بلومبرج: أردوغان يسعى لمحو علمانية تركيا
اقتراب الاستفتاء التركي على التعديلات الدستورية المقرر أبريل المقبل، والتي بموجبها ربما تكون جميع السلطات التنفيذية في يد أردوغان
"اختفاء تمثال مصطفى كمال أتاتورك من الميدان الرئيسي في مدينة ريزي التركية، مسقط رأس الرئيس رجب طيب أردوغان، منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، رمز قوي للمستقبل"، هكذا استهلت وكالة بلومبرج الأمريكية تقريرها بعنوان "رئيس تركيا يقترب من الحصول على ما طالما أراد".
بلومبرج ناقشت في تقريرها اقتراب الاستفتاء التركي على التعديلات الدستورية المقرر في أبريل/نيسان المقبل، والتي بموجبها ربما تكون جميع السلطات التنفيذية في يد أردوغان، حيث سيتم إلغاء منصب رئيس الوزراء، فضلا عن سيطرته بشكل أكبر على التعيينات القضائية.
وقالت الوكالة أنه "في البداية تم نقل تمثال أتاتورك من مكانه الأصلي في ريزي إلى منقطة أقل بروزا في المدينة ذاتها، وسط احتفالات من قبل بعض الأتراك الكارهين لإضفائه الطابع الغربي على تركيا، ثم بعد ذلك، أعلنت وزارة التعليم التركية مسودة منهج مدرسي جديد يتناول القليل فقط حول أتاتورك.
وفي أنحاء البلاد، تقوم الحكومة بإعادة تسمية الشوارع والميادين بعد الانتصار على منفذي الانقلاب الفاشل ضد الرئيس، والذي يصفه بحرب تركيا الثانية من أجل الاستقلال، علاوة على بناء آلاف المساجد الجديدة، وتتضمن مسجدا داخل القصر الرئاسي الجديد لأردوغان، بالإضافة إلى زيادة عدد الطلاب في مدارس "الإمام خطيب" الإسلامية، التي درس فيها أردوغان نفسه، إلى ما يزيد عن 1.1 مليون طالب خلال العام الماضي، مقارنة بـ71 ألف فقط في 2002، عندما صعد حزب العدالة والتنمية إلى السلطة.
"تركيا تتغير"، حسب نابي أوجي، مستشار أردوغان منذ فترة طويلة ويشغل حاليا منصب وزير الثقافة والسياحة التركي. موضحا: "لكن يحدث ذلك بدون أي حاجة إلى تدمير جمهورية أتاتورك أو الديمقراطية التركية التي ظهرت منذ وفاته". واتهم معارضي أردوغان بأنهم سيظلون "ذئاب باكية" إلى الأبد.
وتابع أوجي لبلومبرج أنه تم تفصيل بدلة لتركيا لتناسبها في بداية القرن العشرين، لكن العالم تغير كثيرا منذ ذلك الحين، مشيرا إلى انهيار الاتحاد السوفيني والربيع العربي وتغييرات جغرافية أخرى. وأردف: "نحن نفصل الآن بدلة جديدة لتركيا".
ويحتاج أردوغان الآن إلى إضفاء الشرعية على السلطات التي يسعى للحصول عليها في دستور جديد، وأنه لا يزال يحظى هو وحزبه العدالة والتنمية بشعبية كبيرة لأنهم قدموا حكما فعالا، وحققوا زيادة سريعة في الثروات، لكن تباطأ الاقتصاد بشدة العام الماضي، كما أضافت الصحيفة.
وسيجعل الدستور الجديد السلطات التي حصل عليها أردوغان بالفعل بطريقة غير مباشرة، قانونية، وسط إدعائه حاجته إليها ليكون قادرا على التعامل بفعالية مع التهديدات المتعددة وتتضمن هجمات الأكراد وتنظيم داعش.
ويعتقد منتقدو الرئيس التركي، أن أهداف أردوغان الحقيقية بدأت في الظهور، وما يريده حقا اتضح أخيرا بعد 15 عاما من حكمه، وهو محو الدولة العلمانية التي أنقذها أتاتورك من الإمبراطورية العثمانية المفككة، وتعديل الجمهورية على طريقته الخاصة، مستبدة على نحو مماثل، لكن يصبغها بالطابع الإسلامي أكثر، أما مؤيدوه فيصرون على أنه يسمح لتركيا بأن تعكس قيم أغلبيته المحافظة، التي طالما تعرضت للقمع من قبل علمانية الجمهورية القديمة.
وبحسب محللين سياسيين، لدى أردوغان خطط كبيرة لإعادة المجد إلى تركيا بحلول الذكرى الـ100 على الجمهورية التركية في 2023، وهي مهمة اقتصادية بشكل أكبر.
ويرى عضو سابق في حزب أتاتورك "الشعب الجمهوري"، أن أي فوضى تحدث في تركيا هي جزئيا بفعل أردوغان".
وبعد نبذة من قبل الغرب، وجد أردوغان الذي كان رئيس وزراء لأكثر بلد ناجحة اقتصاديا وديمقراطيا آنذاك، فرصة ليكون "قائد القادة الجدد"، على حد وصف بلومبرج التي أشارت إلى أن معظم الحكومات الجديدة شاركته أصوله الخاصة بالانتماء إلى الإخوان المسلمين.
وأضافت الصحيفة أن السياسة الخارجية التركية تركز الآن أكثر على أهداف في الشرق الأوسط مقارنة بأي وقت سبق في عهد العثمانيين، لافتة إلى أن مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي التي بدأت منذ 2004، شبه متوقفة بسبب أخطاء من الجانبين. كما أشارت إلى أن الرئيس التركي ومسؤوليه في الحكومة يتهمون الولايات المتحدة وأوروبا بالتآمر ضد بلادهم بصفة يومية تقريبا.
وبالرغم من أن أسلوب أردوغان الشعبوي والقومي المتزايد يتناسب تماما مع عالم يحكمه أمثال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، إلا أن سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة ربما تعرض تركيا للخطر أيضا.
ويحارب الجيش التركي، ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، حاليا في سوريا، ويعاني الاقتصاد التركي الذي كان مزدهرا ذات يوم في ظل الهجمات الإرهابية والحملة السياسة التي تبعت الانقلاب العسكري الفاشل ضد أردوغان الصيف الماضي، وفقا للصحيفة.
بلومبرج اعتبرت في ختام تقريرها إجراءات أردوغان الأخيرة والدستور الجديد تهديدات لديمقراطية تركيا.