كيف يتجنب الأوروبيون فخ "الوكيل" الإيراني؟
الأوروبيون ورغم وجاهة حججهم في جوانب أخرى، يدركون أن طهران كانت ولا تزال تعتمد على وكلاء في تنفيذ خططها
لا يعول القادة الإيرانيون في أيامهم هذه، وهم يطالعون نشرات الأخبار التي ترجح إعادة فرض الكونجرس الأمريكي لعقوبات رُفعت بموجب الاتفاق النووي، على تهديداتهم المتواترة بالانسحاب منه، بقدر ما يعولون على معارضة الأوروبيين لمساعي واشنطن.
- واشنطن.. أول ندوة لبحث بدائل أمريكا للاتفاق النووي الإيراني
- مطالب لترامب بإصلاح الاتفاق النووي الإيراني
وعندما صادق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على التزام طهران ببنود الاتفاق النووي مرتين، خلال العام الحالي، كانت تعتقد إيران أن عدد الأصوات في الكونجرس وحتى الإدارة يميلان إلى صالحها.
وما عزز قناعتها، وجود معارضة صريحة من جانب الدول التي تشكل الطرف الآخر في الاتفاق، والتي يطلق عليها مجموعة (5+1)، لكونها تضم بجانب ألمانيا، الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن.
كانت هذه قناعة طهران، رغم أن ترامب، الذي يلزمه الكونجرس بتقديم تقرير عن مدى التزام إيران بالاتفاق كل 3 أشهر، قال بعد مصادقته الثانية: "لو عاد الأمر بي، لكنت قد اعتبرت أن إيران لا تتقيد بالشروط منذ 180 يوما".
لكن في أكتوبر/تشرين أول الماضي، ارتبكت حسابات إيران، عندما رفض ترامب المصادقة على التزامها بالاتفاق، للمرة الثالثة، مهددا بالانسحاب منه، ما لم يُطرح للتعديل.
وكان الأشد وطأة في قرار ترامب، الذي جاء ضمن استراتيجية جديدة أشد حزما ضد طهران، منحه الكونجرس 60 يوما، لاتخاذ قرار في شأن إعادة فرض عقوبات اقتصادية رُفعت بموجب الاتفاق.
واستحدثت الاستراتيجية الجديدة عقوبات ضد الحرس الثوري الإيراني؛ الأمر الذي دفع المرشد الأعلى علي خامنئي، للتحذير من أن بلاده "ستتوقف عن تنفيذ الاتفاق، إذا أُعيد فرض أية عقوبات".
ومن مسار آخر، سعى الرئيس الإيراني حسن روحاني، لمغازلة حلفاء واشنطن الأوروبيين، بقوله: "لا يمكن لرئيس إلغاء اتفاق دولي. إيران ستواصل احترام التزاماتها بموجب الاتفاق".
وما عضد موقف حكومته، مسارعة زعماء ألمانيا وبريطانيا وفرنسا لـ"حض الإدارة الأمريكية والكونجرس على الأخذ في الاعتبار العواقب التي ستمس أمن الولايات المتحدة وحلفائها، قبل اتخاذ أية خطوات قد تقوض الاتفاق النووي، مثل إعادة فرض العقوبات".
وفي حين أرجعت الإدارة الأمريكية استراتيجيتها الجديدة إلى أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، مثل برنامجها الصاروخي، بوصفه تحايلا على الاتفاق، أعلن القادة الثلاثة تفهمهم لهذه المخاطر.
وجاء في البيان المشترك: "نحن مستعدون لاتخاذ إجراءات أخرى مناسبة، لمعالجة تلك القضايا، بتعاون وثيق مع الولايات المتحدة وكل الشركاء المعنيين".
وبالمقابل، حظيت خطة ترامب بتأييد أطراف إقليمية أخرى، على رأسها السعودية، التي أعادت التذكير بالنقطة الأهم، وهي أن إيران استغلت العائد الاقتصادي المترتب على رفع العقوبات، لدعم أذرعها في المنطقة.
ومن شواهد ذلك، إقدام الحوثيين المدعومين من طهران، على إطلاق صاروخ باليستي، من الشمال اليمني، ناحية الرياض، لا يشك أحد في الشرق أو الغرب أنه إيراني الصنع.
ولا شيء هنا يثبّت التهمة على إيران مثل تباهي المتحدث باسم الحرس الثوري، حجة الإسلام علي سيدي، في يونيو/حزيران الماضي، بـ"وصول التأثير الروحي للجمهورية الإسلامية إلى مضيق باب المندب".
وفي مقال تناقلته وسائل إعلام عربية وغربية، رأى الأكاديمي الأمريكي مايكل نايتس، أن الصاروخ الذي استهدف الرياض "تذكير مفيد بأن النظام الإيراني سيختبر باستمرار عزم الرئيس ترامب على تنفيذ استراتيجيته".
وبالنسبة إلى روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، ينبغي أن "تُفرض عقوبات مقابل كل دولار تنفقه إيران على الصواريخ الباليستية أو حزب الله أو الحوثيين أو غيرهم من الجهات السلبية".
ويجادل ساتلوف في مقالة منشورة على موقع مؤسسته، المختصة في شؤون الشرق الأوسط، بأن تنفيذ مثل هذه العقوبات، التي تقع خارج حدود الاتفاق النووي، "لا ينتهك أي وعد قُطع لإيران".
وبالطبع، فإن ما يصدر من حلفاء واشنطن الأوروبيين، لا يشي بحماس لمثل هذا المسلك، خشية أن تعتبره إيران- كما سبق أن زعمت- التفافا على الاتفاق، الذي يصطلح عليه بـ"خطة العمل المشتركة الشاملة".
ولتجاوز هذه العقبة، يُشير دينيس روس، الذي عمل مساعدا خاصا للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، إلى أن "الهدف الأمريكي في هذه المرحلة، يجب أن يتمثل بعزل إيران وليس الولايات المتحدة".
وشارحا وجهة نظره، يضيف روس في مقالة منشورة أيضا على موقع معهد واشنطن: "ما تريده واشنطن هو أن يركّز العالم اهتمامه على تصرفات إيران السيئة، وليس على ما سيعتبره بعض حلفاء الولايات المتحدة سلوكا سيئا من جانبها".
نظريا، يتخوف الأوروبيون من حتمية الحرب، في حال انهيار الخطة المشتركة، لكن ربما يسهل على واشنطن إقناعهم بأن هذه الحرب قائمة بالفعل.
والحال كذلك، فإن الأوروبيين، ورغم وجاهة حججهم في جوانب أخرى، يدركون أن طهران كانت ولا تزال تعتمد على وكلاء في تنفيذ خططها، وبالتالي عليهم عند التفاوض مع واشنطن، التأكد من أن مقترحاتهم لا تضعهم في خانة الوكيل المجاني.