جيل «Z» بأوروبا و«اليمين المتطرف».. سر الانجذاب
مع توالي الأزمات التي ضربت أوروبا، في الأعوام الأخيرة، تشكلت قناعة لدى «جيل زد»، بأن حياتهم ستكون أصعب من آبائهم، مما دفعهم للجنوح نحو اليمين المتطرف.
فمن الأزمة المالية العالمية مرورًا بأزمة منطقة اليورو ووباء كوفيد19 إلى الحرب في أوكرانيا، أزمات عدة ألقت بظلالها على أوروبا، وشكلت رؤى الشباب من جيل «زد» الذين ولدوا بين عامي 1995 و2012.
تلك الأزمات، كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء تصويت الشباب خاصة ممن يطلق عليهم جيل «زد»، خلال انتخابات البرلمان الأوروبي، للأحزاب اليمينية المتطرفة، مما عزز موقفها، ومنحها فوزًا كبيرًا، حيث حصدت واحدا من كل 4 مقاعد في بروكسل، بحسب شبكة «سي إن إن» الأمريكية.
فهل كان الأمر مفاجئًا؟
إرهاصات التغيير بدأت في 2016، بعد أن فوجئ منظمو استطلاعات الرأي بانفجار الشعبوية في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ليتكرر الآن بشكل ما، في أوروبا، حيث فوجئ منظمو الاستطلاعات بالتقدم الكبير لليمين المتطرف في أوروبا وعلى نحو غير متوقع بين الشباب.
ويرى روبرتو فوا، المدير المشارك لمركز مستقبل الديمقراطية في جامعة كامبريدج، أن هناك «فجوتين كبيرتين» في المجتمعات الغربية الأولى هي «فجوة الثروة بين المناطق الناجحة اقتصاديا والمناطق المتخلفة عن الركب»، فيما الثانية تتمثل في «الفجوة بين الأجيال في فرص الحياة».
وفي تصريحات لـ«سي إن إن»، قال فوا: «إذا كنت رجلا سياسيا تسعى إلى كسر النظام القائم، فهذه المجموعات هي خياراتك فيما يتعلق بحشد الدعم»، في إشارة إلى المجموعات المهمشة، مشيرًا إلى أن «هذا الاتجاه كان قادمًا منذ فترة طويلة.. أنا مندهش من دهشة الناس».
وأصبح دعم الشباب للأحزاب اليمينية المتطرفة واضحا في الكثير من الدول الأوروبية خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة مثل ألمانيا؛ فحزب «البديل من أجل ألمانيا»، حصل على 16% من أصوات الشباب أقل من 25 عاما أي ما يعادل ثلاثة أضعاف الأصوات التي حصل عليها من تلك الفئة الديموغرافية في 2019.
وفي فرنسا زادت نسبة الأصوات التي حصل عليها حزب التجمع الوطني نحو 10 نقاط مقارنة بـ2019، ليحصد 32% من أصوات الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 34 عامًا.
وفي بولندا، أيد 30% من الناخبين الأقل من 30 عامًا حزب الاتحاد الكونفدرالي اليميني المتطرف، مقارنة بـ18.5% من الأصوات في عام 2019.
كما تمتعت أحزاب اليمين المتطرف بارتفاع مماثل في الدعم في: هولندا وإسبانيا والبرتغال والنمسا، فيما استمر أداؤها الجيد في إيطاليا.
لماذا ينجذب الشباب لليمين المتطرف؟
كان العرض الذي قدمته زعيمة التجمع الوطني مارين لوبان خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي خسرتها بفارق ضئيل عام 2022 مغريا للشباب، حيث اقترح برنامجها ألا يدفع الشباب أي ضريبة على الدخل، وإعفاء مشروعاتهم من ضريبة الشركات لخمس سنوات، وبناء 100000 وحدة سكنية للطلاب الذين يمكنهم السفر بالقطار مجانًا.
هذا البرنامج اجتذب الشباب، ومنح لوبان ما يقرب من 50% من أصوات الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عاما مقارنة بـ41% من الناخبين عموما و29% من الناخبين الذين تزيد أعمارهم عن 70%.
وبعد هزيمة حزب النهضة الذي يتزعمه في الانتخابات الأوروبية أمام اليمين المتطرف، دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، قد تسفر عن فوز التجمع الوطني وبالتالي يصبح الرجل الثاني فيه جوردان بارديلا (28 عاما) رئيسا لوزراء فرنسا الشهر المقبل.
