«إرشادات البقاء» الأوروبية.. دروس الحرب الباردة تتجدد

من تحديث خطط الإخلاء إلى توزيع كتيبات البقاء على قيد الحياة، ملامح استعدادات أوروبية «غير مسبوقة» لمواجهة سيناريوهات صراع محتمل، مدفوعةً بتصاعد التهديدات الروسية.
استعدادات تأمل الحكومات الأوروبية تدريب مواطنيها عليها، في تحول نحو «ذهنية زمن الحرب» طرح تساؤلات حول مدى فاعلية هذه الإجراءات، وقبول الشعوب لها في ظل انقسامات تاريخية وجغرافية، وفقا لشبكة «سي إن إن».
إرشادات الطوارئ
وأصدرت المفوضية الأوروبية في مارس/آذار 2024 توصيات بضرورة تخزين كل أسرة لمؤن تكفي 72 ساعة على الأقل، في حين بدأت دول كألمانيا والسويد في تحديث إرشاداتها لمواجهة حالات الصراع.
وفي السويد، تم توزيع كتيب "إذا حلّت أزمة أو حرب" على ملايين المنازل، يتضمن تعليمات تفصيلية مثل: "ادلفوا إلى الداخل، وأغلقوا النوافذ، واستمعوا إلى الراديو".
كما يُوجه المواطنون إلى أماكن كمحطات المترو والمرائب كملاجئ مؤقتة خلال الغارات الجوية، مع نصائح للتعامل مع الهجمات النووية، مثل البقاء في الملاجئ لأيام حتى تنخفض مستويات الإشعاع.
في فنلندا -التي تشترك بأطول حدود مع روسيا داخل الناتو- تحوَّل الاستعداد إلى جزء من الهوية الوطنية. ومنذ الخمسينيات، أصبح بناء الملاجئ تحت المباني في فنلندا إلزاميًا، حيث يوجد نحو 50,500 ملجأ تستوعب 4.8 مليون شخص.
وبعد العملية الروسية في أوكرانيا، عززت هلسنكي إجراءاتها بإرشادات جديدة للتعامل مع انقطاع الكهرباء والاتصالات، مؤكدةً أن "التاريخ علمنا أن لا أحد سيُنقذنا".
تفاوت أوروبي
ورغم الوحدة الظاهرة، تختلف نظرة الدول الأوروبية للتهديد الروسي جذريًا. فدول البلطيق وفنلندا -التي عانت من الاحتلال السوفياتي- تعتبر الخطر "مقترنا بحمضها النووي"، وفقًا لكلوديا ماجور، الخبيرة في شؤون الأمن الأوروبي.
في المقابل، تبدو دول مثل إيطاليا والمملكة المتحدة أقل اهتمامًا؛ فالأولى تركّز على تهديدات الهجرة من الجنوب، في حين تعيش الثانية على وهم "الحصانة الجزرية" منذ آخر غزو عام 1066.
وحتى داخل ألمانيا، حيث تم تحديث استراتيجية الدفاع الشامل، يرى البعض أن التركيز على التهديدات "الهجينة" -مثل الهجمات الإلكترونية- أكثر إلحاحًا من الحرب التقليدية.
دروس الماضي
وتعيد الاستعدادات الحالية إلى الأذهان حملات الحرب الباردة، مثل البريطانية "احمِ وابقَ على قيد الحياة" في الثمانينيات، التي نُظر إليها لاحقًا كـ"كوميديا سوداء".
تلك الكتيبات، التي نصحت بطلاء النوافذ باللون الأبيض لصد الوميض النووي، تحولت إلى رمز لسذاجة التخطيط المدني. لكنّ الخبراء يرون أن الإرشادات الحالية أكثر نضجًا؛ ففي حين تحذر كلوديا ماجور من إثارة الذعر، تشدد على أن "المرونة المجتمعية" هي الضامن الوحيد لنجاح الردع.
ويكمن الإشكال الأكبر في ثقافة الرفاهية التي هيمنت على أوروبا لعقود. فبينما يُجبر الأوكرانيون على التعايش مع الحرب، يجد الأوروبيون الغربيون صعوبة في تصور غزوٍ لأراضيهم.
وتحاول الحكومات تحقيق توازن دقيق بين تعزيز الجاهزية وتفادي الهستيريا الجماعية. ففي السويد، ركزت الإرشادات على الجوانب النفسية، مثل كيفية التحدث مع الأطفال عن الحرب.