باسم «الاعتدال».. كيف موّل الاتحاد الأوروبي شبكات مرتبطة بالإخوان؟
تحت أقنعة «الاعتدال» ورايات «مناهضة الكراهية»، وبخطاب مُنمَّق يستعير مفردات الحرية والتنوع، تدفّقت أموال دافعي الضرائب الأوروبيين إلى شبكات الإخوان التي تتقن فن التمويه الأيديولوجي.
هذا ما أكده تقرير أوروبي كشف عن تورّط الاتحاد الأوروبي في تمويل جهات مرتبطة مباشرة أو غير مباشرة بجماعة الإخوان، عبر منح مالية سخية من أموال دافعي الضرائب.
- «تحول جذري».. تحرك أوروبي مشترك ضد تمدد الإخوان بمؤسسات التكتل
- «أوروبا تراست».. محفظة الإخوان المشبوهة في القارة العجوز
التقرير، الذي عُرض خلال مؤتمر صحفي في البرلمان الأوروبي، قبل أيام، ونشرت تفاصيله «ميدل إيست فورم»، يقدّم—وفق معدّيه—«تفاصيل شبه جنائية» توضح كيف أسهمت مؤسسات الاتحاد في إضفاء الشرعية على منظمات مرتبطة بالإخوان، ليس فقط عبر التمويل، بل من خلال منحها معاملة تفضيلية، وإتاحة الوصول إلى شبكات صنع القرار داخل المنظومة الأوروبية الأوسع.
وما كشفه التقرير لا يتصل بزلة إدارية أو سوء تقدير عابر، بل يعرّي خللًا بنيويًا سمح لجماعة الإخوان بأن تحوّل التمويل العام إلى أداة نفاذ ناعم وتعزيز حضورها السياسي والفكري داخل الفضاء الأوروبي، الذي تُضفي به شرعية مؤسساتية على مشروع شمولي يعمل، في جوهره، على تقويض القيم الليبرالية ذاتها التي يزعم الانتصار لها.
«متاهة الإخوان» داخل أوروبا
ويحمل التقرير عنوان «كشف جماعة الإخوان المسلمين: الإخوانية، الإسلاموفوبيا والاتحاد الأوروبي»، وصدر عن مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، وهي كتلة سياسية من يمين الوسط داخل البرلمان الأوروبي. وشارك في إعداده كل من الباحثة الفرنسية فلورانس بيرجيو-بلاكليه والباحث الإيطالي توماسّو فيرجيلي.
ويخلص التقرير إلى أن الاتحاد الأوروبي سمح—عن قصد أو نتيجة إهمال مؤسسي—للجهات المرتبطة بالإخوان بـ«التحايل على النظام»، عبر تكييف أهداف المشاريع المعلنة، واستغلال الثغرات الإدارية، واستخدام لغة تتماهى مع أولويات برامج المنح الأوروبية، بما يضمن تدفق التمويل دون مساءلة حقيقية.
أدوات اختراق مزدوجة
ويرصد التقرير كيف تجمع جماعة الإخوان بين تبنّي شكلي لأيديولوجيا «اليقظة» القائمة على مفاهيم التقاطعية والتمييز البنيوي، وبين خطاب «الوسطية» الذي يُقدَّم بوصفه لاهوتًا للاعتدال والانفتاح.
ويؤكد معدّو التقرير أن هذا المزيج ليس سوى أداة براغماتية لاستقطاب التمويل الأوروبي، بينما تواصل الجماعة في العمق الترويج لأيديولوجيا انفصالية قائمة على تفسير متطرف للإسلام، يضع المسلمين في مواجهة المجتمع الأوسع.
ويصف التقرير شبكة الإخوان في أوروبا بأنها «متاهة تنظيمية» من كيانات شبه مستقلة، تستفيد من ضعف إلمام كثير من مسؤولي الاتحاد الأوروبي بطبيعة الإسلاموية بوصفها أيديولوجيا شمولية.
وتعمل هذه الشبكة وفق ما يشبه «لعبة الدومينو»، حيث تُستثمر الشرعية المكتسبة في دولة عضو واحدة لتوسيع النفوذ في دول أخرى، ثم على المستوى الأوروبي، بما يفتح الباب أمام مزيد من التمويل والشراكات.
رقابة ضعيفة واتهامات جاهزة
وينتقد التقرير، الواقع في 27 صفحة، أنظمة الرقابة داخل الاتحاد الأوروبي، واصفًا إياها بأنها «عديمة الفاعلية» في تتبع الانحرافات عن الأهداف الأصلية للمنح.
ويشير إلى أن تجاوزات خطيرة كثيرًا ما تُغضّ الطرف عنها باعتبارها «حالات فردية»، في حين يواجه المسؤولون الذين يثيرون الشكوك خطر وسمهم بالعنصرية أو «الإسلاموفوبيا»، ما يخلق بيئة ردع غير معلنة ضد أي تدقيق جدي.
وبحسب التقرير، أتاح هذا المناخ لجماعة الإخوان الحصول على مستوى من التمويل والشرعية «لن تحلم به حركات شمولية أخرى» داخل أوروبا.
المدارس الإسلامية كأداة انفصالية
في مقدمة التقرير، يحذر النائب السويدي في البرلمان الأوروبي تشارلي ويمرز من استخدام الإخوان للمدارس الإسلامية بوصفها أدوات لنشر أجندة انفصالية داخل المجتمعات الأوروبية.
