"الدناكل" الإثيوبي.. "بوابة الجحيم والجمال" في قلب أفريقيا
صحراء "الدناكل" تعد من أخطر وأجمل الأماكن في نفس الوقت في العالم.
"بوابة الجحيم" هو الوصف الدقيق لمنخفض "الدناكل" الإثيوبي، وتحديدا قرب حدودها مع إرتيريا في صحراء "الدناكل" شرق وشمال شرق إثيوبيا ،إذ يعد واحدا من أخطر وأجمل الأماكن في نفس الوقت على مستوى العالم، ويوجد على ارتفاع 125 مترا فوق مستوى سطح البحر، وتبلغ مساحته نحو 300 كيلومتر مربع.وحسب "ناشيونال جيوجرافيك"، يطلق على صحراء الدناكل "أقسى مكان على الأرض" أو "بوابة الجحيم"، نظرا لسخونتها وانخفاضها الشديد، حيث تصل في بعض مناطقها إلى 160 مترا تحت سطح البحر، ويسمى هذا الجزء المنخفض من الصحراء بمنخفض العفر أو منخفض الدناكل.
بيئة صعبة لمجتمع له تاريخ
ولكن رغم كل الصعاب، يعيش شعب العفر في المنطقة التي ترعرع فيها، وكانت فيها أقدم الحضارات "أحفوريات لوسي وسلام واردا" التي توضح أقدم إنسان في المنطقة.
ويتداخل منخفض الدناكل مع حدود إريتريا وجيبوتي وإقليم عفار بأكمله في إثيوبيا، وهو يعتبر جزء من الإخدود الأفريقي العظيم في شرق إفريقيا.
ولأن تلك المنطقة تقع وسط ثلاث صفائح تكتونية نشطة وهواؤها محمل ببخار الكلور والكبريت الذي سيكون كافيًا للاختناق، بالإضافة إلى المياه التي تحمل تركيزًا عاليًا من الأملاح، وتصل حرارتها إلى ما يقارب درجة الغليان، أصبحت من أكثر الأماكن طردًا للكائنات الحية بمختلف أنواعها.
ويصنف "منخفض الدناكل" كمنطقة بركانية بسبب وقوعه بالقرب من جبل "عرتلي" البركاني، حيث تتحرك الانصهارات البركانية الغنية بالمعادن قريبة من سطح الأرض، ما يجعلها تتسبب في تسخين المياه وحملها إلى السطح، حاملةً معها بعض المعادن الذائبة وكميات كبيرة من الأملاح.
الحياة في منخفض الدناكل
وبالنظر إلى تلك الظروف القاسية، فإن الحياة تكاد تكون معدومة، إلا أن الباحثين قد اكتشفوا وجود كائنات حية دقيقة كبعض أنواع البكتيريا، التي تسمى بـ"extremophiles" أو "المحبة للظروف القاسية" قد تمكنت من العيش هناك، تلك الكائنات التي تستطيع تحمل غليان المياه وتراكيز الأملاح العالية دون الموت، بالإضافة إلى تمكنها من التكيف مع نظام بيئي فريد، تشكل اهتمامًا كبيرًا لدى علماء الأحياء الفلكية لما تحويه من أسرار قد تمكنها من الحياة خارج كوكب الأرض.
المستنقعات في منخفض الدناكل
وبالرغم من الظروف القاسية التي يعاني منها المنخفض، ففيه تتشكل مداخن بخار الماء الصفراء بسبب وجود تراكيز عالية من الكبريت، معها مياه حامضية تصل حرارتها إلى 90 درجة مئوية، وإلى جانبها تتكون مستنقعات بلون أزرق يميل إلى الخضرة، نسبة للكميات الكبيرة من أملاح النحاس التي توجد في مياه تصل حرارتها إلى 40 درجة مئوية.
والمستنقعات لا تتكون من المياه وإنما من الأحماض وخاصة حمض الكبريت، بالإضافة إلى حمم بركانية قديمة وبلورات الأملاح (لهذه المركبات من القوة ما يجعلها قادرة على إذابة الجسم البشري).
كما يصعب الاقتراب من بعض أجزائها من دون استخدام الأقنعة الواقية، بسبب الأبخرة السامة التي تنتجها تفاعلات هذه المواد الطبيعية، وعندما نتجول معا على السطح من هذا المستنقع المدهش يمكن أن نرى طبقة ملونة بدرجات جميلة من اللون الأصفر (الكبريت) والأبيض (أملاح) والبني (أكسيد الحديد).
ويعتقد العلماء أن هذه المنطقه كانت قد غمرتها مياه البحر الأحمر ثلاث مرات على فترات متباعدة زمنيا، وربما ستغمرها مرة أخرى خلال عدة ملايين من السنوات.
كما تتسبب أكاسيد الحديد في تكوين تكتلات من الصخور ذات اللون الأحمر، بالإضافة إلى ذلك تشكل تجمعات الأملاح المختلفة في بعض الأماكن لوحات فنية من الألوان الزاهية على الصخور الموجودة، كما توجد بعض الصخور التي تأخذ شكل فطر المشروم، هذا ما جعل المكان يتحول إلى مزار سياحي فريد من نوعه ويشعر السياح أنهم خارج كوكب الأرض.
المعادن وتجارة الملح في منخفض الدناكل
ويحتوي المنخفض على أنواع مختلفة من المعادن والملح والكبريت والحديد، وكلها تظهر بألوان نابضة بالحياة من الأصفر والبرتقالي والأحمر.
كانت الأرض المحيطة بالدناكل جزءا من البحر الأحمر قبل انحسار الماء، ولكن يبقى الملح بكميات كبيرة جدا، ما حوله إلى سلعة ثمينة بالنسبة للسكان المحليين من العفر ، حيث يقومون بتقطيع كتل الملح وتعبئته ونقله على الجمال إلى المدن القريبة ليتم بيعه هناك.
وعلى الرغم من أن العمل يبدو مرهقا، لكنه أصبح أسلوب حياة مألوفة للعفر في المنطقة، الذين جمعوا الملح لأكثر من 100 عام، وتعيش هذه القبائل البدوية في أكواخ خشبية متحركة ويعتنون بقطعان صغيرة من الماشية والماعز والحمير والجمال.
ورغم جفاف المنطقة، فإن نهر أواش يجعل المنطقة تنبض بالحياة، حيث يتدفق من أواسط المرتفعات الإثيوبية إلى البحيرات في منخفض الدناكل، وعند الحرارة الشديدة تتبخر المياه تاركة وراءها أحواض ملح ضخمة.
ويعتبر منخفض الدناكل من المواقع الطبيعية التي تعول عليها إثيوبيا في السياحة، ويتزايد إقبال السياح إلى هذا الموقع سنويا، وهناك العديد من القوافل التي تسير من فترة لأخرى لزيارة الموقع، وهي تحمل عددا من الأجانب القادمين من مختلف الدول.