بعد 100 سنة.. معركة هوية تشتعل بين عملاقي الدوري التونسي
اشتعلت خلال الفترة الأخيرة معركة هوية بين ناديي الترجي والإفريقي عملاقي الدوري التونسي على مر تاريخه الطويل.
وانتقل التنافس بين الترجي والإفريقي من داخل المستطيل الأخضر إلى حلبة شبكات التواصل الاجتماعي خلال الفترة الأخيرة، في الوقت الذي يستعد فيه الناديان لانطلاق النسخة الجديدة من الدوري التونسي التي ستبدأ يوم 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي.
وتعيش شبكات التواصل الاجتماعي في تونس على وقع "حرب مفتوحة" بين جماهير ناديي العاصمة التونسية، بخصوص معركة الهوية الوطنية لنادييهما.
وشكلت احتفالات مرور قرن على تأسيس الناديين فرصة لجماهيرهما من أجل محاولة استقراء التاريخ وإثبات الدور الوطني لكليهما في محاربة المستعمر الفرنسي.
وتستند كل من جماهير الترجي والإفريقي في طروحاتها إلى جملة من المعطيات والقرائن التاريخية التي تعتبرها وفقا لمنظورها "دليلا" قاطعا على ارتباط ناديها بالنضال ضد المحتل الأجنبي.
انخراط في الحركة الوطنية
تفتخر جماهير الترجي التونسي بكون ناديها انخرط بشكل تام في الحركة الوطنية منذ تأسيسه في عام 1919 من قبل الصديقين الهادي القلال ومحمد الزواوي.
نادي "الدم والذهب" يفتخر بأن معقله (حي باب سويقة) شكل في فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، نقطة انطلاقة للحراك الوطني بقيادة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي اتخذ من حي باب سويقة مقرا لتحركاته ونشاطه.
رموز سياسية أخرى ارتبط اسمها بهذا الحي، أبرزهم الحبيب ثامر وعبدالعزيز الثعالبي والمنجي سليم وغيرهم، من الذين لعبوا دورا كبيرا في تأطير التحركات الشعبية بهدف محاربة الاستعمار الفرنسي.
جماهير الترجي لا تخفي أيضا افتخارها بكون ناديها دافع بشكل قوي عن الهوية العربية الإسلامية، حيث لم يسمح لأبناء الجاليات الأوروبية المتواجدة في تونس في تلك الفترة بحمل قميصه لأسباب مبدئية تتمثل في الدور الوطني للنادي وجماهيره عبر السعي للمساهمة في معركة الاستقلال.
يذكر أن العاصمة التونسية كانت في فترة ما قبل الاستقلال تضم جاليات أوروبية كبرى تملك كلها أندية تنشط في دوري الدرجة الأولى، وكانت مباريات الترجي تشهد حضورا كبيرا من قبل الجماهير التونسية التي رأت في تشجيعه شكلا من أشكال مقاومة المستعمر.
ويقول عبد العزيز بلخوجة، الكاتب التونسي في هذا الصدد " الترجي يمثل شكلاً من أشكال النضال السياسي، ولد بإرادة نضالية ضد المستعمر، خصوصاً أنه الفريق الوحيد الذي كان يضم تونسيين مقابل باقي الفرق التي ينشط فيها الفرنسيون والمالطيون والإيطاليون".
المؤرخ محمد ضيف الله يعتبر أن الترجي كان يمثل في تلك الفترة رمزا من رموز الحركة الوطنية، باعتباره ظل حصرا على اللاعبين التونسيين حتى تاريخ استقلال الجمهورية التونسية.
وقال في هذا الصدد "الكل كان يتقرب من الترجي أول ناد تونسي يلعب في الدرجة الممتازة، فكانوا يحضرون المباريات باعتبار أن الفريق يحظى بشعبية واسعة وهو واجهة الرياضة الوطنية، ويُمثل أيضًا بابا يعمل من خلاله السياسيون على نشر الوعي وتحريك مشاعر الانتماء".
زياد الجندوبي، مشجع وفي لنادي العاصمة التونسية، يقول أيضا بخصوص هذا الموضوع: "عكس النادي الإفريقي الذي كان يضم في صفوفه لاعبين إيطاليين وفرنسيين على غرار ميلازيلو وأندريه ودورين وكورسو وجاستون، حافظ الترجي على هويته العربية الإسلامية عبر التعويل بشكل حصري على اللاعبين التونسيين".
وواصل: "الترجي أيضا رفض التعامل مع المستعمر الفرنسي، عكس جاره الذي شارك في دورة مخصصة لأحد الاحتفالات الدينية في فرنسا".
تونسي المنشأ
تفتخر جماهير النادي الإفريقي بكون ناديها لم يرأسه أي فرنسي عكس الترجي الذي اضطر للاستعانة برئيس فرنسي صوري هو لويس مونتاسييه عند تأسيسه في عام 1919 بحكم القوانين الجاري بها العمل في تلك الفترة، والتي كانت تمنع التونسيين من ترأس الجمعيات الرياضية.
وتم تأسيس النادي الإفريقي بتاريخ 4 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1920 برئاسة البشير بن مصطفى الذي أشرف على تسيير النادي لفترة عامين، قبل أن يخلفه الهادي القيناتي.
وتعتبر جماهير الإفريقي أن خطوة إجبار الفرنسيين على السماح بتعيين رئيس تونسي للنادي الإفريقي شكلت أول لبنة في مشروع التصدي للمستعمر وقتها، الذي أراد وضع اليد على الجمعيات الرياضية بحكم معرفته بأهمية الدور الذي تلعبه.
حي باب جديد معقل النادي الإفريقي مثل أيضا لسنوات إحدى أبرز القلاع التي اعتمدت عليها حركة المقاومة من أجل ترسيخ الحس الوطني لدى عامة الشعب.
ويقول هشام الحاجي عضو رابطة أحباء النادي الإفريقي في هذا الصدد: "اختار الآباء المؤسسون للنادي الافريقي أن يتحدوا الادارة الاستعمارية من خلال الاصرار على أن يكون رئيس النادي تونسي الجنسية ومسلم الديانة، وهو ما كانت ترفضه القوانين المنظمة للنشاط الرياضي في تونس الرازحة تحت الاستعمار، والتي كانت تفرض أن يكون رئيس النادي فرنسي الجنسية".
وتابع "مؤسسو النادي الإفريقي اختاروا اللونين الأبيض والأحمر كلونين مميزين للنادي، والأبيض والأحمر هما اللونان اللذان يتكون منهما العلم التونسي. وإمعانا في التحدي اختاروا أن يوشح قميص النادي وفي مستوى قلب حامله شعار يتكون من نجمة وهلال وهما من مكونات العلم التونسي من ناحية ورمز للهوية الإسلامية التي كان الاستعمار يعمل على تذويبها".
وواصل: "من هذه الزاوية، فقد أسهم النادي الإفريقي في إحياء الوعي الوطني وواكب تطوره و لعب دورا في النضال ضد الاستعمار، وفي كل التحولات الاجتماعية التي عاشتها تونس منذ الاستقلال وإلى حد الآن".
aXA6IDE4LjExOS4xNTkuMTk2IA==
جزيرة ام اند امز