جدار أوروبا الدفاعي.. روشتة لسد الثغرات وتقليل الاعتماد على أمريكا
مع استمرار الحرب في أوكرانيا وتحول أولويات الولايات المتحدة إلى آسيا والصين الصاعدة، بات على أوروبا بذل المزيد من الجهود للدفاع عن نفسها.
تطورات أضيفت إلى إمكانية عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض التي تزيد من حدة القلق الأوروبي، في ضوء تهديداته المتكررة بسحب الدفاع الجماعي من البلدان التي لا تدفع مساهماتها في التحالف.
وتقول صحيفة «نيويورك تايمز»، إن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أحرزت تقدماً كبيراً في السنوات القليلة الماضية لاستعادة المزيد من المصداقية للردع ضد روسيا، إلا أنها بدأت من قاعدة منخفضة، بعد خفض الإنفاق العسكري بشكل حاد إثر انهيار الاتحاد السوفياتي.
وخلال قمة الحلف في واشنطن هذا الأسبوع، قال مسؤولون ومحللون في حلف شمال الأطلسي إن هناك الكثير مما ينبغي للأوروبيين القيام به لكي يصبحوا أقل اعتماداً على الولايات المتحدة، يشمل ذلك تخصيص المزيد من الأموال للدفاع، وبناء تصنيع الأسلحة، وتنسيق شراء أنظمة الأسلحة التي يمكن أن تحل محل تلك التي يوفرها الأمريكيون الآن فقط.
وفي ظل «انشغال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأوكرانيا وتدهور قدرات جيشه بسبب القتال العنيف هناك»، يعتقد المسؤولون الأوروبيون ومسؤولو حلف شمال الأطلسي أن هناك فرصة ربما تتراوح بين ثلاث إلى سبع سنوات، قبل أن «يستسلم بوتين لإغراء اختبار حلف شمال الأطلسي».
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن هناك 4 فجوات رئيسية ينبغي للأوروبيين سدها إذا كانوا جادين في تقليص اعتمادهم على الولايات المتحدة في الدفاع عن أنفسهم.
الإنفاق العسكري
بعد مرور عشر سنوات على تعهد أعضاء حلف شمال الأطلسي بإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الجيش، من المقرر أن يفي ثلثا الدول الأعضاء بهذه التعهدات بحلول نهاية العام، لكن ثلث الدول الأعضاء لن يفي بها.
ورغم إصرار الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ على أن نسبة 2% «هي الحد الأدنى وليس الأقصى»، فإن العديد من الدول لا تزال غير ملتزمة؛ بينها إسبانيا وإيطاليا، إضافة إلى أن الحلفاء الأوروبيين الأكثر أهمية، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، لم يلتزموا بإنفاق 2% على الأقل أو أكثر في الأمد البعيد، في حين أن 2.5% أو حتى 3% هي ما يحتاج إليه الدفاع الأوروبي حقاً.
وقال كاميل غراند، الأمين العام المساعد السابق لحلف شمال الأطلسي، إن القضية الرئيسية بشأن الإنفاق العسكري هي الاستدامة، مضيفًا: إنه «جهد استمر عقدًا من الزمان لاستعادة الدفاع الأوروبي. لقد كان أداء الأوروبيين أفضل، لكن لا يزال هناك الكثير من علامات الاستفهام، بما في ذلك ما سيحدث للميزانيات في بريطانيا وفرنسا، مع حدوث تغييرات سياسية كبرى في البلدين».
ووصل رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر إلى القمة، قائلاً إن بريطانيا ستصل إلى 2.5%، لكنه لم يذكر متى.
أعداد القوات
لقد انكمش حجم الجيوش الأوروبية بعد الحرب الباردة، فالعديد من الدول أصبحت تمتلك ما يطلق عليه مسؤولو حلف شمال الأطلسي «جيوش بونساي».
وبحسب «نيويورك تايمز»، فإنه يوجد الآن حوالي 100 ألف جندي أمريكي في أوروبا، في رقم سينخفض حتمًا، سواء أصبح ترامب رئيسا أم لا.
وقال جيم تاونسند، مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق والذي يعمل الآن في مركز الأمن الأمريكي الجديد: إن «الجيوش الأوروبية صغيرة للغاية بحيث لا تتمكن من التعامل حتى مع الأسلحة التي تمتلكها الآن».
«إن البريطانيين والدنماركيين، على سبيل المثال، جيوش جيدة، لكنها لن تكون قادرة على تحمل القتال العنيف لأكثر من أسبوعين»، يقول العسكري الأمريكي، مضيفًا: «لا يهم مدى جودتك إذا لم يكن لديك ما يكفي من أفراد».
ورغم الجهود التي يبذلها الجيش الألماني لإعادة بناء قدراته تحت قيادة وزير الدفاع بوريس بيستوريوس، فإنه يحتاج إلى عشرين ألف جندي إضافي للوصول إلى الحد الأدنى من الجاهزية.
