شريك تجاري ضخم و"منافس شامل".. أوروبا ومعضلة الصين وتجربة روسيا
مع توالي الزيارات الأوروبية إلى الصين، تبرز معضلة العلاقات بين البلدين، إذ تجمع بين الفرص والتحديات، والتقدم والتراجع في آن واحد.
وبحسب تحليل نشرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية، فإن بكين التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها على نحو متزايد، والندم على الثمن الذي دفعته أوروبا بسبب تقاربها مع روسيا، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، كلها أمور جعلت بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي يفكرون فيما إذا كان يجب الحد من التقارب مع الصين.
وأشار التحليل إلى أن تلك الحسابات يدرسها رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي شارل ميشيل في زيارته للرئيس الصيني شي جين بينغ، من أجل إجراء محادثات تهدف إلى تعزيز الروابط الدبلوماسية.
وحدثت عدة أمور منذ آخر مرة التقى رئيس مجلس أوروبي مع الرئيس الصيني شخصيا قبل أربعة أعوام.
إذ تسببت جائحة كوفيد-19، والحرب الروسية في أوكرانيا، والعقوبات المتبادلة بين الصين والمشرعين الأوروبيين في توتر بالعلاقات منذ ذاك الحين.
ويقال إن الولايات المتحدة، التي فرضت قيودا على صادرات أشباه الموصلات إلى الصين في أكتوبر/تشرين الأول، تمارس الضغط على أوروبا لتبني نهج صارم مشابه لها حيال بكين.
وقال المتحدث باسم ميشيل "باريند ليتس"، خلال بيان الأسبوع الماضي، إن زيارة رئيس المجلس تقدم "فرصة" لأوروبا والصين للتواصل بشأن أمور "ذات اهتمام مشترك"، ولم يحدد القضايا التي ستتم مناقشتها.
لكن يزداد قلق البعض داخل أوروبا بشأن تقارب العلاقات مع الصين، فقد أصيبت الكتلة بضربة قوية هذا العام جراء اعتمادها التاريخي على روسيا كمزود رئيسي للطاقة، وأصبح تنويع المصادر يتصدر جدول الأعمال.
وتضاعفت تلك المخاوف الشهر الماضي عندما سافر المستشار الألماني إلى بكين مع وفد من كبار قادة الأعمال للقاء الرئيس الصيني، وهي خطوة استهدفت تعزيز ثاني أكبر سوق صادرات لألمانيا بعد الولايات المتحدة.
وتواجه الكتلة الأوروبية مأزقا مماثلا، حيث قال المدير المساعد بمركز السياسة الأوروبية ريكاردو بورجيس دي كاسترو لـ"سي إن إن": "أي مشاكل من المستوى السياسي والاستراتيجي [بين الاتحاد الأوروبي والصين] تميل للامتداد إلى المستوى الاقتصادي".
"أكبر من الفشل"
واستثمر الجانبان الكثير في شراكتهما، حيث إن إجمالي قيمة تجارة السلع بين الصين وأوروبا وصلت لـ696 مليار يورو (732 مليار دولار) العام الماضي، بزيادة بنحو الربع عن 2019.
وكانت الصين ثالث أكبر وجهة لصادرات سلع الاتحاد الأوروبي، لتمثل نسبة 10% من الإجمالي، بحسب بيانات يوروستات.
وتعتبر الصين أكبر مصدر للواردات لأوروبا، حيث بلغت نسبتها 22% في 2021.
وبشكل عام، فإن العلاقة (بين الجانبين) ببساطة "أكبر من أن تفشل"، بحسب بورجيس دي كاسترو، مشيرا إلى أن أوروبا لا تسعى للانفصال عن السوق الصينية المربحة.
وقال: "لا أرى [استراتيجية الأوروبي] على أنها استراتيجية انفصال، أعتقد أن استراتيجية الاتحاد الأوروبي بالوقت الراهن استراتيجية تنويع.. الدرس الذي تعلمته [من روسيا] أنه لا يمكنك الاعتماد على مزود واحد".
وهناك مجالات تعتمد فيها أوروبا على بكين، لا سيما إمدادات المعادن الأرضية النادرة المطلوبة لتصنيع المركبات الهجينة والكهربائية، وتوربينات الرياح، كما تصنع ألواح الطاقة الشمسية الأوروبية في الصين.
وبالرغم من ذلك، بحسب بورجيس دي كاسترو، قد تمارس الولايات المتحدة مزيدا من الضغوط على أوروبا للابتعاد عن الصين.
وفي بداية أكتوبر/تشرين الأول منعت واشنطن الشركات الصينية من شراء رقاقتها المتطورة ومعدات تصنيع الرقائق بدون ترخيص.
وقال بنجامين لو، رئيس شركة ASM القابضة الهولندية لتصنيع الرقائق، لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، الأربعاء، إن الولايات المتحدة "تضع الكثير من الضغط" على الحكومة الهولندية لاتخاذ نهج صارم مشابه.
وربما بدأ يتضح ذاك الضغط، حيث أوقفت ألمانيا الشهر الماضي بيع أحد مصانع الرقائق الخاصة بها إلى شركة تكنولوجية مملوكة للصين بسبب مخاوف أمنية.
"منافس شامل"
ورغم هذا الجانب المشرق، توترت العلاقات بين بروكسل وبكين، على الرغم من أنها مفيدة للطرفين، بعدة طرق أخرى خلال الأعوام الأخيرة.
والعام الماضي، تراجعت الاستثمارات الصينية المباشرة في الاتحاد الأوروبي إلى ثاني أدنى مستوى لها منذ عام 2013 بعد عام 2020، بحسب تحليل لمجموعة "Rhodium"، وهي شركة أبحاث، وتراجعت بنسبة حوالي 78% منذ عام 2016.
وأظهرت بيانات المجموعة أن الاستثمارات الأوروبية في الصين أصبحت أكثر تركيزا، فبين عامي 2018 و2021 شكل أكبر 10 مستثمرين أوروبيين في الصين، بينهم أولئك من المملكة المتحدة، حوالي 80% من إجمالي استثمارات القارة في البلد.
وشكلت أربع شركات ألمانية فقط، هي "فولكس فاجن"، و"بي إم دبليو"، و"دايملر"، وعملاق الصناعات الكيميائية BASF، أكثر من ثلث إجمالي الاستثمارات الأوروبية خلال تلك الأربعة أعوام.
وتم تعليق صفقة استثمارية بين بكين وبروكسل العام الماضي بعدما فرض مشرعون بالاتحاد الأوروبي عقوبات على مسؤولين صينيين، مما دفع الصين للرد بعقوباتها الخاصة.
وكان الاتفاق، الذي تم الاتفاق عليه من حيث المبدأ عام 2020 بعد سنوات من المحادثات، يستهدف تحقيق تكافؤ الفرص أمام الشركات الأوروبية العاملة في الصين، والتي لطالما اشتكت من أن المساعدات الصينية تضعها في وضع غير مؤات.
aXA6IDE4LjE5MS4yMTUuMzAg
جزيرة ام اند امز