استراتيجية جديدة للتعاون مع أمريكا.. شرط لأوروبا القوية والموحدة
بينما تستعد الولايات المتحدة لانتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تتطلع أوروبا إلى استراتيجية جديدة للتعاون مع الرئيس المنتخب.
تلك الاستراتيجية الموحدة قد تختلف باختلاف من سيحسم المنصب الرفيع لصالحه، فحال فوز كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي والمرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية، فإنها ستحافظ على دعم الرئيس جو بايدن لأوكرانيا والعلاقات الوثيقة مع الشركاء الأوروبيين.
وعلى النقيض من ذلك يقف خصمها الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أعلن في وقت سابق أن روسيا بإمكانها أن تفعل «كل ما تريد» لأعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذين لا ينفقون ما يكفي على الدفاع، ليعيد تذكير الأوروبيين بأنه لا يقدر الحلف ولا التحالفات الأمريكية.
وستحسم الانتخابات المقبلة أيا من وجهتي النظر التي ستحكم التزامات الولايات المتحدة، الأمر الذي يدفع الأوروبيين للتفكير في عواقب كل نتيجة للوصول لصيغة تعامل مع كل منهما.
لكن الاستعداد لحالات طوارئ محددة اعتمادا على هوية الفائز في الانتخابات هو «نهج خاطئ»، حيث يتعين على الأوروبيين التوصل إلى خطة جماعية لإشراك الولايات المتحدة بعد الانتخابات، بحسب مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية.
وفي تحليل لها، قالت المجلة الأمريكية إنه في حال لم يقدم الأوروبيون جبهة موحدة للتعامل مع الولايات المتحدة، فمن المرجح أن تتنافس دول القارة على دور أفضل صديق لها، أو أن تقدم كل منها مبادرة فردية لإبقاء واشنطن منخرطة في القارة العجوز، حتى لو على حساب جهود دول أوروبية أخرى.
استراتيجية جديدة
وبغض النظر عن الفائز في الانتخابات فإن أوروبا تحتاج إلى استراتيجية جديدة للتعاون، وتأخذ في الاعتبار التحولات الأخيرة في السياسة العالمية، وفي الولايات المتحدة، وفي العلاقات عبر «الأطلسي».
وبحسب «فورين أفيرز» فإن رغبة بقية العالم في تولي الولايات المتحدة المسؤوليات العالمية تتضاءل، ففيما تتزايد التعددية القطبية الفوضوية، يفضل الأمريكيون التقشف والحمائية، مشيرة إلى أن اهتمام الساسة في واشنطن بالصين أكبر من اهتمامهم بروسيا.
ومع احتمال عودة ترامب للبيت الأبيض زادت المخاوف التي كانت تنمو في أوروبا منذ عام 2016 حول قوة المشروع الأوروبي وموثوقية الحليف الرئيسي في واشنطن، جراء الصدمة المزدوجة التي أحدثها فوز الملياردير الجمهوري بالانتخابات وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ومثلما عمل الاتحاد الأوروبي على بناء أطر سياسية لعلاقته بالصين وأهدافه في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتعزيز أمنه الاقتصادي والسيبراني، وتقييم بيئته الاستراتيجية والدفاعية، فقد حان الوقت لإعادة تقييم علاقته بواشنطن أيضا.
وبصرف النظر عن نتائج الانتخابات فإن أوروبا تحتاج إلى تحديد مصالحها الجماعية في الشراكة عبر «الأطلسي»، وتحديد ما تريد حمايته وما تتوقعه من الولايات المتحدة من خلال استراتيجية قائمة حول عدد قليل من الأولويات الرئيسية بما في ذلك التعاون لردع روسيا واستقرار الشرق الأوسط، والدفاع عن الرخاء الأوروبي وحرية العمل وسط التنافس الأمريكي الصيني والانخراط مع واشنطن في معالجة التحديات العالمية.
صوت قوي
هذه الاستراتيجية هي ما يمكن أن يمنح أوروبا صوتا قويا ومتماسكا وموحدا ويمكنها من الاتفاق على مجموعة من المصالح لتعزيزها والدفاع عنها، بما في ذلك أفضل السبل لتقاسم المسؤوليات مع الولايات المتحدة.
وستكون إدارة ترامب الثانية «مدمرة» للعلاقات عبر الأطلسي، فالرئيس السابق لا يعتقد أن الولايات المتحدة وأوروبا تشتركان في مصالح أمنية أساسية، كما أنه لا يؤيد أي حلفاء أوروبيين. ويعتقد أن القارة العجوز تستغل بلاده لدعم أمنها وبالتالي فمن غير المرجح أن يستمر في دعم أوكرانيا.
وكرر ترامب أنه سيحاول إنهاء الحرب في 24 ساعة، وعلى الأغلب سيحدث ذلك، من خلال التضحية بمصالح أوكرانيا، كما رفض مرشحه منصب نائب الرئيس جي دي فانس إرسال مساعدات إضافية إلى كييف، بحسب المجلة الأمريكية.
لكن الواقع يكشف عن تضاؤل دعم أوكرانيا في الولايات المتحدة، فأدى انخفاض مخزونات الأسلحة الأمريكية إلى دفع «الكونغرس» لوقف عمليات التسليم إلى أوكرانيا في وقت سابق من العام مما أسفر عن خسائر عسكرية.