وقال آرثر بريفوت (22 عاما)، مدير جناح الشباب في التجمع الوطني إن «رئاسة ماكرون فشلت في تحقيق النتائج المرجوة للشباب (..) انخفضت القوة الشرائية بشكل لا يصدق خلال السنوات السبع الماضية بسبب أزمة السترات الصفراء، وارتفاع أسعار الوقود، وكل الضرائب المختلفة التي فرضتها».
لكن بالنسبة للعديد من الناخبين الأكبر سنا، يظل التجمع الوطني احتمالا مرعبا، فرغم جهود لوبان على مر السنين من أجل تجميل صورة الحزب لكن الأجيال السابقة تتذكر أصولها المعادية للسامية والمؤيدة للفاشية الجديدة، الأمر الذي لا يشغل بال الشباب، وفقا لسايمون شنيتزر، مؤلف دراسة استقصائية حديثة عن الشباب في ألمانيا.
وقال شنيتزر: «الشباب هم ناخبون لأول مرة.. هم ورقة فارغة وأكثر ما يدفع قراراتهم هو: من يمكنه أن يقدم لي شيئًا يناسب احتياجاتي على أفضل وجه؟».
وسمح الافتقار إلى الإرث التاريخي، إلى جانب الموت الغريب لأحزاب يسار الوسط لليمين المتطرف بالظهور بمظهر المحترم والمسلح بالحلول الاقتصادية لمشاكل الشباب في أوروبا.
وفي ألمانيا، قالت السياسية من حزب الخضر سارة لي هاينريشس (23 عامًا) إن المخاوف الاقتصادية أصبحت أكثر انتشارًا بين الشباب منذ انتخابات 2019 .
وأضافت أنه في أعقاب الوباء، وحرب أوكرانيا، وعودة التضخم المرتفع، لم تعد حماية البيئة أولوية للشباب، مشيرة إلى أنه إذا لم توفر الحكومات وظائف جيدة ومكانًا للعيش غير مكلف فسوف يتقدم اليمين المتطرف.
وبسبب انعدام الأمن الاقتصادي، تتزايد المعارضة الشرسة للهجرة، بعد نحو 10 سنوات من ترحيب أوروبا وخاصة ألمانيا بعدد قياسي من اللاجئين السوريين والشهر الماضي انتشر مقطع فيديو ردد خلاله شباب ألمان «الأجانب للخارج» و«ألمانيا للألمان».
ورغم حصول يمين الوسط على أكبر عدد من المقاعد، ألقت زعيمة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خطاب النصر، لكنها كانت أكثر كآبة من كونها منتصرة كما تحدثت عن أهمية الدفاع عن القيم الأوروبية.
وبينما يلقي التيار الرئيسي في أوروبا خطابات خطيرة، فإن اليمين المتطرف يكتسب عدداً كبيراً من المتابعين على منصة التواصل الاجتماعي «تيك توك» مثل زعيم حزب الإصلاح في المملكة المتحدة نايغل فاراج الذي يوصف بأنه مهندس خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
فهل ينطفئ بريق اليمين المتطرف؟
ومن غير الواضح بعد مدى عمق تعاطف الشباب مع اليمين المتطرف، بحسب فوا الذي قال إنهم «ليسوا موالين لأي حزب أو برنامج معين.. إنهم متقلبون للغاية بين انتخابات وأخرى» ومثلما قاموا بحملات ضخمة لصالح حزب الخضر في 2019 فإن ولاءاتهم قد تتغير مجددا.
كما أن جاذبية اليمين المتطرف قد تتضاءل إذا وصل للحكم في ظل عجزه عن الوفاء بالوعود، ما يجعله مخيبا للآمال وقد تكون هذه هي نظرية ماكرون، بحسب فوا.
وأوضح أنه مع افتقار الشباب إلى الذاكرة الشخصية للحياة في ظل الحكم الاستبدادي أو النضال من أجل الديمقراطية، أصبحوا أقل افتتانًا بالنظام من الأجيال السابقة؛ لذا فإن نجاح اليمين المتطرف ينبغي أن يكون بمثابة تحذير للتيار الرئيسي (يمين ويسار الوسط) في أوروبا.
aXA6IDEzLjU4LjYxLjE5NyA= جزيرة ام اند امز