عجز قادة أوروبا يمنح الإرهاب إكسير الحياة
تبدو أوروبا في وضع لا يمكنها من مواجهة التهديدات الإرهابية؛ فالقارة العجوز ترزح بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية، تحت وطأة الانقسامات
تبدو أوروبا في وضع لا يمكنها من مواجهة التهديدات الإرهابية؛ فالقارة العجوز ترزح بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية، تحت وطأة الانقسامات السياسية والضعف الاقتصادي والافتقار إلى القيادات القوية، فيما تضربها الاضطرابات الدولية الحادة مما يجعلها في أكثر لحظاتها ضعفا.
وتجلى ذلك الضعف الأوروبي في مواجهة ذلك التهديد بعد وقوع هجمات "الذئاب المنفردة" في احتفالات الباستيل في يوليو/ تموز الماضي، كما أن هجوم برلين كان يمكن أن يحدث في أي مكان آخر، بل إن هجمات مماثلة كانت على وشك أن تحدث بالفعل. فقد أحبطت الشرطة الألمانية هجوما على سوق الكريسماس في ودفيغسهافن بجنوب غرب ألمانيا، وهي العملية التي كان سينفذها فتى ألماني-عراقي يبلغ 12 عاما.
وخلال الشهر الماضي، اعتقلت السلطات الفرنسية خمسة أشخاص يعتقد أنهم يخططون لهجوم على سوق للكريسماس بشارع الشانزليزيه.
وحتى أنجيلا ميركل لم تكن محصنة من الانتقادات السياسية عند تعرض بلادها لهجمات إرهابية. فهناك حالة من الغضب داخل ائتلافها بشأن سياسة الباب المفتوح أمام الهجرة وغضب داخل الأحزاب المتعصبة يدفعها باتجاه اليمين. وهو ما يجعل آفاق ترشحها للانتخابات في الخريف محل للشك.
كما تحيط حالة من الغموض بالانتخابات الرئاسية الفرنسية المقرر إجراؤها في الربيع المقبل حيث من المتوقع أن تتصدر مارين لوبان، رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني تلك الانتخابات نظرا لسيادة الاتجاهات المعادية للمسلمين وهو ما يمكن أن يصب في مصلحة حزب الجبهة الوطنية.
والشيء نفسه ينطبق على الأوضاع في هولندا حيث من المقرر أن يختار المقترعين حكومة جديدة في مارس/ أذار، فيما يتصدر حاليا غريت وايلدرز، وهو متطرف معادٍ للإسلام، استطلاعات الرأي الحالية.
كما أن التنبؤ بالتكتيكات الإرهابية ليس أمرا سهلا ومن ثم فإن تنظيم داعش الإرهابي والمتعاطفين معه في أوروبا يدركون تماما مزايا إثارة الغضب الشعبي في الوقت المناسب من خلال استغلال مخاوف الناس وعدم قدرة مؤسساتهم السياسية على حمايتهم. كما تزيد جرائم الكراهية ضد المسلمين والتي تتزايد إثر تلك الهجمات.
ومن جهة أخرى، لا تأخذ التوقعات باندفاع الناخب الأوروبي المفزوع، للتصويت لصالح اليمين المتطرف، الحذر الواجب من كون النقاشات بشأن التهديدات التي تواجهها الديمقراطية، غالبا ما تبرز في تلك الأجواء وتتجلى في أعقاب المذابح الإرهابية. وأبرز مثال على ذلك هو رد فعل باريس تجاه هجمات تشارلي ابدو والباتاكلان حيث تصبح الديمقراطية الليبرالية في أقوى حالتها عندما تتعرض لإصابة بالغة.
وباستثناء ميركل، فإن أوروبا في أضعف حالاتها نظرا لافتقارها للقيادات القوية المستقلة، ففي فرنسا، يعد فرانسوا هولاند الرئيس الأقل شعبية على الإطلاق، كما استقال رئيس الوزراء الإيطالي الإصلاحي، ويبدو أن إسبانيا غير قادرة على الاتفاق على من يمكنه إدارتها، وفي بريطانيا أصبحت تيريزا ماي رئيسة الوزراء بدون تصويت.
ويمتد الافتقار إلى الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي بعدما فقد جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية مصداقيته، كما ألقى البريكست بالاتحاد الأوروبي إلى حالة من الفوضى في اللحظة التي كان يجب عليه أن يعمل على تنفيذ إصلاحات اقتصادية في اليورو والتعامل مع مشكلة المهاجرين والاتحاد في مواجهة الإرهاب.
وفي نفس الوقت فإن داعش، وفي ظل الضغوط التي تتعرض لها في سوريا والعراق، كانت تحاول على نحو سافر قتال "العدو" على أراضيه الأوروبية، ولا يمكن أن تتوقع أوروبا قدرا كبيرا من المساعدة من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي يركز إلى حد بعيد على الداخل، وليس من الواضح حتى الآن إذا ما كانت أوروبا ستستطيع أن تتجاوز ذلك أم لا.