ويكتب: «في الديمقراطيات الليبرالية، من القانوني استغلال حريات الدين والتعبير وتكوين الجمعيات للترويج لأيديولوجيات شمولية تسعى في النهاية إلى إلغاء تلك الحريات نفسها».
وخلال المؤتمر الصحفي، شدد ويمرز على أن ما يورده التقرير «ليس تخمينًا ولا موقفًا أيديولوجيًا»، مضيفًا: «هذه أدلة. لسنوات، استفادت منظمات مرتبطة بجماعة الإخوان من قنوات تمويل أوروبية ووطنية دون مساءلة حقيقية».
ملايين في مسارات مثيرة للجدل
ويسرد التقرير أمثلة وصفها بـ«الفاضحة» للتمويل الأوروبي. من بينها تخصيص نحو 23 مليون يورو بين عامي 2007 و2020 لـالشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية، التي ترأسها سابقًا ميشال بريفو، وهو عضو سابق أقسم الولاء لجماعة الإخوان قبل أن يعلن لاحقًا تخليه عن انتمائه.
وتُعد هذه الشبكة شريكًا دائمًا في مبادرات يمولها الاتحاد الأوروبي في ملفات تغير المناخ والهجرة وما يُعرف بـ«مكافحة الإسلاموفوبيا».
كما تلقّى الاتحاد الإسلامي الأوروبي، ومقره فرنسا، أكثر من مليون يورو لدعم ما يزيد على 16 مشروعًا ضمن برنامج إيراسموس+ لتنمية الشباب، الذي تديره المفوضية الأوروبية.
ويشير التقرير إلى أن مؤسس الاتحاد، أندرياس أبو بكر ريغر، سبق أن أدلى بتصريحات مثيرة للجدل أشاد فيها بالمحرقة في تسعينيات القرن الماضي.
تمويل عبر «الإغاثة الإسلامية»
ومن بين أبرز الحالات، منح الاتحاد الأوروبي منظمة الإغاثة الإسلامية حول العالم وفروعها المحلية أكثر من 40 مليون يورو، رغم الصلات الوثيقة بين فرعها في فلسطين وحركة حماس، وكذلك مع لجنة الزكاة في غزة، التي تقودها حماس وتصف قياداتها بأنها «جنود للقدس».
ويشير التقرير إلى أن المفوضية الأوروبية تجاهلت سجلًا حافلًا بتصريحات معادية للسامية داخل هذه المؤسسة، من بينها دعوات صريحة للعنف ضد اليهود، وهي تصريحات أدت في مراحل لاحقة إلى استقالة مجالس إدارتها وإغلاق حساباتها البنكية ووقف تعاون حكومات عدة معها.
«منظمات شبابية» على خط الإخوان
كما حصل منتدى المنظمات الإسلامية الشبابية والطلابية الأوروبية على تمويل أوروبي قدره 288,856 يورو بين عامي 2007 و2019. وبحسب تقرير صادر عن مبادرة «التركيز على الإسلاموية الغربية»، وصنّفت فرنسا هذا المنتدى بوصفه «فاعلًا رئيسيًا» ضمن شبكة الإخوان.
وفي مايو/أيار 2024، وصفت وزارة الداخلية الفرنسية المنتدى بأنه «هيكل تدريبي لقادة ذوي إمكانات عالية داخل حركة الإخوان»، يعمل على إعداد جيل جديد من الناشطين لتوسيع نفوذ الجماعة سياسيًا واجتماعيًا وأكاديميًا.
منتدى الشرق
وسلّط التقرير الضوء على منتدى الشرق، المرتبط بجماعة الإخوان، والذي حصل على 1.9 مليون يورو لمشروع بعنوان «عندما تفشل السلطوية في العالم العربي».
كما نال المنتدى في عام 2022 أكثر من 100 ألف يورو منسقًا لأربعة مشاريع ضمن برنامج إيراسموس+.
فشل منظومي بثلاثة أوجه
وفي حديثه إلى مبادرة «التركيز على الإسلاموية الغربية»، أوضح توماسّو فيرجيلي أن استمرار التمويل الأوروبي لهذه الجهات يعود إلى فشل منظومي تقف وراءه ثلاثة عوامل مترابطة: أولها قدرة هذه الكيانات على العمل تحت ستار الإنكار وإتقان اللغة المؤسسية الرائجة حول التنوع والشمول؛ وثانيها تفكك آليات المراقبة داخل الاتحاد الأوروبي وتناقضها؛ وثالثها خلل في التقدير السياسي، حيث يُساء تصنيف الإسلاميين غير العنيفين باعتبارهم «حلفاء معتدلين» ضد التطرف، رغم تبنّيهم أيديولوجيا شمولية معادية للديمقراطية.
ويخلص التقرير إلى أن جماعة الإخوان لم تستخدم التمويل الأوروبي لتعزيز الاندماج أو التماسك الاجتماعي، بل لتكريس الانفصالية، ونشر معاداة السامية، ودعم الإرهاب، والترويج لرؤية سياسية-دينية تتعارض مع أسس الديمقراطية الأوروبية، في واحدة من أخطر قضايا الاختراق الأيديولوجي التي تواجه الاتحاد الأوروبي اليوم.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز