«لعبة الروليت» بين واشنطن وموسكو بأوكرانيا.. أوروبا على قائمة الطعام؟

تبدو الحرب الأوكرانية، رغم وقوعها في "فناء أوروبا الخلفي"، وكأنها تُدار اليوم من مقعد خلفي لا تملك فيه القارة العجوز سوى متابعة مجريات الأحداث.
فبينما تتبدل مواقف واشنطن بتقلب مزاج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تجد أوروبا نفسها مرة أخرى عالقة بين الولاء لأوكرانيا والخضوع لقرارات البيت الأبيض، بحسب صحيفة تليغراف.
قبل أسابيع قليلة فقط، كان المشهد مختلفًا. إذ سارع قادة أوروبيون - بينهم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وزعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس - إلى واشنطن لإظهار وحدة الصف الأوروبي إلى جانب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
بدا ترامب حينها ودودًا ومضيافًا، وتحدث الجميع عن «نقطة تحول» في الموقف الأمريكي تجاه كييف. لكن سرعان ما تبددت هذه الأجواء، حين عاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليمسك بخيوط اللعبة من جديد، ويهمس في أذن نظيره الأمريكي، تاركًا أوروبا في حالة ارتباك دبلوماسي غير مسبوقة.
تحوّل المزاج الأمريكي
تفجّر الخلاف مجددًا حين انفجر ترامب غضبًا في وجه زيلينسكي خلال اجتماع مغلق، مطالبًا إياه بقبول «شروط سلام» روسية مستحيلة — أبرزها تسليم كامل إقليم دونيتسك إلى موسكو.
وبالنسبة لزيلينسكي، يُعدّ هذا الإقليم خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه، لكن ترامب صوّره باعتباره «العقبة الوحيدة أمام إنهاء الحرب».
ومنذ ذلك اللقاء الشهير في المكتب البيضاوي بين زيلينسكي وترامب ونائبه جيه دي فانس في فبراير/ شباط الماضي، بذل القادة الأوروبيون جهودًا دبلوماسية مكثفة لمحاولة تصحيح المسار. وظن البعض أن لقاء الزعيمين على هامش جنازة البابا الراحل بنديكت السادس عشر، قد أعاد الدفء إلى العلاقة، خصوصًا بعدما وصف ترامب الجيش الروسي مؤخرًا بأنه «نمر من ورق»، وهدد بفرض رسوم جمركية على موسكو.
لكن ما لبثت تلك اللهجة أن تراجعت بعد مكالمة هاتفية واحدة بين ترامب وبوتين الأسبوع الماضي، أعادت التوتر إلى الواجهة، وأظهرت مجددًا هشاشة الموقف الأمريكي تجاه كييف.
حصان طروادة
تجلّى التحول الجديد في قرار ترامب اختيار رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان لاستضافة «قمة السلام» المقبلة مع بوتين، في خطوة أثارت قلق العواصم الأوروبية. فأوربان، المعروف بقربه من الكرملين ومعارضته الصريحة للعقوبات الغربية، يُعدّ من أبرز الأصوات الأوروبية المشككة في قدرة أوكرانيا على الانتصار.
ورغم أن هذا الموقف يثير غضب كييف، فإنه يلقى صدى إيجابيًا لدى أنصار حركة "اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا"، الذين يرون في وقف الدعم العسكري لأوكرانيا خطوة ضرورية لإنهاء "حرب بلا نهاية".
وقال دبلوماسي أوروبي لموقع "بوليتيكو" إن "الأسلحة الأمريكية لا تزال حيوية للدفاع الأوكراني، لكن يبدو أن بوتين نجح بمكالمة واحدة في تغيير رأي الرئيس ترامب مجددًا".
هذا الشعور بالإحباط يخيّم على العواصم الأوروبية التي ترى أن مصير الحرب في القارة لم يعد يُحسم في بروكسل أو برلين أو باريس، بل في مكالمات هاتفية بين واشنطن وموسكو.
أوروبا الممولة
في مواجهة هذا الواقع، يحاول التحالف البريطاني-الفرنسي، الذي يقود ما يُعرف بـ"تحالف الراغبين"، اتباع نهج أكثر براغماتية، يتمثل في تهدئة ترامب والسير في الاتجاه الذي يريده مؤقتًا، على أمل أن يدرك في النهاية أن بوتين "يماطله فقط"، كما قال بنفسه ذات مرة.
لكن تلك المقاربة لا تُخفي حقيقة مرة - أن أوروبا باتت تُعامَل كصندوق تمويل أكثر منها شريكًا سياسيًا.
وستتحمل أوروبا العبء المالي والعسكري الأكبر، بينما تبقى خارج غرفة المفاوضات التي يُرسم فيها مستقبل أمنها الإقليمي.
وكما يقول المثل الدبلوماسي الشهير: "إذا لم يكن لك مقعد على الطاولة فهذا يعني أنك على قائمة الطعام".
الروليت الأمريكية
مع ذلك، لا تملك بريطانيا ولا الاتحاد الأوروبي رفاهية الانسحاب من المشهد. فهما مضطران لقبول أي اتفاق سلام قد يتوصل إليه ترامب وبوتين، حتى لو كان على حساب مصالحهما الاستراتيجية.
وقد سارع قادة ألمانيا وبولندا وفنلندا والمملكة المتحدة إلى إعلان دعمهم لزيلينسكي عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال عطلة نهاية الأسبوع، لكن أصواتهم بدت باهتة أمام تحركات واشنطن.
فبينما يحاول ستارمر وماكرون وميرتس تصحيح المسار، يظلّ القرار الحقيقي في يد رئيس أمريكي يمكن أن يغيّر مواقفه بين مكالمة وأخرى، وفقا للصحيفة.
وفي تصريح جديد أمس على متن طائرة "إير فورس وان"، قال ترامب إن منطقة دونباس يجب أن تبقى "منقسمة كما هي الآن"، في إشارة تُفسَّر على أنها قبول ضمني بخطوط السيطرة الحالية التي فرضتها روسيا.
تصريح أعاد الأوساط الأوروبية إلى حالة القلق والترقب، لتجد القارة نفسها مجددًا في لعبة الروليت الدبلوماسية، حيث تدور عجلة الحظ بين واشنطن وموسكو، فيما لا تملك أوروبا سوى الأمل بأن تستقر كرة ولاء الرئيس الأمريكي، ولو مؤقتًا، على اللون الأوكراني.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODYg جزيرة ام اند امز