زلزال اقتصادي مرتقب بأوروبا.. "العجوز" تدفع ثمن استفزاز واشنطن لموسكو
توقع خبيران جزائريان أن تتحول الأزمة الأوكرانية إلى "وبال على الاقتصاد الأوروبي" الذي سيُضرب بزلزال من التفكك المالي.
واتفق الخبيران أن أوروبا ستكون "أكبر خاسر" من تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وأن "العجوز" ببساطة وقعت في فخ المصالح الأمريكية.
- خبير طاقة لـ"العين الإخبارية:" الحظر الأمريكي لنفط روسيا انتحار لأوروبا
- أوروبا تنقسم حول النفط الروسي.. خريطة المؤيدين والمعارضين
ورأى الخبيران أن الضغوط الأمريكية ستؤدي إلى التفكك المالي الأوروبي بعد أن سارت في فلك فرض عقوبات على روسيا ستكون هي الخاسر الأكبر منها.
الروبل.. سلاح اقتصادي
عبد القادر مشدال الخبير الاقتصادي الجزائري والمهتم بالشؤون الطاقوية والمالية، أوضح في حديث مع "العين الإخبارية" بأن "استعمال الروبل لتسوية التعاملات لبيع الموارد الطاقوية الروسية نحو بقية دول العالم هو وسيلة من وسائل هذه الحرب، وكل وسائل الحرب أصبحت متاحة من بينها الوسائل الأكثر فتكاً سواء كانت اقتصادية أو أمنية عالمية".
واعتبر بأن "السلاح المالي والاقتصادي من وسائل الحرب التي أصبح يعتمد عليها الروس، وأيضا هي وسيلة للدفاع عن مصالحها الاقتصادية والحد من الآثار السلبية للعقوبات الغربية وخاصة الولايات المتحدة".
ويرى الأكاديمي الجزائري بأن واشنطن "وجدت في الأزمة الأوكرانية فرصة للضغط على موسكو والتقليل من مكانتها العالمية وبرز ذلك من خلال العقوبات الاقتصادية والمالية، لكن روسيا تبنت المواجهة بما فيها المالية والاقتصادية".
ونبه مشدال إلى أن "التحالفات الآن تتجه مع الصين والهند وقوى كبرى أخرى هي في طور التشكل، وتشكل في الحقيقة منافسة مباشرة للولايات المتحدة ولمصالحها".
وفيما يتعلق بالعنصرية المالية أوضح الخبير الجزائري بأن "وسائل تسوية الخلافات بين أوروبا الغربية وروسيا كانت موجودة، لكن يبدو أن التدخل الأمريكي حدَّ من إيجاد حلول للأزمة في أوكرانيا، وهي تريد الإبقاء على نفس نمط تسيير المفاصل العالمية منذ اتفاقية بريتن وودز عام 1944، والإبقاء على السيطرة على دواليب المالية العالمية لتبقى كرأس حربة لتحريك وتسيير الاقتصاد العالمي".
واستطرد قائلا: "ليس من السهل على أمريكا أن ترى توجها آخر يقوده الروس من أجل بناء تحالفات جديدة".
وعن كيفية تعامل أوروبا مع فرض روسيا عملتها في دفع قيم وارداتها من الطاقة، أوضح الخبير الطاقوي عبد القادر مشدال، أوضح بأن "أوروبا الغربية تبنت التوجه الأمريكي وهي تبحث عن بدائل للمواد الطاقوية الروسية وهو أيضا بإيعاز من الولايات المتحدة، وفي بداية الأزمة فإن أوروبا أبقت على نفس مستويات الشراء، لكن الخط الأحمر المرسوم من قبل واشنطن يبدو أنه جعل الأوروبيين يبحثون عن بدائل بأي صيغة كانت".
وأرجع ذلك إلى أن "الإبقاء على نفس العقود مع روسيا يدفعهم إلى شراء الروبل من جهة، والتسديد بالروبل من جهة ثانية، وهي العملية التي ترفع من قيمة العملة الروسية، وهو ما يرفع قيمته أيضا في الأسواق العالمية، ما يعني أن سيشكل خطرا على الدولار الأمريكي".
ويرى أيضا بأن "الطرف الروسي عرف كيف يقتحم المصالح في أوروبا، والحديث عن روسيا والأطراف التي هي في الحرب فهي تمثل الكتلة التي تعتبر المورد الأساسي للمواد الطاقوية والأولية بمختلف أنواعها الغذائية والصناعية".
نظام عالمي جديد
بدوره أشار أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر الدكتور علاوة خلوط في حديث مع "العين الإخبارية" بأن "العالم يتجه لنظام جديد، الصين تدفع بروسيا كجناح عسكري لتفرض نظاماً عالمياً جديدا ينتهي فيه حكم الدولار وهذا هو أساس الصراع الدولي الحالي".
