الصحافة في أوروبا وأمريكا.. "حرية" تتكسر على صخرة روسيا
تتناقض المؤشرات المتعارف عليها في رصد مستوى حرية الصحافة، فتمنح التقييد المعلن تقييما ممتازا رغم فداحة الانتهاك.
هذا ما حدث في تصنيف الدول الغربية بمؤشر حرية الصحافة رغم التقييد المعلن لوجهة النظر الروسية في الصحافة الغربية، وحظر قنوات تابعة لموسكو وتقييد الوصول لمنصاتها على الإنترنت.
هذا التناقض يطرح كثيرا من التساؤلات حول مؤشرات حرية الصحافة ومدى صدقها في وصف وضعية الدول المختلفة.
البداية كانت في 28 فبراير/شباط الماضي، أي بعد ٤ أيام من انطلاق العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا، حين قالت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين: "لن تتمكن شركتا روسيا اليوم وسبوتنيك المملوكتين للدولة الروسية، وكذلك الشركات التابعة لهما، من نشر أكاذيبهم لتبرير حرب بوتين ونشر الانقسام في اتحادنا".
وتابعت: "لذلك نحن نطور أدوات لحظر المعلومات المضللة السامة والضارة في أوروبا".
وبناء على ذلك، قرر الاتحاد الأوروبي حظر المحتوى الإعلامي لـ"سبوتنك" وبث قناة "آر تي" بالإنجليزية والألمانية والفرنسية والإسبانية تلفزيونيا وعلى شبكة الإنترنت، على أراضي الاتحاد الأوروبي.
كما امتدت جهود أوروبا لقطع الطريق أمام وسائل الإعلام الروسية، للوصول إلى محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي.
ووفق نسخة من رسالة بريد إلكتروني أرسلته مؤسسات الاتحاد الأوروبي وكشفت عنه شركة "جوجل" الأمريكية، فإن عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد مؤسسة روسيا اليوم الإعلامية الروسية، وشريكتها سبوتنك، أوسع مما فهمه البعض في البداية.
وتحت شعار "مواجهة دعاية الحرب الروسية"، طالب الاتحاد الأوروبي مزودي خدمات الإنترنت، بتقييد ظهور وسائل الإعلام الروسية في محركات البحث.
وفي بعض الدول الأوروبية، جرى حظر مواقع روسيا اليوم وسبوتنك، فيما جرى تقييد الوصول إلى قنوات هذه المنصات على "يوتيوب" في دول الاتحاد الأوروبي، وفق صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية.
وقالت النسخة الفرنسية من قناة روسيا اليوم قبل أسابيع، إن العقوبات "ليس لها أساس قانوني وتنتهك مبدأ حرية التعبير"، وحركت دعوى قضائية ضد الإجراءات في محكمة العدل الأوروبية.
كما يرى البعض داخل المعسكر الغربي أن قرار التكتّل حظر منصات إعلامية روسية، أمرٌ مثير للجدل.
وفي هذا السياق، يقول الأمين العام للاتحاد الأوروبي للصحفيين، ريكاردو جوتيريز إن "المشكلة في القرار هو أن الحكومات هي من قامت باتخاذه وتعمل على تنفيذه".
ويوضح جوتيريز في تصريحات صحفية، أن "مبادئ قانون الإعلام في أوروبا لا تعطي الحقّ للحكومة في حظر وسائل الإعلام"، مضيفا: "في الديمقراطيات الليبرالية يتم اتخاذ قرار السماح بالبث والنشر (لوسيلة الإعلام) وكذلك قرار حظرها من قبل هيئات مستقلة، جهات تنظيمية مستقلة".
فيما تقول منظمة مراسلون بلا حدود إن دول الاتحاد الأوروبي "عالقة بين نقيضين" عندما يتعلق الأمر بحرية الصحافة.
وقالت المنظمة غير الحكومية إن هناك "استقطابا في الغرب وحرب ودعاية في الشرق".
ورغم التضييق المعلن على وسائل الإعلام ووجهة النظر الروسية في أوروبا، احتلت دول الاتحاد الأوروبي الصدارة في مؤشر حرية الصحافة الذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود قبل أيام.
ومن بين الدول العشر الأولى في التصنيف والتي يتم فيها ضمان حرية الصحافة بشكل ممتاز، هناك ثمانية دول أوروبية. وسجلت النرويج والدنمارك والسويد واستونيا وفنلندا وأيرلندا والبرتغال وليتوانيا أداء ممتازا وضعها في المقدمة.
وفي الولايات المتحدة، ذكرت شبكة سي إن إن الأمريكية، في أوائل مارس/آذار الماضي، أن قناة روسيا اليوم التي تبث في الولايات المتحدة تغلق أبوابها، بعد الإجراءات العربية الأخيرة ضد الإعلام الروسي.
وأخبر المدير العام لشركة الإنتاج التي تدير روسيا اليوم في أمريكا، ميشا سولودوفنيكوف، الموظفين في مذكرة أن الشركة أوقفت الإنتاج في مواقعها في نيويورك ولوس أنجلوس وميامي والعاصمة.
واحتلت الولايات المتحدة المرتبة الـ42 في تصنيف حرية الصحافة، ضمن الدول التي تضمن هذه الحرية بشكل ممتاز، وفق مراسلون بلا حدود.