"أوروبا الموسعة".. مسار طموح نحو هيكل جديد يعرقله 4 مطبات
تمثل القمة الأوروبية الموسعة في براغ لحظة فاصلة في عملية التكامل داخل القارة العجوز، ويمكن أن تكتب بداية هيكل جديد.
ومن خلال مهمة محددة بوضوح وأهداف طموحة والتزام جاد، يمكن للهيكل الجديد -وفق مراقبين غربيين- إعادة تشكيل علاقات الاتحاد الأوروبي مع جيرانه في القارة والاستجابة للتحديات الجيوسياسية.
ويضم اجتماع المجموعة السياسية الأوروبية (EPC)، زعماء الاتحاد الأوروبي الـ27، بالإضافة إلى 17 قائدا لدول القارة خارج التكتل مثل بريطانيا وتركيا والنرويج وأوكرانيا.
واللافت أن المجموعة السياسية الجديدة تضم جميع دول القارة الأوروبية باستثناء بيلاروسيا وروسيا، ما يظهرها في صورة محاولة التعاون بين دول القارة في مواجهة الدولتين.
دوافع التدشين
ووفق تقرير كتبه الخبراء دانيلا شفارتزر ويان فيري، فإن المجموعة السياسية الأوروبية تهدف، على النحو الذي اقترحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مايو/أيار، إلى أن تكون بمثابة منتدى للقادة الأوروبيين "لإيجاد مساحة جديدة للتعاون السياسي والأمني"، ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل سياسة الطاقة والبنية التحتية.
وتجمع قمة براغ قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والدول الساعية للانضمام للتكتل، بما في ذلك أوكرانيا ومولدوفا ودولا خارج الاتحاد الأوروبي، مثل سويسرا وتركيا وبريطانيا.
وقالت شفارتزر وفيري في التقرير "سلطت الحرب في أوكرانيا الضوء على الحاجة إلى إعادة تشكيل علاقة الاتحاد الأوروبي مع جيرانه، لقد فشلت سياسة الجوار الأوروبية، وهي إطار مصمم لتعميق العلاقات مع جيران الاتحاد الأوروبي في الشرق والجنوب، بشكل مريع".
وتابعا: "كما أن عملية التوسع في التكتل الأوروبي بطيئة بشكل مؤلم"، وأضافا "من خلال منح وضع المرشح لأوكرانيا ومولدوفا في يونيو/حزيران، أظهر قادة الاتحاد الأوروبي نوع العمل الحازم الذي يتطلبه المشهد الجيوسياسي الجديد".
الخبيران قالا أيضا: "لكن هذا القرار أدى أيضا إلى معضلة: يمكن للاتحاد الأوروبي إما تسريع عملية التوسع وإما الحفاظ على المعايير والجدول الزمني الحاليين، أي انتظار المرشحين فترة زمنية تصل إلى عقد لإتمام الانضمام".
لكنهما حذرا من أن "السماح لعملية التوسيع بالتحرك بوتيرة بطيئة، وإجبار أوكرانيا ومولدوفا على الانتظار حتى تنتهي العملية، من شأنه أن يحول التزاما مهما سياسيا إلى مسار محبط".
أساس الفكرة
وفي هذا الإطار، تبرز المجموعة السياسية الأوروبية كمحاولة للتغلب على هذه المشكلة، لكنها ليست فكرة جديدة وليست من ابتكار ماكرون، إذ جرى طرح الفكرة لأول مرة من قبل رئيس الوزراء الإيطالي السابق إنريكو ليتا (بين ٢٠١٣ و٢٠١٤).
ومع بداية الحرب في أوكرانيا، تبنى ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الفكرة، ثم أيدها المجلس الأوروبي في يونيو/حزيران الماضي.
ورغم الوتيرة السريعة لتبني الفكرة وتحويلها إلى واقع، إلا أن المجموعة السياسية الأوروبية لا تزال تفتقر إلى مهمة محددة بوضوح وتملك تعريفا واضحا، وينتظر أن يعمل القادة في قمة براغ على وضع أهداف طموحة وجدول زمني طويل الأجل للمنصة الجديدة.
سيناريوهان
ويمكن أن ترسم قمة اليوم مستقبل المنصة الجديدة، والذي لن يخرج بين سيناريوهين، أولهما ألا يعدو الأمر كونه اجتماعا وصورة فوتوغرافية نهائية، وفق شفارتزر وفيري، إذا فشل المشاركون في وضوع تعريف محدد للأهداف وجدول عمل واضح.
ويغذي هذا السيناريو تأكيد المجلس الأوروبي على موقعه الرسمي بوضوح أن المنصة الجديدة "لا تحل محل أي منظمة أو هيكل أو عملية قائمة، ولا تهدف إلى إنشاء مؤسسات جديدة في هذه المرحلة".
أما السيناريو الثاني فيعتمد على نجاح المشاركين في قمة اليوم، في وضع تعريف واضح للمجموعة السياسية الأوروبية وأهدافها وجدول أعمالها، وبالتالي تتحول إلى هيكل جديد يتولى التنسيق في مجالات الأمن والطاقة والاقتصاد.
وفي هذا التقرير، قال الخبيران فرانز ماير وشاهين فالي في تقرير نشر مؤخرا، إن تصميم المجموعة السياسية الأوروبية بشكل جيد يمكن أن يكون بمثابة استجابة مناسبة للتحديات الجيوسياسية للقرن الحادي والعشرين، بل يمكن للهيئة الجديدة في هذه الحالة معالجة بعض أوجه القصور الداخلية في الاتحاد الأوروبي.
شفارتزر وفيري تحدثا أيضا عن سيناريو النجاح، وقالا "يمكن أن تكون المجموعة السياسية الأوروبية بمثابة جسر إلى اتحاد أوروبي أكبر وإطار عمل لمزيد من التكامل القاري الدائم".
لكنهما أضافا "لتحقيق هذه الغاية، يجب على القادة الأوروبيين استخدام قمة براغ لبناء منصة تجمع بين الحوار السياسي وصنع السياسات، إذ يمكن تدشين اتفاقية تأسيس المجموعة كاتفاقية غير ملزمة بين دول الاتحاد الأوروبي وباقي الدول المشاركة".
فرصة فريدة
الخبيران قال أيضا "توفر أزمة الطاقة الحالية فرصة فريدة لإنشاء إطار جديد للتعاون الشامل، الذي من شأنه إعادة تحديد أدوار الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه وتشجيع مشاركة أكبر من قبل الدول المجاورة".
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المجموعة السياسية الأوروبية، في حال نجاح تحويلها إلى هيكل بأهداف واضحة، يمكن أن تلعب أدوارا مهمة في تعزيز شراكات أمنية ودفاعية حاسمة بين الدول الأعضاء، وفق مراقبين.
ووفق شفارتزر وفيري، كشفت الحرب في أوكرانيا عن ضعف هندسة الأمن والدفاع في أوروبا وسلطت الضوء على حاجة الدول الأوروبية إلى التعاون في مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني والاتصال الرقمي.
أما النقطة الأهم في المجموعة السياسية الأوروبية في أنها يمكن أن تساعد في التغلب على الطابع المحوري للعلاقة الحالية للاتحاد الأوروبي مع المرشحين للانضمام، إذ تشارك فيها جميع الدول على قدم المساواة من حيث الحقوق والالتزامات.
شفارتزر وفيري قالا بوضوح "لن يتم اعتبار المجموعة السياسية الأوروبية بديلاً عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بل كمسرع لعملية الانضمام".
4 عقبات
ورغم هذه الصورة المتفائلة إلا أن هناك عددا من العقبات يمكن أن تقود في النهاية إلى تحقق السيناريو الأول، أولها امتلاك عدد من الدول المشاركة، خاصة سويسرا وبريطانيا والنرويج، خلافات ومسارات متباينة حيال مشروع التكامل الأوروبي، ما سيعيق مسار المنصة الجديدة.
أما العقبة الثانية فتتمثل في الميزانية التي يجب رصدها للمجموعة السياسية الأوروبية، وكيف يمكن للدول المشاركة في جمعها، وعلى أي أساس متساو أو يشارك الاتحاد الأوروبي بالنسبة الأكبر.
أما العقبة الثالثة فتتمثل في تدشين هيكل إداري متوافق عليه بين الدول الأعضاء، يضم سيكرتارية وموظفين يعملون على تنظيم الاجتماعات وغيرها من الأمور الإدارية.
العقبة الرابعة والأهم هو اختلاف بعض الدول المشاركة في كيفية التعاطي مع ملف روسيا، فدول مثل تركيا، على سبيل المثال، تتبع مسارا متوازنا بين الغرب وموسكو، والمجر ترفض بوضوح العقوبات على روسيا وتملك علاقات معها.
aXA6IDMuMTQ5LjI0LjE0NSA= جزيرة ام اند امز