ووفقا لاستطلاع أجراه مركز «بيو» للأبحاث في يوليو/تموز، فإن 50% من الأمريكيين «قلقون للغاية» من أن تستمر حرب أوكرانيا لعدة سنوات ويعتقد 42% أنها قد تؤدي إلى حرب أمريكية روسية.
وحتى إذا فازت هاريس فإن المساعدات الإضافية لأوكرانيا التي تتطلب موافقة الكونغرس ستواجه رفضا من الجمهوريين.
أولويات أمريكية
ورغم التزام إدارة بايدن الراسخ بالناتو فإن الأولوية القصوى لواشنطن تظل الصين، وينظر صناع السياسات الأمريكيون بشكل متزايد إلى التجارة والتكنولوجيا والتحالفات من خلال منظور المنافسة مع بكين.
ويتدفق الدبلوماسيون الأوروبيون إلى واشنطن للتحدث مع الموظفين في مؤسسة هيريتيغ، الفكرية التي تعمل على استكشاف المواهب لولاية ترامب الجديدة.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي ألقى السكرتير العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ خطابا، أكد فيه أن الدول الأعضاء الأخرى في الحلف قدمت معا مساعدات لأوكرانيا أكثر مما قدمته واشنطن.
ويسعى الممثلون الأوروبيون لمعرفة ما الذي قد يبقي واشنطن منخرطة في أوروبا وبأي ثمن، لكن ما يفشلون في إدراكه هو أن هذا النهج لا يحقق سوى مكاسب مؤقتة، لأن التعاون الدائم يتطلب فهما مشتركا للمصالح الاستراتيجية.
وإذا سعت الدول الأوروبية إلى إقامة علاقات ثنائية مع واشنطن فإن الولايات المتحدة ستكون لها اليد العليا دائما، أما إذا عملت الدول الأوروبية معا فسيتعين على واشنطن أن تأخذها على محمل الجد وتعترف بفوائد الشراكة مع أوروبا ككيان جماعي.
ومع بدء المناقشات على مستوى الاتحاد الأوروبي حول استراتيجية الولايات المتحدة يجب أن تكون الأهداف واضحة، فالأولوية هي منع روسيا من الفوز في حرب أوكرانيا وردعها.
ولا بد أن تسعى أوروبا للحصول على ضمانات بأن واشنطن لن تتجاهل المصالح الأمنية الأوروبية مثل انضمام كييف للناتو وللاتحاد الأوروبي.
ويتعين على دول التكتل أن تذكر واشنطن بكيف حافظت قوة الناتو على السلام في أوروبا وساعدت في استقرار النظام الدولي لعقود.
ويجب أن تعزز دول القارة الركيزة الأوروبية للحلف من خلال تكثيف الجهود وتحمل المزيد من الأعباء، كما يتعين على الأوروبيين التأكد من توافق مشاريعهم الدفاعية مع معايير الناتو، مع توسيع دورهم في سلاسل اللوجستيات والقيادة، وتبسيط وتوحيد الإجراءات لنقل الأفراد والمعدات العسكرية عبر الحدود.
خطوة البداية
وتحتاج أوروبا لأن تكون أكثر تماسكا وخطوة البداية قد تكون ترتيب تبادل الموظفين والمعلومات بين الاتحاد الأوروبي والناتو.
ويتعين على الدول الأوروبية أن تقوم باستثمارات دفاعية لسد الثغرات في قدراتها، مما يقلل اعتمادها على الولايات المتحدة، كما يمكنها أيضا التعاون مع حلفاء الآخرين وأن يشرحوا للساسة في واشنطن أن دعم صناعة الدفاع الأوروبية يصب في مصلحة بلدهم على المدى الطويل.
كما ينبغي لأوروبا أن تظل منخرطة مع الولايات المتحدة في التعامل مع الصين لأن الجهود المشتركة عبر «الأطلسي» ستعالج ممارسات الصين وتمنع بكين من التهرب من مسؤولياتها، وتحتاج أوروبا لأن تكون أكثر حرصاً على حماية القطاعات الاستراتيجية، مثل التكنولوجيات الخضراء.
ويتعين على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة زيادة جهودهما الدبلوماسية لإنهاء حرب غزة ومنع اندلاع حرب إقليمية واستعادة العملية السياسية لتحقيق سلام عادل ومستدام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وفي الأمد الأبعد يتعين على أوروبا أن تتوقف عن الاستعانة بالولايات المتحدة في التعامل مع سياستها في الشرق الأوسط من خلال القيام بأدوار أكثر استباقية.
ويتعين على الحكومات والمؤسسات الأوروبية السعي لإقامة شراكات مفيدة للطرفين، والعمل مع واشنطن لتعزيز النمو الشامل في الغرب وخارجه، وتعزيز الأمن الاقتصادي وتجنب التفتت العالمي.
كما يتعين على أوروبا -كذلك- الاستمرار في السعي للحصول على الدعم الأمريكي في معالجة التحديات العالمية، مثل إصلاح البنية المالية الدولية وتحقيق التنمية المستدامة وأهداف المناخ.
وبغض النظر عن ساكن البيت الأبيض فإن التعريف الواضح لمصالح أوروبا وتوقعاتها من الولايات المتحدة سيسهم في إقامة علاقات أكثر صحة بين الجانبين.