بحر الشمال أكبر محطة للطاقة الخضراء في العالم.. تحد أوروبي هائل
تهدف أوروبا إلى تحويل بحر الشمال إلى محرك للطاقة الخضراء لتعزيز أمن الطاقة.. فهل تنجح؟
بينما تعهد زعماء الدول الأوروبية المحيطة ببحر الشمال بتوسيع توليد الطاقة المتجددة في المنطقة لتعزيز أمن الطاقة، في قمة في أوستند ببلجيكا، أعلنت لندن إطلاق مشروع كابل كهربائي بحري بين المملكة المتحدة وهولندا.
الهدف هو الحد من الاعتماد على الغاز الروسي، وتقليل استخدام الوقود الأحفوري الذي ينبعث منه ثاني أكسيد الكربون، والذي لا يزال مهيمناً. وأصبحت النرويج العام الماضي أكبر مورد للغاز في أوروبا، بعد أن قطعت روسيا الشحنات إلى أوروبا عقب حربها في أوكرانيا.
- توليد الكهرباء من الرياح والشمس.. طفرة عالمية
- ضربة "ثلاثية" لصناعة طاقة الرياح.. خسائر مليارية تعيق التحول الأخضر
مشروع لندن
أعلنت الحكومة البريطانية الإثنين إطلاق مشروع كابل كهربائي بحري جديد بين المملكة المتحدة وهولندا يتميّز باتصاله بمزارع رياح بحرية وبقدرته على إمداد 1.8 مليون أسرة بالكهرباء عبر المانش.
وقالت لندن في بيان إن الكابل الجديد "لايونلينك" LionLink ستطوره الشركة المشغّلة لشبكة الكهرباء البريطانية National Grid وشركة "تينيت" TenneT الهولندية "وسيبدأ تشغيله بداية العقد الثالث من القرن الحالي".
وجاء في بيان الحكومة البريطانية أن الكابل الجديد، على عكس الكابل التقليدي الذي يربط عادة بين بلدَين، سيربط البلدَين و"في الوقت نفسه مزارع الرياح البحرية في قلب بحر الشمال".
ولفت البيان إلى أنه ثاني مشروع من نوعه في العالم، لكنه أقوى بأربع مرات (قدرة 1.8 غيغاواط) من المشروع الأول الذي يربط بين ألمانيا والدنمارك.
وقال وزير الطاقة البريطاني غرانت شابس، حسبما ذكر البيان، "بفضل علاقاتنا القوية مع جيراننا في شمال أوروبا المجتمعين اليوم في قمة بحر الشمال، تنوي (المملكة المتحدة) إرسال إشارة قوية إلى روسيا (فلاديمير) بوتين مفادها أن عصر سيطرته على الأسواق العالمية للكهرباء قد ولّى".
تمتلك المملكة المتحدة حاليًا ستة توصيلات كهربائية مع القارة الأوروبية، ثلاثة مع فرنسا وواحد مع هولندا وواحد مع بلجيكا وواحد مع النروج منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بفضل كابل كهربائي بحري يناهز طوله 720 كيلومترًا.
طموح أوروبي هائل
وجاء الإعلان الإثنين، بينما عقدت تسع دول أوروبية قمة في بلجيكا الإثنين من أجل تكريس طموحها المشترك بزيادة قدراتها على صعيد طاقة الرياح في بحر الشمال عشر مرات، في تحد صناعي هائل لتسريع التخلي عن الكربون في القارة الأوروبية.
وأعلن مطلق المبادرة رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو إثر القمة في أوستنده، "هذا يوم حاسم لنجعل من بحر الشمال أكبر محطة للطاقة الخضراء في العالم".
التزمت سبع دول من الاتحاد الأوروبي (فرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وإيرلندا والدنمارك ولوكسمبورغ) إضافة إلى النروج وبريطانيا أن تزيد قدراتها في مجال إنتاج الطاقة من الرياح بشكل جماعي في بحر الشمال إلى 120 غيغاواط في عام 2030، ثم 300 غيغاواط على الأقل في عام 2050، مقابل إنتاجها جميعا حاليا نحو 30 غيغاواط.
وتهدف الدول إلى تطوير حقول طاقة الرياح ومنشآت الربط والشبكات الصناعية ومشاريع الهيدروجين الأخضر، وغيرها.
