مهرجان بوهي الإثيوبي.. طقوس النار والأنشودة والوليمة في احتفال ديني

احتفل أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، الثلاثاء، بمهرجان بوهي، أحد أهم أعيادهم الدينية، إحياءً لذكرى تجلي السيد المسيح على جبل طابور.
ويتميز المهرجان الذي يحتفل به في 19 أغسطس/آب الجاري من كل عام بطقوس خاصة تشمل إشعال النيران، وترديد الأناشيد الشعبية المعروفة بـ"هوي هويا"، إضافة إلى إعداد خبائز وولائم تقليدية تجمع العائلات في أجواء دينية واجتماعية فريدة.
ومع قرب انقضاء موسم الأمطار في الهضبة الإثيوبية، يتلألأ وهج النيران في أزقة القرى وأحياء المدن، بينما تتعالى أصوات الأطفال مرددين بمرح أغنية "هوي هويا"، في مشهد سنوي يأسر القلوب ويعيد وصل الأجيال بتراث ضارب في التاريخ.
احتفال ديني وروح إنسانية
يمثل احتفال "بوهي" أكثر من مجرد مناسبة دينية؛ لأتباع الديانة الأرثوذكسية الإثيوبية فهو دعوة مفتوحة للتآخي والتعايش وتعزيز الروابط الإنسانية في بلد متعدد القوميات والأديان والثقافات وعامل وحدة وجداني يجمع العائلات في لحظة فرح مشتركة.
بين النار والأغنية
يبدأ الاحتفال بجمع الفتيان حفنات من النباتات الجافة وعصي خفيفة وسريعة الاشتعال من الغابات والمستنقعات أو من القرى البعيدة، ليشعلوها في ساحات البيوت.
يتجمعون في مجموعات صغيرة يتراوح عددها بين عشرة وأربعين صبيا، يقودهم "زعيم المجموعة"، وينطلقون من بيت إلى آخر مرددين أغنيتهم المميزة "هوي هويا"، وهي أنشودة أمهرية تقليدية تتضمن أبيات مدح لأصحاب المنازل ودعوات لهم بطول العمر والبركة.
وبينما يغني الصبية، يطرقون الأرض بالعصي لتصدر أصواتا إيقاعية تضفي طابعا موسيقيا بدائيا يصاحب الغناء. يخرج أهل البيت بالمكافأة: قطع صغيرة من الخبز التقليدي المعروف بـ"مولمول"، أو هدايا وأطعمة أخرى، فيتحول الاحتفال إلى طقس اجتماعي يربط بين الأجيال.
طقوس النار والفرح
مع حلول الليل، يكتمل المشهد حينما تجتمع العائلات حول ألسنة اللهب المتراقصة، يشعلون الخيزران ويقفزون فوقها واحدا تلو الآخر وسط الغناء والضحك.
الصغار يركضون في دوائر حول النار، والنساء يقدمن الأطعمة التقليدية ويخبزن الخبز المحلي، بينما يتشارك الجميع ذكريات تبقى حاضرة في وجدانهم طويلا.
ولأن الاحتفال يتزامن مع نهاية العام الإثيوبي، الذي يسبق رأس السنة المحلية "إنقوطا طاش" بثلاثة أسابيع، فإن احتفال "بوهي" يرمز أيضا إلى وداع عام مضى واستقبال عام جديد بروح متجددة.
الصوم والولائم
قبل يوم من إحتفال "بوهي"، يلتزم الكثيرون بصوم قصير يضفي على المناسبة قدسية خاصة. وما إن تنطفئ آخر ألسنة اللهب في المساء، حتى تبدأ الولائم العائلية في اليوم التالي، حيث تتزين الموائد بأصناف الخبز والعجين والأطعمة التقليدية. وهي لحظة تمتزج فيها الروحانية بالاحتفال الشعبي، ليصبح المهرجان فسيفساء إثيوبية تجمع بين الدين، والثقافة، والعادات الاجتماعية.
ويمثل احتفال "بوهي" ذاكرة جمعية تتوارثها الأجيال. ففي كل مرة يردد الأطفال "هوي هويا"، أو يقفز الآباء والأبناء معا فوق ألسنة النار، في منظر إحساس عميق بالهوية والانتماء يحافظ على جوهر التقاليد ويمنح الإثيوبيين لحظة نادرة من الانسجام، وسط تعدديتهم الواسعة وتحديات حاضرهم المتغير.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTIyIA==
جزيرة ام اند امز