بعد حرب أوكرانيا.. إستونيا تستحدث منصبا بالجيش لـ"زيادة العزيمة" لدى مواطنيها
عندما شنّت روسيا الحرب على أوكرانيا قبل عام كان من المفاجئ بالنسبة لها رؤية استعداد جميع الأوكرانيين للدفاع عن بلدهم، والبعض الآخر، بإبقاء دور المجتمع المدني مستمرا.
ووفق تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية فإنه في حين قد يدعم عدة أشخاص فكرة الدفاع عن بلدهم، يتعين على الحكومات تحويل هذا الاستعداد إلى مهام عملية، وإثبات القدرة على إحباط أي هجمات معادية.
وفي فنلندا، أجرت وزارة الدفاع مؤخرا استطلاعا سنويا أعلن فيه 82% من المشاركين استعدادهم لتولي المهام -سواء كانت عسكرية أو مدنية- دعما للدفاع عن البلد حال تعرضها للحرب.
لكن جهّزت فنلندا نفسها لهذا منذ آخر مرة تعرضت فيها للغزو، خلال الحرب العالمية الثانية. ومع إظهار الأوكرانيين -كما فعل الفنلنديون خلال حرب الشتاء في (1939-1940)- الأهمية القصوى للاستعداد الدفاعي التي تشمل كل جزء من المجتمع، تحاول إستونيا المجاورة بناء واحدة أيضا.
وحددت رئيسة وزراء إستونيا كاجا كالاس، التي حصلت على تصويت مدوٍّ بالثقة خلال الانتخابات البرلمانية في إستونيا في 5 مارس/آذار، المسار بوقوفها ضد موسكو.
وقال هيلموث مارتن ريزنر، مدير إدارة عزيمة الدفاع بوزارة الدفاع الإستونية: "في الماضي، كان بناء الاستعداد الدفاعي في الغالب نتيجة ثانوية للتوعية العامة والتواصل مع الجمهور. لكن سكرتيرنا الدائم أراد التأكد من جعل مقاربتنا إلى الاستعداد الدفاعي أكثر تنظيما وتنسيقا، مع التأكيد على قياس التأثير. على سبيل المثال، نريد أن يكون جنود الاحتياط لدينا متحمسين للغاية ومستعدين للدفاع عن إستونيا، ونريد أن يقدم مجتمعنا الدعم لأفراد الخدمة والمقاومة المسلحة ضد المعتدي".
وذكرت "فورين بوليسي" أن ريزنر هو المسؤول المكلف بتحقيق ذلك؛ وتم إنشاء منصبه في وقت سابق من هذا العام، ولن يتعيّن عليه خلق العزيمة فحسب، وإنما وأيضًا ضمان تنسيق مشاركة المدنيين في مقاومة العدوان بشكل مناسب وربطها بالجهود العسكرية.
وأشار التحليل إلى وجود دولة مليئة بالأشخاص المستعدين للدفاع عن وطنهم بشتى الطرق، والمدربين على فعل ذلك، وتعمل الحكومة على تنسيق جهودهم، سيبعث بإشارة إلى المعتدي المحتمل بأن الهجوم لا طائل منه.
وتجري إستونيا أيضا استطلاعات لسكانها، المواطنين وغير المواطنين على حد سواء، سنويا في الأمور المتعلقة بالأمن القومي.
وفي أحدث استطلاع، أجري بعد فترة قصيرة من الحرب الروسية على أوكرانيا، اعتقد 81% من السكان أن المقاومة المسلحة في حالة تعرض بلدهم لهجوم ضرورية بالتأكيد أو إلى حد ما، بزيادة 9% عن عام 2021.
وقال الثلثان إنهم مستعدون جدا أو إلى حد ما للمشاركة في أنشطة دفاعية وفقا لقدراتهم ومهاراتهم، بزيادة 10% عن عام 2021.
لكن مما يبعث على القلق أن 31% قالوا إنهم سيحاولون المغادرة إذا تعرض البلد للهجوم، مقارنة بـ55% قالوا إنهم سيبقون. (وكانت النسبة بين المواطنين غير الإستونيين مرتفعة بشكل خاص: 40%). وقال الثلث فقط إنهم سيودون معرفة ما يتعيّن عليهم فعله حال شنت دولة معادية هجوما.
