هل نحن ذاهبون إلى حرب أو تفاوض؟ وإذا كانت حربا فهل هي حرب شاملة أم محدودة؟ حرب مباشرة أم بالوكالة؟ تقليدية أم ضربات نوعية؟
إذا عرفنا الأهداف الحقيقية للرجل لاستطعنا أن نعرف حدود وشكل وأهداف حركته السياسية المقبلة، واتجاه عملياته العسكرية المقبلة؟
إذا عرفنا ذلك، وصلنا إلى يقين راسخ في إجابة واضحة على موقفه النهائي من احترام أو خرق خط "سرت – الجفرة"، الذي حدده الرئيس السيسي.
إذا عرفنا ذلك، عرفنا هل نحن ذاهبون إلى حرب أو تفاوض، وإذا كانت حرباً، فهل هي حرب شاملة أم محدودة؟ حرب مباشرة أم بالوكالة؟ تقليدية أم ضربات نوعية تعتمد على وسائل وأسلحة فائقة التطور؟
في الحروب الآن، فإن أهداف الحرب، ونوعية مسرح القتال، والمحيط الإقليمي، والموقف الدولي وأخيراً وليس آخراً نوعية التسليح المستخدم من الأطراف المتحاربة، تحدد شكل، وزمن، وتكاليف الحرب.
من هنا علينا أن ننطلق إلى ضرورة التوصيف الدقيق للصراع الحالي في ليبيا.
بدأ الصراع بسقوط نظام قمعي قبلي، وتطور إلى صراع جهوي مناطقي بين الشرق والغرب في البلاد.
ولأن الشرق يحمل الهلال النفطي، ولأن الغرب يحمل مناطق التصدير والبنك المركزي تم تقاسم السلطة والدخل.
تركيا دولة تستورد 94٪ من النفط والغاز، وبلا موارد طبيعية من مصادر الطاقة، وبلا أي مخزون من الغاز قبالة سواحلها.
ولأن ليبيا هي دولة ذات مخزون نفطي، وتعد بتريليونات من الأقدام من خزان الغاز الممتد من شرق المتوسط حتى سواحلها، فإن صراع شركات النفط: (إيني الإيطالية، توتال الفرنسية، إكسون موبيل الأمريكية، روسنفت الروسية) قد تمت ترجمته إلى مصالح مباشرة في الصراع.
ولأن صراع الشرق هو بين مؤسسة عسكرية نظامية تعتمد مشروعاً سياسياً علمانياً في مقابل ميليشيات عسكرية تعتمد مناهج الإرهاب التكفيري (داعش - القاعدة - الإخوان - الجماعة الليبية المقاتلة - الجهادية السلفية)، فإن الصراع جذب صراعات إقليمية.
هنا كان التدخل التركي القطري لدعم الإرهاب التكفيري الميليشيوي في ليبيا، ما استدعى مواجهة مضادة من مصر والإمارات وفرنسا وروسيا التي تخوض معارك ضد مخاطر الإرهاب الديني.
هنا تصبح تلك الأهداف لدى "أردوغان" كالآتي:
١- تحقيق حلم إعادة تركيا القوية من منطلق إعادة الخلافة العثمانية في الشرق وتأمين ذلك عسكرياً لإعلان قيام كيان جديد بعد مرور مائة سنة على معاهدة "لوزان" التي حجمت الإمبراطورية التركية عام 1923.
٢- دخول تركيا استراتيجياً إلى منفذ عربي على المتوسط، للتأثير على سيادته والتحكم في جغرافيته للاستيلاء على ثرواته من النفط والغاز ومغانم إعادة الإعمار.
ويذكر أن تركيا دولة تستورد 94٪ من النفط والغاز، وبلا موارد طبيعية من مصادر الطاقة، وبلا أي مخزون من الغاز قبالة سواحلها.
٣- التغيير بالقوة المسلحة، وبالإرغام السياسي لقواعد ترسيم الحدود البحرية طبقاً لمعاهدة البحار الدولية وتحول تركيا إلى دولة تدعي حقوقاً كاذبة في سواحل ليبيا الواعدة بالغاز.
٤- دعم مشروع الميليشيات الدينية ضد مبدأ الجيش الوطني النظامي.