اختلال التوازن
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن المشكلة لا تكمن في الأعداد العسكرية فحسب، بل وأيضاً في اختلال التوازن بين القوات المقاتلة و«المكاتب الخلفية» للجيوش الأوروبية، الأمر الذي يؤدي إلى نقص الجنود المهرة في الحرب التي تتطلب تقنيات عالية، ذلك أن رواتب العسكريين منخفضة نسبياً؛ والاحتفاظ بالجنود المهرة أمر صعب.
إن نموذج القوة الجديد الذي أقره حلف شمال الأطلسي، والذي اتفق عليه أعضاؤه قبل عامين، يهدف إلى توفير أكثر من 300 ألف جندي للرد على أي طارئ في غضون ثلاثين يوماً (وأكثر من مائة ألف جندي في غضون عشرة أيام) لتعزيز الجناح الشرقي للحلف على الفور في حالة وقوع أزمة. لكن مسؤولي حلف شمال الأطلسي يعترفون بأن الحلف يفتقر حالياً إلى هذا العدد إلى حد كبير.
المحفزات الاستراتيجية
ولكي تتمكن أوروبا من الدفاع عن نفسها بمساعدة أقل من أمريكا، يتعين عليها أن تسد بعض الثغرات الكبيرة والمكلفة التي يتولى البنتاغون الآن معالجتها نيابة عن حلف شمال الأطلسي، كما قال غراند، الذي كتب تقريرا مفصلا عن هذه المشكلة للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
وتتمثل التبعيات الرئيسية فيما يسمى «الممكنات الاستراتيجية»، وهي تشمل: الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، والمدفعية والصواريخ الدقيقة بعيدة المدى، وناقلات الوقود جواً، وطائرات النقل للقوات والمعدات الثقيلة مثل الدبابات، وطائرات المراقبة المحمولة جواً، والطائرات بدون طيار المتطورة والأقمار الصناعية الاستخباراتية.
وبحسب دراسة أجراها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فإن القوات الأوروبية تعاني -أيضًا- من فجوات كبيرة في القوات البحرية والذخيرة، وهو ما يتجلى في عدم قدرتها على تزويد أوكرانيا بقذائف المدفعية الأساسية بالأعداد اللازمة.
وظلت العناصر الأساسية مثل عدد الكتائب المقاتلة والدبابات القتالية العاملة والمدفعية ذاتية الحركة ومركبات المشاة القتالية ثابتة أو انخفضت منذ عام 2014، رغم ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
وفي ضوء هذه العيوب، فإن «أي عملية قتالية كبرى في أوروبا ستعتمد على القوات الأمريكية لتعويض النقص الأوروبي في القوات البرية والبحرية والجوية المطلوبة»، بحسب دراسة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تحت عنوان «هل حلف شمال الأطلسي مستعد للحرب؟».
وخلصت الدراسة إلى أن حلف شمال الأطلسي مستعد للحرب، إذا كانت قصيرة الأمد. لكن السؤال يبقى ما إذا كان الحلف مستعداً لخوض حرب طويلة الأمد، وبالتالي ردعها؟
كما أظهرت حرب أوكرانيا «تناقضاً صارخاً» مع التراجع الذي شهدته صناعة الدفاع في أوروبا بعد الحرب الباردة ــ عجزها عن إنتاج ما يكفي من الذخيرة والدبابات والمدفعية والصواريخ والدفاعات الجوية والطائرات بدون طيار المتطورة.
يأتي ذلك، فيما يعتمد الأوروبيين بشكل مفرط على الإنتاج العسكري الأمريكي، حيث تذهب نحو 63% من المشتريات العسكرية الأوروبية إلى شركات خارج الاتحاد الأوروبي، ومعظمها أمريكية، كما قال غراند، مضيفًا: هذه ليست أفضل طريقة لخلق الدعم الأوروبي المحلي لمزيد من الإنفاق العسكري.
المظلة النووية
من نواح كثيرة، تُعَد هذه القضية الأكثر حساسية. إذ يعتمد حلف شمال الأطلسي، وهو تحالف نووي، على المظلة النووية الأمريكية باعتبارها الرادع النهائي ضد أي هجوم روسي، وبينما لا يلمح أحد إلى أن واشنطن تنوي التخلي عن المظلة، لكن الشكوك تنشأ حتماً حول استعدادها لاستخدام الأسلحة النووية للدفاع عن أوروبا وفي أي ظروف.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن مصالح بلاده لها «بعد أوروبي». لكن العقيدة النووية الفرنسية وطنية بحتة، ولا تلعب فرنسا حاليا أي دور في الخطط النووية لحلف شمال الأطلسي. فهل تكون فرنسا على استعداد لوضع أصول نووية خارج فرنسا؟
وينطبق الأمر نفسه على بريطانيا، التي لا تمتلك سوى قوة ردع نووية تعتمد على الغواصات، وتواجه صعوبات في تمويل تحديثها.
ثم هناك أسئلة جدية مطروحة على الحلفاء غير النوويين: هل هم على استعداد لاستضافة منشآت نووية، أو نقل أسلحة نووية على متن طائراتهم، أو الاستثمار في المزيد من الدفاع الصاروخي؟ هل ينبغي أن يكون هناك نوع من «القنبلة الأوروبية»، ومن الذي سيتحكم فيها؟
aXA6IDE4LjExNi45MC4xNjEg جزيرة ام اند امز