وتتمثل مهمة ريزنر في تعزيز تلك الجوانب الضعيفة، وتسهيل الأمر على المقيمين في إستونيا، ودفعهم ليس للإيمان بالدفاع عن البلد فحسب، وإنما الرغبة في المساهمة فيه.
وكان هناك سؤال أصاب وزارة الدفاع هناك بالحيرة، وهو السبب وراء أن جنود الاحتياط -الذي أكملوا خدمتهم العسكرية- يدعمون الدفاع العسكري بشكل كبير، لكن يترددون في المشاركة بالتدريبات.
وقال ريزنر: "يرتبط العائق الرئيسي بمستوى دخل الشخص، والثاني هو الصحة، أما الثالث فهو الافتقار للدعم من أفراد العائلة".
وأضاف: "نتحدث عن مختلف أصحاب العمل لمعرفة كيفية تحفيز الشركات الخاصة كي تصبح أكثر دعما. قد يكون الأمر عبارة عن تقليص للضرائب إذا واصلوا دفع الرواتب كاملة لجنود الاحتياط الذين يشاركون في التدريبات، تزكية مثل إعطاء نجمة ميشلان، أو أشكال أخرى من الحوافز".
وتواجه إستونيا أيضا نفس التحديات التي تواجهها الدول الأخرى والمتمثلة في طبيعة المهام التي يمكن للمدنيين العاديين أداؤها لدعم الجيش.
وهذا الشهر، سيجري فريق ريزنر استطلاعا للإستونيين لتحديد أنواع الأدوار -من الخطوط الأمامية إلى الدعم- التي سيكونون مستعدين لأدائها.
وخلال الحرب الباردة، كانت السويد علما رئيسيا في مثل هذا التخطيط والتدريب الدفاعي الشامل. واحتفظت الحكومة بقائمة محدثة بانتظام للمناصب التي تحتاج إلى أن يتم شغلها في حالة الحرب. فإذا كانت هناك حاجة للاحتفاظ بمنصب مدني مهم -مثل مهندس محطة طاقة أو طبيب أو معلم- خلال الحرب، لن يتم استدعاء هؤلاء الأشخاص للخدمة العسكرية.
وعندما شنت روسيا الحرب على أوكرانيا، ارتجل المدنيون الأوكرانيون لتشكيل مجموعات لدعم الجهود العسكرية والإدارة اليومية للمجتمع.
ويظل مخطط التوظيف السويدي بالحرب الباردة الأفضل ضمن فئته، لكن تغيرت العديد من اقتصادات الدول خلال العقود الثلاثة الماضية بشكل جذري. واليوم، يمكن لمهندسي البرمجيات ولمؤثري شبكات التواصل الاجتماعي لعب دور مهم في الدفاع عن البلد أيضًا.
ومع وصول العلاقات مع روسيا إلى الحضيض، سيتعيّن على إستونيا بناء عزيمة شعبها للدفاع -ليس فقط بتنمية الدعم المجرد للدفاع عن البلاد وإنما بالاستعداد للانضمام إلى الجيش- في وقت قياسي. لكن حقيقة أنها تبدأ بمجتمع أقل تجانسًا من مجتمع فنلندا، يزيد المهمة تعقيدًا.
ويوجد في إستونيا عدد كبير من السكان من أصل روسي يرجع إلى الحقبة السوفياتية، حوالي ربع إجمالي السكان. واليوم، يعيش في البلد العديد من الوافدين، لا سيما في صناعة التكنولوجيا، ومؤخرا استقبلت آلاف اللاجئين الأوكرانيين.
وفي حين كان هؤلاء الروس متعاطفين لفترة طويلة مع روسيا، تسببت الحرب الدائرة في تراجع هائل في هذا الولاء. لكن لا يترجم هذا التراجع بالضرورة إلى دعم لجهود الدفاع الإستونية، ولا يعني أيضًا أنهم لا يمكن أن يكونوا جزءا من جهود الحفاظ على سلامة البلد، لكن اجتذابهم وتنسيق تعاونهم قد يكون أكثر صعوبة.