مضيفاً أن "الولايات المتحدة تحكمت في العالم لفترة طويلة واستعملت الدولار كعملة عالمية، والآن هناك قوة اقتصادية جديدة وأعتقد أن العالم متجه لما يمسى (الدولرة)".
ويرى بأن "أوروبا تعي بأنها الخاسرة في هذه الحرب، والولايات المتحدة وبريطانيا طرفان فيها ولهما مصالح تاريخية مشتركة، وأوروبا هي الخاسر الأكبر في هذه الحرب".
وتابع قائلا: "معالم نظام اقتصادي عالمي جديد بدأت في الظهور، وعملات جديدة ستطفو في الأسواق العالمية من بينها اليوان الصيني، والصينيون هم الرابح الأكبر في هذه الحرب".
الحرب الاقتصادية
في المقابل، يرى الخبير الطاقوي الجزائري عبد القادر مشدال بأن "الحرب الاقتصادية والمالية انطلقت عن الحرب العسكرية الروسية على أوكرانيا، لكن رد الفعل الروسي لم يكن منتظرا، على أساس أن بعض النماذج التي تعاملت معها واشنطن وأوروبا مثل إيران وكوريا الشمالية وكوبا، وهي الدول التي تضررت بشكل كبير من العقوبات، ولم تكن لها الإمكانية لأن تقاوم العقوبات المفروضة عليها".
وتابع قائلا: "لكن روسيا امتدادها الجغرافي والمصالحي الاقتصادي والمالي كبير جدا، وهناك اليوم أزمة في الأسواق الأوروبية الناجمة عن نقص الإمداد من الموارد الأولية الروسية، والمعطيات تغيرت بالنظر إلى الحضور الروسي الاستراتيجي في الأسواق الأوروبية".
أما الدكتور علاوة خلوط فيرى بأن "إشهار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الروبل في وجه الغرب هدفه كسر الحصار المفروض على بلاده، والعالم اليوم يعيش حرباً اقتصادية، والأزمة في أوكرانيا هي أولا وقبل كل شيء هي حرب اقتصادية"، ويعتبر بأن "تأثير سياسة الروبل محدودة لحد الآن".
المأزق الأوروبي
واعتبر الدكتور علاوة خلوط في حديثه مع "العين الإخبارية" بأن "أوروبا تعيش بين نارين، الأولى هي الولايات المتحدة التي تدفعها إلى حرب لا علاقة لها بها، لأن أوروبا من خسرت أسواقاً وتعيش حالة ركود اقتصادي وليست متحكمة في الوضع الاقتصادي العالمي".
وتابع قائلا: "الأوروبيون دخلوا في هذا الصراع وهم يعتقدون بأنه سيكون قصيرا، لكن الصراع استمر وله متطلباته، والألمان هم أكبر الخاسرين في هذه الحرب".
وأشار الأستاذ عبد القادر مشدال إلى أن أوروبا "تعيش تحدياً كبيرا لأنها تريد الإبقاء على مصالحها الاقتصادية والمالية مع روسيا، وتمدد المصالح بين روسيا وأوروبا الغربية بلغت مستوى كبير خاصة ألمانيا والتي تعتبر أكبر قوة صناعية في أوروبا ومن أكبرها في العالم، وخلال هذه أزمة كورونا بقيت لوحدها تلعب في أسواق الصادرات واستفادت من الإمدادات الطاقوية الروسية بشكل كبير جدا لدعم صناعتها، وهو ما يعني أنه ليس من السهل عليها أن تتخلى عن عقود شراء الطاقة من روسيا، ولا شيء يمكنه تعويض الغاز الروسي بالنسبة لألمانيا".
وتابع موضحاً "التدخل الأمريكي بهذه الكيفية جعل برلين في مأزق حقيقي وكبير جدا، حتى وإن كانت بعض التصريحات الرسمية الألمانية ضد الحرب في أوكرانيا، لكن ألمانيا أبقت على نوع من المهادنة للإبقاء على مصالحها الاقتصادية، لكن الولايات المتحدة لها أجندة أخرى لتعزيز تواجدها على الحدود الروسية وهو ما يغذي الصراع الآن في أوكرانيا".
واعتبر أن التفكك المالي الأوروبي الذي يمكن أن يحصل "مرتبط بمنع اقتصاد أوروبا عامة والألماني خاصة من مواصلة بناء قدراته مقارنة مع الولايات المتحدة، وبالتالي فإن توقيف الإمدادات والإبقاء على نفس السيطرة الأمريكية على الأسواق العالمية لن يعطي الفرصة لدول أوروبا الغربية بأن تحتل المكانة المناسبة في المنظومة الاقتصادية والمالية العالمية".
وختم مشدال بالإشارة إلى أن "المشكل الأساسي لأوروبا في هذه الفترة يكمن في مدى مواجهة المشاكل التي تتسبب فيها الولايات المتحدة وليس فقط في العلاقة مع روسيا".