قطار الجنون الأوروبي الجامح يصل المحطة الإيطالية
قطار الجنون الأوروبي الجامح يصل صوب نزعة شعبوية يغذيها خطاب مناهض للآخر، إلى محطته الإيطالية في موعده
وصل قطار الجنون الأوروبي الجامح صوب نزعة شعبوية، يغذيها خطاب مناهض للآخر، إلى محطته الإيطالية في موعده، بعدما مني رئيس الوزراء الإيطالي ماتزو رينزي بخسارة في استفاء على تعديلات دستورية، استقال على إثرها.
وبالنظر إلى القوى السياسية التي احتفلت تحت قوس النصر في روما، يعتقد مراقبون أن الإيطاليين هم أحدث المصابون بالفيروس الذي أطلقه المريض الإنجليزي في فضاء الاتحاد الأوروبي، في أحدث جائحة تشهدها القارة العجوز، وإن حمل المرض اسم "حمى ترامب" في إشارة إلى النسخة الأمريكية الأكثر صخباً من الوباء.
وخلال العام الجاري حققت قوى اليمين في أوروبا تحت ضغوط الأزمات الاقتصادية وموجات الهجرة غير الشرعية بسبب الاضطرابات في الشرق الأوسط، تقدماً ملحوظاً في عدد من البلدان، لكن ذلك التقدم تحول لنصر حاسم في بريطانيا وأمريكا.
وكان البريطانيون قد صوتوا بالفعل على خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران الماضي، وهو ما عده المراقبون انتصاراً مثيراً لليمين المتشدد، بينما كان حزب "الجبهة الوطنية" المناهض للمهاجرين في فرنسا، ونظيره الإيطالي "الرابطة الشمالية"، وهي حركة مناهضة للمهاجرين أيضاً، يحشدان مزيداً من الأنصار.
لكن الريبة التي خلفها الاستفتاء البريطاني تحولت ليقين مع فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي جرت مؤخراً.
وفي تغريدة لها على تويتر، هنأت زعيمة "الجبهة الوطنية" مارين لوبان، وهي سياسية فرنسية حاملة للفيروس، "الرابطة الشمالية"، التي دفعت إلى جانب حركة النجوم الخمسة باتجاه إسقاط رينزي.
وقالت لوبان، إن "الإيطاليين تنصلوا من الاتحاد الأوروبي ورينزي"، مضيفة، أنه على قادة أوروبا الاستماع إلى رغبة الشعوب الجامحة للحرية.
الحرية نفسها التي تحدثت عنها لوبان، كانت حاضرة في احتفاء النمساويين بنجاتهم من حمى ترامب، إذ حقق فان دير بيلين، الرئيس السابق لحزب الخضر، المدافع عن الاتحاد الأوروبي نصراً باهتاً على مرشح اليمين المتطرف، نوربرت هوفر، في انتخابات الرئاسة في النمسا في مايو/أيار الماضي، لكن بسبب أخطاء إجرائية أعيدت الانتخابات الأحد الماضي، ليحظى فان دير بيلين بنصر واضح.
وعزا فان دير بيلين انتصاره الحاسم "إلى المتغيرات التي حدثت في الفترة الأخيرة، مثل تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، والانتخابات الأمريكية، وزيادة الاهتمام بالسياسة".
ووصف فان دير بيلين نتائج الانتخابات بأنها دليل على أن النمسا "موالية لأوروبا"، وتستند على مبادئ "الحرية والمساواة والترابط".
الإشارات المتضاربة لنتائج الاستفتاءات الأوروبية، يفسرها فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، المنضوي رسمياً تحت مظلة الاشتراكية الدولية، باعتبارها دليلاً على ما يسميه بـ"الاستقطاب الحاد بين اليمين واليسار على الساحة العالمية".
ويقول زهران لـ"العين"، إنه "في الوقت الذي يحقق فيه اليمين هذا التقدم نجد في المقابل صعوداً لليسار الراديكالي في بلدان أخرى مثل البرتغال واليونان، وحتى في بلدان أخرى يحقق ثقلاً أكبر مما كان عليه الأمر".
ويرى رئيس حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، أن هذا الاستقطاب الحاد مرشح للبقاء بعض الوقت، وإن عده مؤشراً على هزيمة نهائية لليمين في العالم، قائلاً: "يمكن أن تعتبر هذا التقدم المؤقت صحوة الموت".
العالم الذي يتابع باهتمام الصراع بين قوى اليمين واليسار على الساحة الدولية، سيكون مدعو لجولة جديدة أكثر إثارة في مايو/أيار القادم، على المسرح الفرنسي هذه المرة، بكل ما تحمله من ثقل أوروبي ودولي.