السودان وإثيوبيا.. نزاع حدودي "تاريخي" يهدأ ليشتعل
تبدأ لجنة الحدود المشتركة بين الخرطوم وأديس أبابا اجتماعاتها، غدا الثلاثاء، وذلك على خلفية الأحداث المتصاعدة حول الحدود بين البلدين التي ما تلبث أن تهدأ حتى تعود إلى الواجهة بين الحين والآخر.
وتنعقد الاجتماعات وسط توتر حدودي وحشد عسكري من الجانب السوداني الذي أعلن استعادة أراضيه وفرض سيادته على كامل حدوده مع إثيوبيا.
ودفعت التوترات الأمنية على الحدود بين البلدين إلى تفعيل عمل اللجنة المشتركة للحدود، حيث عقد الاجتماع الأخير في مايو 2020 بأديس أبابا وكان من المقرر عقد اجتماع مماثل بعد شهر لكن تم إلغاؤه.
ويعود ملف النزاع الحدودي المتجدد بين السودان وإثيوبيا إلى الواجهة مرة أخرى بعد إعلان الجيش السوداني، الأربعاء الماضي، أن قواته تصدت لاعتداء “من مليشيات إثيوبية” في منطقة الفشقة.
ويتراوح الحال على الحدود السودانية الإثيوبية بين المرونة والصلابة تبعاً لارتفاع وتيرة التأثيرات السياسية والتحولات الداخلية لكلا البلدين.
وللنزاع الحدودي السوداني الإثيوبي تاريخ قديم، يعود إلى خمسينات القرن الماضي، ما جعله يتجدد بسبب إهمال حسم ملف ترسيم الحدود بين البلدين ليأتي التوتر المتصاعد أخيراً.
جاءت تلك التوترات بعد إعلان السودان عن تعرض قوات من الجيش لـ"كمين من المليشيات الإثيوبية"، أثناء عودتها من "تمشيط منطقة حول جبل أبوطيور"، ما أسفر عن "خسائر في الأرواح والمعدات" لتبدأ معها مؤشرات التوتر المستجد.
في هذا التسلسل الزمني نستعرض أبرز المحطات التاريخية في النزاع الحدودي بين الخرطوم وأديس أبابا بمنطقة الفشقة اعلى طول الحدود السودانية الإثيوبية.
المليشيات والفشقة
تمثلت المشاكل والاشتباكات الحدودية في هذه المنطقة التي غالبا ما يكون الفاعلين الرئيسين بها هم المليشيات المحلية وعصابات الشفتة (وجميعها لا تخضع لسلطة الحكومة الإثيوبية) في الاختطاف وطلب فدية وسرقة المواشي وانتزاع الأراضي الزراعية تتكرر منذ عشرات السنين؛ خصوصاً عند اقتراب فصل الخريف وموسم الحصاد.
وتمسك الجانب السوداني بموقفه في سيادته على منطقة الفشقة الكبرى والصغرى، ويرى أنه لا يوجد نزاع حول هذه الأراضي مع إثيوبيا سوى عدم وضع علامات الترسيم الحدودية.
ووفقا للخرطوم تعود مشكلة ترسيم الحدود إلى عام 1902 بين بريطانيا التي كانت تستعمر السودان وإثيوبيا لكن ما زالت هناك ثغرات في بعض نقاط الترسيم بوضع العلامات ما يتسبب بانتظام في وقوع حوادث مع المزارعين الإثيوبيين الذين يأتون للعمل في أراض يؤكد السودان أنها تقع ضمن حدوده.
عقدة توتر العلاقات
الفشقة هي منطقة زراعية على حدود ولاية "القضارف" ومقسمة لثلاث مناطق "الفشقة الكبرى" و"الفشقة الصغرى" و"المنطقة الجنوبية" ويشقها نهر "باسلام" إلى جانب نهري "ستيت" و"عطبرة"، وتوجد بها أراض زراعية خصبة تبلغ مساحتها 251 كيلومترا.
وتشهد خلال فترتي الإعداد للموسم الزراعي والحصاد، هجمات تشنها بعض المليشيات وعصابات.
الشكوى السودانية
وتقدم السودان بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي عام 1996 في عهد رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوي، بعد توتر العلاقات بين البلدين على خلفية محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل حسني مبارك في يونيو 1995، ودخول الجيش الإثيوبي أراض سودانية إثر ذلك الخلاف، اعتبرته الخرطوم رداً انتقاميا من أديس أبابا على تلك الخطوة التي اتهم في التدبير لها نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
وتجددت الهجمات الحدودية في عهد حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هيلي ماريام ديسالين على منطقة الفشقة وسرعان ما سعت حكومتا ديسالين والبشير إلى تهدئة الأمور وتشكيل لجان فنية مشتركة لمناقشة مسألة الحدود، وهي الخطوة التي تفاءل البعض بقدرتها على إنهاء النزاع، لكن الاتفاق لم يُنفذ.
غير أنها توقفت في 2013 بعد أن توصلا إلى اتفاق ما زال العمل جاريا على تنفيذه بشأن رسم الحدود ووضع العلامات على الأرض.
في عام 2015 عقب إعادة انتخاب هيلي ماريام ديسالين، أكد على أن حكومته لن تستطيع اتخاذ أي قرار بخصوص الحدود مع السودان دون معرفة واستشارة الشعب، معتبرا النزاع قديم وبحاجة الى دراسة وتأني.
وفي عام 2017، تطورت العلاقات بين حكومة ديسالين والبشير، ووصلت إلى إعلان التكامل السياسي والاقتصادي بينهما، وجعل الحدود بين البلدين للمصلحة المشتركة فضلا عن قيام مناطق حرة لتعظيم الفائدة منها.
لكن نزاع منطقة الفشقة لم يتم حسمه، لتصدر الحكومة السودانية بعدها قرارًا بمنع المزارعين من تأجير أراضيهم لنظرائهم في إثيوبيا.
وفي أغسطس عام 2018، اتفق السودان وإثيوبيا على نشر قوات مشتركة على الحدود بين البلدين لمنع التوترات، فضلا عن اتفاق بتنمية مشتركة للأراضي والقرى وضبط الحدود بين الجانبين.
توتر مفاجئ
عام 2019 توترت علاقات أديس ابابا بالخرطوم إثر اتهامات للأولى لجارتها بعدم ضبط الحدود واستغلالها من قبل مهربي الأسلحة، كما أن الأراضي المشتركة على الحدود لم تخلوا من هجمات متكررة لكنها لم تتطور مثل ما شهده العام 2020.
في الـ 25 من مايو الماضي، تصاعد التوتر الحدودي بين أديس أبابا والخرطوم وصل إلى تبادل إطلاق النار غير أن الجيش السوداني أكد مساندة نظيره الإثيوبي للمليشيات في الاشتباكات بالضفة الشرقية لنهر عطبرة مقابل "بركة النورين" و"قرية الفرسان" في ولاية القضارف .
والأربعاء الماضي أعلن الجيش السوداني أن قواته تصدت لاعتداء "من مليشيات إثيوبية" في منطقة الفشقة، الحدودية بين البلدين أسفرت عن خسائر وكان هذه التصعيد الأخطر من نوعه منذ 25 عاما.
أديس أبابا من جانبها قللت من التصعيد وأكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قوة العلاقات "التاريخية" بين البلدين التي لن تكسرها مثل الأحداث الحدودية الأخيرة بين البلدين.
aXA6IDMuMTM1LjE4NC4xOTUg
جزيرة ام اند امز