مغاربة عائدون من أوكرانيا.. استنفار دبلوماسي وتآزر شعبي
رغم تأكد خروج فلذات أكبادهن من الأراضي الأوكرانية بسلام، إلا أن عشرات النسوة المغاربة رابطن لساعات بمحيط مختلف مطارات المملكة انتظاراً لوصولهم.
وما إن حطت الطائرات، حتى اشرأبت الأعناق، وتسارع خفقان القلوب، ومع أوائل الخارجين من المطار، انهمرت سيول من الدموع والمشاعر الصادقة.
هرولت إلى حضنها، فضمتها إليها، وكأنها تحاول إخفاءها بين ثنايا قلبها، فتتمكن من حمايتها هُناك من أي سوء. تُقبله، تتفقد وجهها وكل جسدها، لتتأكد من أن لا سوء مسها.
دموع ومشاعر
لم نكن نستطيع حتى النوم، لا نحن ولا هم، هُناك أيقظهم شبح الحرب، وهنا أجفى عيوننا الخوف عليهم، ولكن اليوم يمكنني النوم بهناء وهي في حُضني، تقول الأم وهي تحضن بنتها.
تعانق ابنتها من جديد، تقبلها، ثم تُردف "الحمد لله ها هي ابتني الحمد لله، نستسمح من الجميع، شكراً لكل من ساعدنا، والحمد لله ونسأل الله أن يبقي لنا ملكنا محمد السادس".
وعلى وجه ابنتها بدت علامات عياء واضح، زادت منه دموع الشوق لحضن والدتها، ودفء أسرتها.
"لم أكن أنوي العودة إلى المغرب إلا بعد تخرجي"، تقول الفتاة وهي تغالب دموعها، لتردف "أدرس هناك طب الأسنان، ولم أعد للمغرب منذ ثلاثة أعوام، لكن اليوم اضطرتنا الحرب لذلك".
وأنا أدرس في مدينة "لافيف" والحمد لله، أن المدينة التي كنت فيها لا يوجد أي قصف أو عمل عسكري، ولكن لم أكل أو أشرب وحتى أني لم أستطع أن أنام هناك.
وكنا نتابع الأخبار أن القصف والعمل العسكري في هذه المنطقة وتلك، ولم نعد نستطيع الخروج، كما أن الأموال نفذت من البنوك هناك، ناهيك عن نفاد الأغذية وحتى الماء نفد من المحلات التجارية.
دخول الروس إلى المدينة تصدت له عناصر الجيش الأوكراني، قلوبنا مع المغاربة وغيرهم من الأجانب والمواطنين المحاصرين هناك، تضيف الفتاة.
معاناة
ولفتت إلى أن العرب والأفارقة يتلقون معاملة عنصرية عند الحدود، مشيرة إلى أن صديقتها من جنسية بولندية، هي التي ساعدتها بشكل كبير في عبور الحدود.
من جهة أخرى، يقول أحد الطلبة، إنه بفضل تعليمات الملك محمد السادس ومباشرة بعد وصلهم لرومانيا وجدوا الفندق من 3 و4 نجوم والمأكل والمشرب وكذا الملبس وكل الظروف مواتية.
طالبة أخرى قادمة من مدينة "خاركيف" الأوكرانية، تقول إن العديد من الأشخاص يموتون جراء موجة البرد هناك، وهو ما أثر فيها، وهناك عنصرية كبيرة من الجنود الأوكرانيين على الحدود مع بولندا.
كما طالبت من السفارة المغربية التدخل بسبب معاناة الناس هناك، كما أن هناك عنفا كبيرا من قبل الهنود والأفارقة جنوب الصحراء.
وأضافت أنهم عانوا كثير للوصول إلى الحدود، حيث استقلوا القطار لمدة 20 ساعة، وبعدها قاموا بالمشي لمسافة تزيد عن 40 كيلومترا.
من جهة أخرى، يقول أحد الطلبة "الحمد لله بعد خروجنا، الوضع صعب جدا، أنا حاليا أدرس "الماستر" ولم أعد أعرف ماذا سأفعل بعد، الوضع صعبا جدا".
تآزر
مغاربة أوروبا عموما لم يكونوا بعدين عما يقع في أوكرانيا، حيث تجندوا لمساعدة أبناء وطنهم وكذلك باقي اللاجئين الفارين من ويل الغزو الروسي.
