 367 نائباً على الأقل في البرلمان البالغ عدد أعضائه 550، حتى يتم إقراره مباشرة، وإلى 330 للدعوة إلى استفتاء.
ولحزب العدالة والتنمية الحاكم 317 مقعداً، في حين أن لحزب الحركة القومية اليميني 39 مقعداً.
هذا الحلم السلطوي الأردوغاني ليس جديداً بل يعود إلى 9 سنوات مضت، حينما أعلن حزب العدالة والتنمية في عام 2007 عن نيّته العمل على تغيير دستور البلاد الذي صاغه قادة الجيش بعد انقلاب 1980، ومنذ ذلك الحين يواجه مسعاه صعوبات عديدة، منها اختلاف توجهات الأحزاب الرئيسية الفاعلة في الساحة التركية نحو تعديلات الدستور، فالصراع السياسي حول تعديل أو صياغة دستور جديد كان في أغلبه ينصب حول مفهوم العلمانية في الدستور، بين أطراف ترغب في تخفيفها وأطراف ترغب في الحفاظ على سطوتها.
ولكن مؤخراً دخلت مسألة تبني النظام الرئاسي على خط المواجهة بين أحزاب ترى فيه تهميشاً لدور البرلمان وأحزاب أخرى ترى فيه ضرورة ملحّة للوصول إلى حكومة فاعلة في ظل التحديات التي تواجه تركيا داخلياً وخارجياً.
وواجهت عملية تعديل بعض بنود دستور عام 1980 عقبات من قوى ترى فيها جنوحاً عن مبدأ العلمانية، ولطالما كانت المادتان 2 و3 في الدستور التي تنص على: “تركيا دولة ديموقراطية علمانية اجتماعية تحكمها سيادة القانون، تحترم حقوق الإنسان، وتلتزم بمفهوم أتاتورك للقومية، وتستند إلى المبادئ المنصوص عليها في افتتاحية الدستور في إطار فهم السلم الاجتماعي، والتضامن الوطني والعدالة” هي المعرقل الأساسي لأي تعديل مقترح.
فعلى سبيل المثال حسب موقع "تركيا بوست" كان هناك صراع لتعديل الدستور بشأن إلغاء حظر ارتداء الطالبات الجامعيات للحجاب بتغيير المادة 10 المتعلقة بالمساواة، وإضافة فقرة جديدة إلى المادة 42 المتعلقة بالحق في التعليم، وحظى هذا التعديل بالتأييد ليس فقط من جانب نواب حزب العدالة والتنمية، وإنما أيضاً من جانب نواب حزب الحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وبعض المستقلين، وتم اعتماده بأغلبية ساحقة قياسية بلغت 411 صوتاً، ومع ذلك رفع حزب الشعب الجمهوري وحزب اليسار الديمقراطي التعديل إلى المحكمة الدستورية، بدعوى معارضته للنظام العلماني، وفي الخامس من يونيو 2008، أصدرت المحكمة حكما يقضي بإلغاء هذا التعديل، بالمخالفة لقواعد عملها.
وفي مثال آخر، هناك دعوى إغلاق “حزب العدالة والتنمية”. ففي مارس 2008، بدأ رئيس الادعاء العام بمحكمة النقض إجراءات حظر حزب العدالة والتنمية، وقال إن هذا الحزب أصبح نقطة محورية في أنشطة مضادة للدستور تهدف إلى تقويض الطابع العلماني للدولة، وعلى الرغم من أن رئيس الادعاء العام كان يجمع الأدلة ضد الحزب لفترة طويلة، لكنه لم يتخذ إجراءاته إلا بعد التعديل الدستوري بشأن قضية الحجاب.
وفي يوم 30 يوليو 2008، أعلنت المحكمة الدستورية حكمها بعدم حظر الحزب لعدم تحقيق الأغلبية المؤهلة اللازمة بموجب الدستور (ثلاثة أخماس أو 7 من أصل 11 عضواً). إلا أن 10 أعضاء خلصوا إلى أن حزب العدالة والتنمية قد أصبح محوراً للأنشطة المناهضة للعلمانية، وقرروا حرمانه جزئياً من التمويل الحكومي وهي عقوبة ينص عليها الدستور في المخالفات الأقل حدة.
وفي العام 2010 دخل الحزب معركة دستورية جديدة شملت تعديل 24 مادة من الدستور وإضافة مادتين مؤقتتين، وتضمنت حزمة التعديلات استحداث مكتب لأمين المظالم، واعتماد الشكاوى الدستورية، وإدخال حقوق أساسية جديدة أو توسيع نطاق حقوق أساسية قديمة معينة، وتعديل المادة المتعلقة بالمساواة لتسمح بالعمل الإيجابي لصالح الفئات المحرومة. وتعديلات خاصة بالسلطة القضائية، لا سيما مجلس القضاة الأعلى والمدعين العامين والمحكمة الدستورية، حيث تمّت زيادة عدد قضاة المحكمة الدستورية من 11 (مع 4 بدلاء) إلى 17 قاضياً، بطريقة تتوافق مع المعايير الأوروبية وتم اعتماد هذه التعديلات في استفتاء شعبي في12 من سبتمبر 2010 بأغلبية 58 %.