٥- الإمساك بورقة ضغط استراتيجية على "مصر 30 يونيو 2013"، بهدف إرهاق نظامها واقتصادها من خلال فرض تركيا -بالقوة المسلحة- حالة جوار مصطنع وحدود غربية ملاصقة لمصر.
٦- ذلك كله يجب أن يفضى إلى الهدف الاستراتيجي الكبير وهو "خلق وضع مفروض بالقوة المسلحة يدخل تركيا شريكاً في ثروات ليبيا وغاز ونفط ومصالح المتوسط لابتزاز العرب ودول الاتحاد الأوروبي".
إن "أردوغان" الذي تعهد أن يكون مصدر الإزعاج والتمرد والشراسة على الغرب وشرق المتوسط يسعى إلى خلق معادلة تقوم على احتمالين:
١-أن يستمر في توسعه في تحقيق حلم الخلافة من الموصل إلى إدلب ومن قبرص التركية إلى طرابلس الليبية ومن الدوحة القطرية إلى أطراف صنعاء اليمنية، ومن الصومال إلى مدغشقر.
٢-إن لم يتمكن من الاستمرار في المشروع الأول، فإنه يسعى للجلوس على مائدة مفاوضات مع الأطراف المعنية لإسكاته وترضيته بإعطائه حصة مصالح من الغاز، والنفط، ومشروعات إعادة التعمير، ومقاولات تهجير وإسكان وإعادة تأهيل نازحين ومهاجرين ولاجئين.
وما يفعله "أردوغان" من مغامرات شريرة وعمليات قرصنة بحرية واختطاف لسيادة دول ليس غريباً على بلاده تاريخياً أو غريباً على العالم.
عرف تاريخ الحروب أن الإمبراطوريات والممالك المأزومة مالياً إلى حد يؤثر على استقرارها السياسي الداخلي تلجأ إلى ما يعرف بـ"الحروب الاقتصادية" من أجل "تأمين موارد طبيعية" ليست متوافرة داخل حدودها، وذلك عن طريق الاستيلاء عليها بالقوة المسلحة.
واستغلت الخلافة العثمانية موارد ولاياتها الـ29 لمدة 400 سنة لزيادة مداخيلها وتحقيق حياة البذخ والرفاهية لسلاطين آل عثمان وأبنائهم وأحفادهم.
ولفهم طبيعة حرب الموارد التي يخوضها "أردوغان" ويورط فيها مؤسسته العسكرية وشعبه الصبور، يمكن الرجوع لدراسة بالغة الأهمية -لم نهتم بها كالعادة- صادرة عن مركز دراسات "موشيه ديان" الإسرائيلي صدرت في 17 ديسمبر 2016 حذر فيها باحثو المركز من سعي رجب طيب أردوغان إلى اتخاذ سياسة تسليح أكثر استقلالاً عن حلف الناتو من أجل تحويل تركيا إلى لاعب إقليمي بارز يمارس سياسة مستقلة عن الحلف، وأنه في حالة استمراره في هذا المشروع التسليحي المستقل، فإنه سيكون خارج سيطرة الحلف الذي سيقف عاجزاً عن إلزامه بسياسات الحلف أو توجيه أي "عقوبات رادعة" تجاهه.
خلاصة القول: يستخدم "أردوغان" القوة المسلحة في زمن اضطراب للنظام الدولي، وتعرّض التوازن الدولي لحالة انتقال من أحادية القوى إلى تعددية الأقطاب، في زمن مأزوم اقتصادياً، مضطرب مادياً، منشغل داخلياً لخلق حالة "مخاطر وأوراق مقايضة يسعى لتحصيل فواتير باهظة عليها".
إن "أردوغان" الذي يعاني من عدم استقرار داخلي، وهبوط تاريخي لعملته الوطنية مقابل الدولار، وارتفاع كبير في معدلات التضخم والبطالة، وانشقاق حاد داخل حزبه الحاكم، وتقدم صريح لمعارضيه في الانتخابات البلدية الأخيرة يسعى لإطفاء حرائق الداخل بمكاسب من عمليات القرصنة والسطو خارج الحدود.
"أردوغان" رجل مأزوم في مشروعه الخارجي يبحث عن طوق نجاة أخير من خلال مغامرات عسكرية خارجية.
السؤال العظيم: هل تنجح حروب "أردوغان"؟
الإجابة غداً بإذن الله.
نقلا عن "الوطن" المصرية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة