مثلما قرر فرنسوا هولاند عدم ترشيح نفسه لمدة رئاسية جديدة، أطلعنا أخيرا جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية بأنه لن يستمر فى منصبه بعد عام 2019.
مثلما قرر فرنسوا هولاند عدم ترشيح نفسه لمدة رئاسية جديدة، أطلعنا أخيرا جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية بأنه لن يستمر فى منصبه بعد عام 2019. ويتساءل الأوروبيون: هل هذا القرار متعلق بـ «موضة» أم أنها عدوى انتشرت فى أوروبا.. ويرى المحللون أن هناك قواسم مشتركة بين الرجلين، فهما يتمتعان بتواضع شديد ويعرفان حدودهما برغم سنوات ممارسة السلطة، وهما يشعران أيضا بأن المعركة تجاوزت مقدرتهما وإمكاناتهما على تفهم تركيبة وأوضاع الفترة الحالية التى يجتازها العالم.. ولكن هناك فرقا بين هولاند الاشتراكى الفرنسى و«يونكر» الليبرالى رئيس وزراء لوكسمبورج السابق.. فالأول رفض التقدم للترشح للرئاسة الفرنسية مائة يوم قبل نهاية مدته الرئاسية، والثانى ألف يوم قبل انتهاء رئاسته للمفوضية الأوروبية! ولا شك فى أن الاتحاد الأوروبى لا يستطيع أن يستمر طويلا وعلى رأس المفوضية الأوروبية رئيس يشكك فى الإرادة المشتركة للأعضاء ولا يعتقد أن أوروبا تستطيع أن تواجه الفوضى العالمية الجديدة.. ويشخص الأوروبيون حالة يونكر ويصفونه بأنه «مستقيل على المستوى النفسى» ويعيش حالة «تأجيل سياسى»، ويطالب خبراء السياسة الأوروبية ومناصرى الوحدة الأوروبية «يونكر» بأن يقدم استقالته فورا. كما أن الإعلاميين الفرنسيين المخضرمين يرون أن أوروبا فى حاجة إلى محارب ورجل مبدع يفرض سيطرته على توجهات المفوضية الأوروبية وليس «راعى غنم متشائم».. ويرى بعض المراقبين أن هناك انقسام بين دول الاتحاد الأوروبى. فهل تريد المجر أو بولندا نفس متطلبات ألمانيا أو فرنسا؟ ويؤكد يونكر أن لديه شكوكا إزاء القضية.. والجدل حاليا على أشده داخل الاتحاد الأوروبى، فرئيس المفوضية الأوروبية يجب أن يؤمن بمصير مشترك لسبع وعشرين دولة وعليه أن ينجز من خلال إرادته الشخصية ما لا تريده عواصم دول الاتحاد مائة فى المائة، فلقد تولى «جاك ديلور» منصب «يونكر» من 1985 إلى 1995 ولم يشعر أبدا باليأس، فى حين كانت دول الشمال والجنوب تأمل فى اتحادات وانصهارات مختلفة!
ولقد نجح جاك ديلور من خلال مثابرته وإصراره فى توحيد العملة الأوروبية وإنشاء منطقة اليورو. ويرى المراقبون أنه بدلا من أن يعلن يونكر تقاعده القادم عليه أن يدعم بذرة أوروبا الفيدرالية وأداءها المثمر من خلال جمع شمل الدول المستعدة للانصهار فى سياستها الأساسية واختياراتها وتعزيز بنائها.. وإنما بلا شك فهو يفضل إقصاء هذا السيناريو الذى قد يبعد بلاده لوكسمبورج التى يطلق عليها «الجنة المالية» من هذا التكامل..
ويطالب خبراء الوحدة الأوروبية بأهمية البحث عن رجل يقتنع بوحدة أوروبا ويعجل بـ «البريكسيت» من أجل ألا تتفكك أوروبا أو تنهار وحدتها قبيل تبديل يونكر.. هذا الرجل الملهم لابد أن يتمتع بروح فيدرالية حتى النخاع وطموح يؤهله لفرض أوروبا كقوة عالمية.. ويؤكد المراقبون أن هذا الرئيس القادم للمفوضية الأوربية لا يستطيع أن يكون ألمانيا أو فرنسيا، فـ «ميشيل بارنييه» يتمتع بالبعد الفيدرالى، ولكنه لن يتمتع بمرونة مع البريطانيين، ورجل آخر مثل «موسكوفيتشى» قوى ولكن لا يؤمل كثيرا فى أوروبا الفيدرالية، وعلى كل جانب من نهر «الراين» هناك مرشحون أكفاء يطالبهم مناصرو أوروبا الموحدة والقوية بأن يتقدموا. ويرى المراقبون أن الرئيس القادم للمفوضية الأوروبية لابد أن يتعامل مع الأوروبيين المؤمنين بالوحدة الأوروبية مثل «إيمانويل ماكرون» فى باريس ومارتن شولتز فى برلين، وربما مع فرنسوا فييون وإنجيلا ميركل المتشككين باعتدال فى أوروبا الموحدة. ويتساءل المراقبون: هل هناك فرصة أن يخلف فرنسوا هولاند تلميذ جاك ديلور يونكر فى مايو القادم.. ويجيب المحللون بأن التاريخ أحيانا قد يكون إيجابيا حتى لو كان يحمل فى طياته نوعا من السخرية!؟
*نقلاً عن " الأهرام "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة