ليست مصادفة أن تحدث محاولة اغتيال رئيس الوزراء الإثيوبي الشاب أبي أحمد الذي تولى منصبه منذ أشهر
ليست مصادفة أن تحدث محاولة اغتيال رئيس الوزراء الإثيوبي الشاب أبي أحمد الذي تولى منصبه منذ أشهر، ولم يسجل في رصيده تجاه أي طرف داخلي أو خارجي سوى النجاح تلو الآخر على الصعد السياسية والأمنية والدبلوماسية والاقتصادية.. فهناك من تضررت مخططاته حين رأى قوى الخير تجتمع وتتحد في منظومة سياسية واجتماعية فاعلة ومؤثرة داخلياً وخارجياً، وبدأت في انتزاع ثقة المحيطين بها من الدول الإقليمية الفاعلة.
أبي أحمد الذي ينتمي لقبيلة الأرومو إحدى أكبر القبائل الأثيوبية التي كانت تعاني تهميشاً سياسياً وحقوقياً، نجح في الوصول إلى منصب رئاسة الوزراء ونجح على إثر ذلك في إخماد فتنة كادت تعصف بالبلاد ونظامه؛ لولا تلك الخطوات الإصلاحية واسعة النطاق في مختلف المؤسسات السيادية، والخطوات الانفتاحية الجريئة خارجياً على الصعد الاقتصادية والدبلوماسية، والتي كانت تعاني حالة جمود وتجيير لصالح أجندة مجهولة المآرب.
مدت أثيوبيا يدها أخيراً لأشقائها وجيرانها ورفضت التقوقع والانغلاق، فوجب التفاعل معها بذات المستوى من الجدية من جميع الأشقاء في المنطقة على جميع الصعد لاسيما فيما يتعلق بالقوة الناعمة متنوعة الأشكال، وعلى رأسها الإعلام والثقافة والرياضة بجميع أنواعهم
لو عدنا بالزمن قليلاً إلى الوراء لرصد أبرز ما قام به الزعيم الشاب على الصعيد الخارجي لوجدنا أن إحداها كان خطوة اقتصادية ودبلوماسية رفيعة المستوى، فاستقباله لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تداولته وسائل الإعلام والمحللون السياسيون باهتمام كبير، لاسيما ما تم الإعلان عنه من أرقام سخية رافقت تلك الزيارة، ثلاثة مليارات دولار قدمتها الإمارات لأثيوبيا مليار دولا لصالح دعم خزينة الدولة، ومليارا دولار في هيئة اسثمارات تنموية وتجارية يعود خيرها على استقرار البلاد وأمنه، وفي ذلك من التقدير والثقة في مستقبل أثيوبيا الكثير من قبل القيادة الإماراتية الحكيمة، و التي تتحرك بخطوات مدروسة مدفوعة بإعلاء مصلحة المنطقة وأمنها الاقتصادي والسياسي والفكري، وفيها من الإشارات الاقتصادية والاستثمارية لجهات عديدة ستلتقطها وتحث الخطى نحوها، حيث سبقها من هو أدرى بشؤون الاستثمار الاقتصادي والإنساني. الخطوة الإماراتية منفردة كفيلة بإغاظة من في قلبه مرض، إذ كيف للإمارات أن تحظى بهذا الزخم من الاحتفاء والمقدرة على المساعدة بلفت الأنظار إلى هذا البلد بالقوة الناعمة.. فتحاول النيل من هذه الخطوات الخيرة بعملية غادرة جبانة كالتي استهدفت حشد المؤيدين الذي كان يحضره أبي أحمد بشخصه.
بمعنى سياسي آخر فإن في هذه الخطوة الإماراتية الكبيرة إفشال لكل المشاريع المغرضة التي يحاول تنظيم الإخوان الشرير وأذرعه السياسية تفعيلها في منطقة القرن الأفريقي للسيطرة على قرار دوله، التي أُنهكت جراء انتشار الفوضى والإرهاب الأسود الذي قضى على الجارة الصومال، وامتد حتى أواسط أفريقيا بفعل أيدولوجيا الإخوان التي ترعاها وتغذيها أموال الإخوان المتأسلمين الملوثة، والتي للأسف الشديد تمرر بغطاء قانوني تركي وقطري.
قبل ذلك بأيام يتم الإعلان عن نجاح الاجتماعات الفنية المشتركة الخاصة بسد النهضة في التوصل إلى اتفاق، ثم تعقب هذه الأخبار الجيدة الزيارة الأولى لرئيس الوزراء الأثيوبي إلى القاهرة، والتي كللت بنجاح سياسي ودبلوماسي كان حبيس الصدور لعقود خلت إلا أنها أبت البقاء في الحبس؛ فظهرت على محيا الزعيمين المصري عبد الفتاح السيسي والأثيوبي أبي أحمد حين تبادلا في المؤتمر الصحفي الكلمات والابتسامات العفوية النابعة من القلب والبعيدة عن التكلف والقيود الدبلوماسية، الأمر الذي يشير إلى الرضى التام لما رشح عن ذلك اللقاء الناجح، وهذا يدل على جدية تلك التصريحات التي أدلى بها السسيسي أثناء إحدى زياراته لأثيوبيا للمشاركة في اجتماعات الاتحاد الأفريقي، حين وعد بأن العلاقات بين دول حوض النيل الثلاث لن تكون كسابق عهدها من التوتر وأن لا شيء سيؤثر عليها حتى ملف سد النهضة، وقد كان ذلك قبل تولي أبي أحمد السلطة بأشهر قليلة.
أعقب ذلك رعاية أثيوبيا لمفاوضات سلام بين الحكومة والمعارضة المسلحة في جارتها جنوب السودان لوضع حد للحرب التي اقتربت من أن تضع أوزارها بفضل تلك المباحثات.. ولا ننسى مبادرته لتفعيل اتفاقية الجزائر للسلام في العام 2000 بين بلاده وجارتها أرتيريا ودعوته لإنهاء الخلاف الحدودي بين البلدين، الأمر الذي رحبت به وتجاوبت معه الجارة الأرتيرية على الفور.. وما كل ذلك إلا نتاج رائع للنوايا الحسنة والمتحررة من قيود المصالح الضيقة التي توافق ذات النوايا الحسنة التي لدى جيران أثيوبيا الذين سيكونون سعداء بأن تعود أثيوبيا إلى ممارسة دور تاريخي في الدبلوماسية تمتعت به منذ عهد الملك النجاشي.
أخيراً .. مدت أثيوبيا يدها أخيرا لأشقائها وجيرانها ورفضت التقوقع والانغلاق؛ فوجب التفاعل معها بذات المستوى من الجدية من جميع الأشقاء في المنطقة على جميع الصعد لاسيما فيما يتعلق بالقوة الناعمة متنوعة الأشكال، وعلى رأسها الإعلام والثقافة والرياضة بجميع أنواعهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة