غيّرت حياة 1.5 مليون يتيم.. إثيوبيا تودّع الأم تريزا بالدموع
ودّع المئات في العاصمة أديس أبابا، الثلاثاء، بالدموع والشموع رمز الإنسانية في إثيوبيا أببش غوبنا، صاحبة أول دار لرعاية الأيتام بالبلاد، التي توفيّت عن 85 عاماً، جرّاء إصابتها بفيروس كورونا.
وفي مشهد مهيب شيّع المئات من سكان أديس أبابا جثمان أببش غوبنا إلى مثواها الأخير، حيث اصطف العشرات على أرصفة الشوارع الممتدة من منزل الراحلة المعروفة بالأم تريزا الإثيوبية، والمؤدية إلى كاتدرائية الثالوث المقدس وسط العاصمة وسط حضور رسمي وشعبي.
برقيات تعازٍ محليّة ودوليّة
وفور وفاة أببش غوبنا، الأحد، توالت برقيات التعازي من المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية والإقليمية والشخصيات العامة، معبرة عن حزنها لرحيل راعية الأيتام.
وأعرب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عن عميق حزنه لرحيل أببش غوبنا.
وقال في تدوينة على فيسبوك: "أشعر بالحزن الشديد لسماع خبر وفاة الدكتورة غوبنا، التي كانت تعتبر مثالاً للعطف والرأفة بإثيوبيا. أتقدم بالتعازي لأسرتها وأصدقائها وكل محبيها الذين كانت تستظلهم بعطفها ورعايتها".
كما أعربت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف) عن حزنها لرحيل غوبنا، وقالت إن "غوبنا كانت أماً لأطفال إثيوبيا الضعفاء وكرّست حياتها لرعاية الأطفال، وكانت مصدر إلهام للكثيرين وتم تقديرها والاعتراف بها لالتزامها المتفاني تجاه الضعفاء".
وأشارت "يونسيف" في تغريدة على تويتر إلى أنَّ الراحلة رعت أكثر من 1.5 مليون يتيم ضمن رحلتها الممتدة لأكثر من 3 عقود في العمل الإنساني عبر منظمتها.
بدوره، أعرب الأمين العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم، عن حزنه لوفاة غوبنا "الأم تريزا في أفريقيا"
وقال في تغريدة على تويتر إن "وفاتها خسارة كبيرة ويجب ألا ننسى إرثها.. لقد كان لي شرف معرفتها والعمل معها لتحسين صحة الأطفال ومكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)".
وأطلق على الراحلة أببش غوبنا، العديد من الأسماء والألقاب لدورها الإنساني ورعايتها للأيتام، فهي "الأم تريزا في إثيوبيا"، و"الأم تريزا في أفريقيا"، و"أم اليتامى".
ومن خلال جمعيتها الخيرية لرعاية وتنمية الأطفال كأقدم دار للأيتام في إثيوبيا غيّرت حياة أكثر من 1.5 مليون طفل وفق شهادة منظمة "يونسيف".
حكاية الراحلة أببش غوبنا
وتعود حكاية الراحلة أببش غوبنا للعام 1983 الذي شهد أسوأ مجاعة ضربت إثيوبيا وأودت بحياة الآلاف، عندما كانت غوبنا في رحلة إلى أحد التلال الجبلية في إقليم أمهرا شمالي البلاد، لتعثر بالقرب من المكان الذي تخيّم فيه على طفلين مات والداهما للتو بسبب الجوع، فلم تستطع أن ترحل وتتركهما يواجهان مصير والديهما، لتبدأ واحدة من أكثر القصص إنسانية في إثيوبيا منذ ذلك الحين، واضعة نواة لأول دار للأيتام في البلاد.
وفي وقت سابق أجرت "العين الإخبارية" مقابلات مع بعض المتعاملين مع جمعية "أببش غوبنا لرعاية الأيتام"، للوقوف على دورها الطليعي وجهودها الكبيرة في هذا العمل الإنساني الطوعي بالبلاد.
وقال يتبارك تكالين، مسؤول العلاقات العامة في جمعية "أببش غوبنا لرعاية الأيتام" إن "قصة غوبنا بدأت حين جاءت بطفلين من منطقة (ولو) إلى منزلها في منطقة أباكوران شمال أديس أبابا، في عام 1983، عادت بالطفلين إلى بيتها لتدخل في مواجهة قوية مع زوجها الذي رفض فكرة رعاية الطفلين، وخيرها بينه وبينهما، فقررت الانفصال عنه وتركت له البيت لتتفرغ لرعاية الصغيرين اليتيمين".
وأشار تكالين إلى أن "غوبنا تعرّضت إلى الكثير من الانتقاد من عائلتها وأقاربها، ونعتها معارفها بالجنون، لكنها واصلت مسيرتها في سبيل مهمة نبيلة وإنقاذ الطفلين اليتيمين من المجاعة التي لم تبق على شيء وقتها".
وأضاف تكالين: "سعت غوبنا إلى بناء بيت من الطين لتعيش هي والطفلان فيه، فباعت كل ما تملك لتبدأ مسيرتها في رعاية الأيتام من بيت متواضع يسع بالكاد 4 أو 5 أشخاص على الأكثر، لكنها لم تتوقف عن البحث عن ضحايا آخرين للمجاعة لتنهي عامها وهي تضم 21 طفلاً آخر في منزلها".
واجهت غوبنا تحديات وظروفاً قاسية لتوفير الأكل والشرب للأيتام في دارها، واضطرت للخروج للعمل، فكانت تبيع المكسرات المحليّة لعل عائدها يعينها على رعاية الأيتام، لتؤسس رسمياً في عام 1986 أول دار للأيتام في بلادها.
منذ ذلك الحين، انتشرت قصتها في ربوع أديس أبابا لتتعداها إلى المدن والمناطق المختلفة، فهب القادرون أياً كانت ديانتهم إلى مساعدتها ودعمها لتتمكن من رعاية أيتامها، حسب ما يقوله تكالين.
تلقت غوبنا عدة جوائز من منظمة الغذاء العالمي وجامعة أديس أبابا كما منحت الدكتوراه الفخرية من جامعة جيما عام 2004.
أنشأت غوبنا عدداً من مراكز التدريب المهني للأطفال الأيتام في دارها، تقدّم دورات تدريبة للأطفال الأيتام من داخل الدار وخارجها، إلى جانب العمالة العائدة من دول الشرق الأوسط.