ويحاول أردوغان وقادة حزب العدالة والتنمية منذ سنوات تبرير رغبتهم في تعديل الدستور بأنها من أجل استقرار الدولة وحماية المواطن التركي وحقوقه.
حيث يقول الرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية محمد على شاهين عن دستور 1980، إنه دستور عمل على حماية الدولة وتبنيها بمعنى الكلمة، أما التعديلات الدستورية الجديدة سوف تتبنى الإنسان المواطن وتسلّط الضوء عليه وتعمل على خدمته.. حيث من المقرر أن تصبح أولى مواده الدستور الجديد هي احترام الإنسان وكيانه. حيث سيصبح شعار الدستور الجديد "الدولة التركية ملك للشعب".
أما أردوغان فقد دعا في كلمة له أمام البرلمان التركي الجديد بتاريخ 2015/11/4، إلى أن يعمل البرلمان على وضع دستور جديد للبلاد، وطالب جميع القوى بالتفاهم لإعداد دستور جديد، وقال أردوغان في أول كلمة له بعد الانتخابات التشريعية التي فاز بها حزب العدالة والتنمية بالأغلبية: "إن الأحزاب التي تتهرب من إعداد الدستور سيحاسبها الشعب بالانتخابات بعد 4 سنوات"، وحذرهم بقوله: "إنه في حال فشلت المفاوضات بين الأحزاب لإعداد الدستور الجديد فسيتم اللجوء إلى استفتاء شعبي لأخذ رأي المواطنين في المسألة".
نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، المتحدث باسم الحزب، عمر جليك، قال في مؤتمر صحفي أثناء انعقاد اجتماع اللجنة المركزية في مقر حزب العدالة بالعاصمة أنقرة يوم 2015/11/2: "إن صياغة دستور جديد في البلاد على رأس أولويات الحزب"، ودعا جليك الأحزاب السياسية في البلاد إلى صياغة دستور جديد يحمل تركيا إلى مستقبل معاصر، ويركز على الإنسان المدني، قائلاً: "تعالوا لنصيغ دستوراً مدنياً يحمل تركيا إلى عام 2023".
وقد برر جليك الحاجة الشديدة إلى دستور جديد في البلاد من بدعوى الاستجابة لنمو الاقتصاد والديمقراطية التركية من الناحية الإيجابية، ومقارعة بعض التحديات في العالم المعاصر من الناحية السلبية، وأنه يمكن جعل مشروع الدستور الجديد معالجاً لأكثر القضايا الخلافية في تركيا منذ عقود ماضية، ومنها حقوق القوميات التركية جميعها، ومن ضمنها، وفي مقدمتها القومية الكردية، فبدل أن يكون الدستور عامل خلاف بين الأحزاب التركية، يمكن أن يتحول إلى عامل جمع لجميع الفرقاء، ومن ضمنهم حزب الشعوب الديمقراطي، ففرصته الحقيقية لتحقيق عملية السلام هي مع هذا البرلمان الذي ضعفت فيه شوكة حزب الحركة القومية بزعامة دولت باهشلي، وهو من أكبر الأحزاب المعارضة للمصالحة الداخلية ولعملية السلام مع الأكراد.
كذلك يرى الرئيس التركي أردوغان ورئاسة حزب العدالة والتنمية أن بناء تركيا الحديثة يتطلب إجراءات وقائية ضد التهديدات الداخلية والخارجية وهذه الإجراءات تحتاج إلى ضمانات قانونية ودستورية، والحل يكمن بتجديد الدستور التركي، أو بوضع دستور جديد يخرج تركيا من حالة عدم الاستقرار التي قد تنتج عن ثغرات النظام الجمهوري البرلماني المعمول به الآن.
وفيما يخص التحول إلى النظام الرئاسي ضمن الدستور الجديد، يرى بعض مسؤولي حزب العدالة والتنمية مثل محمد على شاهين أن الشعب التركي قد وافق مسبقاً على النظام الرئاسي داخل تركيا منذ عام 2007، عندما قام بالتصويت، واختيار أردوغان بنسبة أصوات وصلت إلى نحو 68%.
هكذا خطط أردوغان وحزبه لسنوات من أجل تحقيق حلمه في البقاء بالسلطة لأطول فترة ممكنة وجاهد من أجل تسويق فكرة أن التعديلات لحماية الدولة ورفعة شأن الإنسان التركي، فإذا بنا نجد بدلاً من أن تكون الدولة ملك الشعب التركي -كما سوقوا- تتحول إلى ملكية خاصة لأردوغان يفعل بها ما يشاء، مستغلاً واقعة الانقلاب الفاشلة مؤخراً لإسكات واعتقال كل من يعارض مخططه.