انتخابات أوروبا.. عواصف التغيير تبتلع حصون الوسط
لا شيء يثير قلق أوروبا أكثر من تمدد اليمين المتطرف داخل خارطتها، ومع ذلك يبدو أن حصون التيارات الوسطية باتت تتآكل بفعل ترسبات السياسة.
فمن إيطاليا إلى ألمانيا مرورا بفرنسا والمجر وصولا إلى بولندا وسلوفينيا، يبدو أن عواصف التغيير باتت أكبر من أن تحتويها سياسات الحكام وتوجهاتهم، حيث فتحت بوابات الانتخابات المجال واسعا أمام تحولات لا تقلب إحداثيات الأوضاع في البلد المعني فحسب، وإنما تضرب رجاتها الارتدادية في قلب الاتحاد.
فرنسا الحائرة
على الضفة الشمالية للبحر المتوسط، تربض فرنسا جديدة كما لم يعهدها العالم من قبل: بلد يحكمه رئيس بلا حزام برلماني يمنحه تأشيرة تنفيذ إصلاحاته وتفعيل برامجه الانتخابية.
فالانتخابات التشريعية المقامة مؤخرا في هذا البلد، أفرزت برلمانا بلا أغلبية واضحة، مما سلب الرئيس إيمانويل ماكرون نفوذه وهو الذي يقدم نفسه قلعة حصينة يتقاطع فيها اليمين واليسار، بعيدا عن الراديكالية بالطرفين.
نتائج صادمة تجعل من الكتل البرلمانية عبارة عن نقاط هامشية بلا ثقل حقيقي، ما يعني أن حتى تحالفاتها ستكون على ذات القدر من الهشاشة، وسيغيب أي وزن برلماني ينقذ حكم ماكرون ويمكّنه من العمل بحرية.
لكن الأسوأ هو أن فرنسا لن تحتفظ بتداعيات زلزالها الانتخابي لنفسها، بل إن ارتداداته القاتلة ستضرب مباشرة حليفها القوي ألمانيا ومن بعده الاتحاد الأوروبي بشكل عام.
فالهزيمة المريرة للرئيس الفرنسي لم تترك أمامه من حل سوى البحث عن حلفاء من المعارضة، ما يشي بولاية رئاسية غير مستقرة، وهو ما سيكون له أثر سلبي على ألمانيا، أهم شريك لباريس في تكتل القارة العجوز وصاحبة أقوى اقتصاد فيها، ما قد ينسحب على أوروبا، لأنه عادة ما يكون الأداء الأوروبي جيدا عندما تكون فرنسا وألمانيا متوائمتين.
تبادل أدوار
في ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، يبدو ماكرون أمام خيارات مرة للتعامل إما اليسار الراديكالي بزعامة جان لوك ميلونشون، وإما اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان.
والتيارات الراديكالية في فرنسا، سواء اليمنية أو اليسارية مناهضة لمفهوم أوروبا القوية، وغالبا ما تتسم مواقفها بعدائية واضحة تجاه ألمانيا، وهذا ما سيؤثر بشكل عام على العلاقات بين باريس وبرلين ومن ثمة على تكتل القارة خصوصا.
سيناريوهات قاتمة سبق أن أشار إليها الكاتب السياسي هوغو مولرـ فوغ في مقابلة مع "فوكوس أونلاين"، لافتا إلى وجود مخاوف من أن "تصبح فرنسا مثل البطة العرجاء في السياسة الخارجية وغير قادرة على تحديد لهجتها تجاه أوروبا".
وأضاف مولرـ فوغ أن "المستشار الألماني أولاف شولتز سيكون الرقم "واحد" الجديد بعدما كان ماكرون يتمتع بقدر كبير من الحرية في التعبير عن المواقف الأوروبية، سواء في ما يخص العقوبات على روسيا أو دعم أوكرانيا وتعزيز قدراتها الدفاعية".
تبادل للأدوار لن ينجح -وفق الخبير- في بلورة مفهوم أوروبا القوية، لأنه قد يخلق نوعا من البرود بين باريس وبرلين، ما سينعكس سلبا على زخم دعم الإصلاحات الأوروبية التي يطالب بها ماكرون.
مناهضون لأوروبا
وفي "حوض الكاربات" بأوروبا، وتحديدا في المجر، لا يبدو أن الوضع يختلف كثيرا عما هو عليه في أوروبا الغربية، حيث أعلن رئيس الوزراء القومي فيكتور أوربان الفوز بالانتخابات العامة المقامة في أبريل/ نيسان الماضي، في نصر جاء على حساب معسكر يميل نحو الاتحاد الأوروبي بقيادة زعيم المعارضة المحافظ بيتر ماركي زاي.
وبفوزه، فشل تحالف المعارضة بالفوز بأغلبية برلمانية تمكنه من تشكيل حكومة كان يأمل بأن تقطع مع الخطاب اليميني المتطرف، ومع توجهات أوربان "التطبيعية" مع موسكو وبكين وتعيد بودابست إلى الحضن الأوروبي.
أما في بولندا، فسيكون 2022 عاما مفصليا في مستقبل الائتلاف الحاكم بقيادة حزب "القانون والعدالة" (يميني محافظ) الذي بدأ بالفعل حملة مستعرة ضد منافسيه تمهيدا لانتخابات عامة مصيرية في 2023.
وفي هذا البلد الأوروبي، تراهن أحزاب المعارضة على انهيار التحالف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء ماتيوس مورافيسكي؛ الرجل المناهض للاتحاد الأوروبي والذي يدعو علنا لإعادة تشكيل "اتحاد أوطان" أوروبي، ويدافع بشراسة عن حلفائه من اليمينيين "الشعبويين".
تململ في بريطانيا
لكن يبدو أن رياح التغيير تزعج الوجوه القديمة في القارة العجوز على تنوع توجهاتهم.
واليوم الجمعة، قدم رئيس حزب المحافظين البريطاني أوليفر داودن، استقالته، على إثر هزيمة قاسية تلقاها الحزب في الانتخابات الفرعية.
ومُني الحزب بهزيمتين ساحقتين في الانتخابات الفرعية التي أجريت أمس الخميس.
وخسر المحافظون في هونيتن آند تيفرتن وهي دائرة انتخابية في جنوب غرب إنجلترا، وكذلك في ويكفيلد (شمال)، وهي نتائج ستزيد الضغط على رئيس الوزراء وزعيم الحزب بوريس جونسون.
ولا يبدو الوضع مواتيا لحكومة جونسون، إذ بلغت نسبة التضخم أعلى مستويات منذ أربعين عاما -أكثر من 9%- ما يثير مزيدا من التحركات الاجتماعية، بينما فشلت مؤخرا محاولة مثيرة للجدل لترحيل مهاجرين إلى رواندا.
aXA6IDEzLjU4LjE2MS4xMTUg جزيرة ام اند امز