تريد الدول التسع الموقعة تنسيق سياساتها وفتح المناقصات وتعزيز سلاسل الإنتاج وتبسيط الإجراءات الإدارية.
في بحر الشمال الضحل، يمكن تركيب توربينات الرياح بأعداد كبيرة على مسافات غير بعيد جدًا عن الساحل، وإنتاج الكهرباء بتكاليف تعتبر تنافسية للغاية.
تبدو الأهداف طموحة للغاية، فحاليا تنتج بريطانيا 14 غيغاواط من طاقة الرياح البحرية وألمانيا 8 غيغاواط، وتتراوح قدرات الدنمارك وبلجيكا وهولندا بين 2 و3 غيغاواط، ولا يتخطى إنتاج فرنسا والنروج حوالى 0,5 غيغاواط.
وجاء في البيان المشترك أن فرنسا تهدف إلى إنتاج 2.1 غيغاواط على الأقل بحلول عام 2030 و"بين 4.6 و17 غيغاواط" بحلول عام 2050 في بحر الشمال وقناة المانش. وكانت باريس قد أعلنت في وقت سابق أنها تهدف لإنتاج 40 غيغاواط من طاقة الرياح البحرية على جميع سواحل فرنسا بحلول عام 2050.
لتحقيق ذلك، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أوستنده إلى "تأمين القطاع الصناعي بأكمله".
وأضاف ماكرون "نريد صناعة أوروبية لإنتاج" توربينات الرياح والبنية التحتية و"عدم تكرار الأخطاء التي ربما ارتكبناها" في الماضي من خلال استيراد المكونات والمواد لإنتاج الطاقة الشمسية.
بدورها، دعت رئيس الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن إلى "تأمين الإمدادات" من المواد الحيوية (المعادن النادرة خصوصا) التي لا تزال أوروبا تعتمد بشدة على توريدها لاسيما من الصين.
وقال رئيس وزراء لوكسمبورغ غير الساحلية كزافييه بيتيل "الأموال مطلوبة لتمويل مثل هذه المشاريع، ولهذا السبب أنا هنا... نساهم في المال ونحصل في المقابل على جزء من الطاقة" المنتجة.
- استثمارات ضخمة
بعد اجتماع أول ضم أربع دول في مايو/ أيار 2022 تندرج قمة بحر الشمال الثانية ضمن الأهداف المناخية لأوروبا فضلا عن العزم على تقليل اعتمادها على مصادر الطاقة الأحفورية المستوردة إثر الحرب في أوكرانيا.
واتفقت دول الاتحاد الأوروبي قبل فترة قصيرة على مضاعفة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في استهلاك الطاقة بحلول 2030 لتصل إلى 42.5% ولا سيما عبر تسريع إجراءات الترخيص للمنشآت. واقترحت بروكسل كذلك في منتصف مارس/ آذار الماضي تخفيف الإجراءات التنظيمية للصناعات الخضراء.
لكن لتحقيق أهداف أوستنده "ثمة حاجة إلى استثمارات جديدة ضخمة في قدرات الإنتاج ومنشآت الدعم... والسياسات المقررة غير كافية في الوقت الراهن" على ما أفادت حوالى 100 من شركات القطاع في إعلان مشترك.
وأوضح بيار تارديو من اتحاد ويند يوروب الصناعي لوكالة فرانس برس "تتمتع أوروبا بمركز قيادي على الصعيد التكنولوجي والصناعي في مجال طاقة الرياح البحرية لكنها لا تنتج ما يكفي من العناصر الحيوية. وتخصص تمويلات لا بأس بها للابتكارات أما الرهان الحالي فيقوم على استثمار في منشآت الإنتاج القائمة حاليا التي ينبغي زيادة قدرتها مرتين أو ثلاث مرات".
والكلفة الإجمالية تبدو ضخمة. ففي نهاية 2020 قدرت بروكسل الاستثمارات الضرورية بحوالى 800 مليار يورو في حال أراد الاتحاد الأوروبي أن يصل إلى قدرة انتاج 300 غيغاواط من طاقة الرياح البحرية بحلول 2050.
وتدعو المنظمات البيئية غير الحكومية إلى عدم القيام بدراسات التأثير على التنوع البيولوجي البحري على عجل فيما تشير ويند يوروب إلى قيود مرتبطة بالصيد والنقل.
aXA6IDE4LjExNi4yNC4xMTEg جزيرة ام اند امز