وتواجد عدد كبير من المغاربة المقيمون في بولونيا وبلوندا والمجروسلوفاكيا، على النقط الحدودية التي تم تخصصيها لاستقبال اللاجئين من مختلف الجنسيات من أجل مساعدته عند العبور.
وأطلق المغاربة هناك مبادرة تحث اسم "مبادرة المغاربة المغتربين لصالح طلبتنا بأوكرانيا"، من أجل مساعدتهم في عملية النقل والإيواء حتى تتضح نهاية العملية العسكرية.
كما دعت المبادرة التي اطلعت "العين الإخبارية" عليها، مغاربة أوروبا إلى التطوع بمساعدة أبناء وطنهم وباقي الجنسيات في إطار القيم المغربية الداعية إلى التآزر والتعاون والتكافل.
وتنص المبادرة على "دعم الطلبة غير القادرين على التوجه إلى بلدهم المغرب في الوقت الراهن، من خلال إيوائهم أو دعمهم بأشكال متنوعة، من أكل ومشرب وتنقل إلى بلد الاستضاف".
كما تدعوا المبادرة إلى "انتصار قيم "تمغربيت"، وعلى رأسها "تيويزي" أو التضامن الذي عرف به أجدادنا منذ القدم".
وأشارت إلى أنها "صرخة إنسانية ومواطناتية لترسيخ قيمنا التي تحثنا على التكافل والتآزر في أوقات الأزمة، على أساس أن المبادرة من شأنها تخفيف آلام الطلاب ومعاناتهم في مثل هذه الظروف الصعة".
مجهودات دبلوماسية
بالموازاة مع الحرب الروسية على أوكرانيا، وما سبقها، استنفرت المصالح الدبلوماسية المغربية جهودها لإجلاء الجالية المغربية هُناك، والحرص على سلامة المواطنين المغاربة الموجودين على الأراضي الأوكرانية.
وزير الخارجية المغربية، ناصر بوريطة، أكد خلال المجلس الحكومي المنعقد صبيحة اليوم الخميس بالرباط، أن المملكة كانت من الدول السباقة التي اتخذت اجراءات عملية لصالح مواطينها في أوكرانيا.
وأوضح الوزيز أن المغرب من الدول القليلة التي أنشأت فرقاً ميدانية في الدول المحاذية لأوكرانيا، حيث حرصت على تيسير حركة المواطنين وعملية عودتهم إلى أرض الوطن.
ولأن الجالية المغربية، تعتبر من أكبر الجاليات في أوكرانيا، كانت هناك جهود رسمية حثيثة في هذا الصدد.
ولفت الوزير إلى أن أول خطوة رسمية كانت هي تنبيه المغاربة قبل الحرب، ودعوتهم لمغادرة التراب الأوكراني، مع تنظيم مجموعة من رحلات إجلاء، إلى جانب وضع رقم أخضر استقبل أكثر من 6000 مكالمة.
وبعد اندلاع الحرب، أكد الوزير نجاح المملكة في إجلاء أكثر من 5 آلاف مغربي عبر مجموعة من الممرات البرية نحو مجموعة من الدول المحاذية للحدود الأوكرانية.
لمواكبة المغاربة، كانت هناك تعبئة شاملة سواء على الصعيد المركزي أو في سفارة كييف أو الدول المجاورة، وذلك من خلال الحضور الميداني الشخصي للسفراء والأطقم الدبلوماسيية والقنصلية، مع نشر بعثات دبلوماسية خاصة، واعتماد مرونة في استصدار وثائق المرور المستعجلة لمن لا يتوفرون على جوازات السفر، يختم الوزير.
مصطفى بيتاس، الناطق الرسمي باسم الحُكومة المغربية، أكد أن الجهود التي تمت بتعليمات مباشرة من العاهل المغربي، الملك محمد السادس مكنت من إجلاء واحدة من أكبر الجاليات في أوكرانيا.
ولفت الوزير، خلال مؤتمر صحفي أعقب المجلس الحكومي، إلى أن الحكومة بذلت جهوداً جبارة واستباقية لإجلاء المغاربة العالقين في أوكرانيا.
وأكد أن الدولة تكلفت نسبة كبيرة من مصاريف هذه الرحلات، موضحاً أن الطائرات كانت تقلع وهي فارغة من مطار الدار البيضاء، حتى الدول المجاورة لأوكرانيا، وتُقل المغاربة بمبلغ لا يصل إلى الثمانين دولارا لكل شخص.
وختم بالقول، هذه ليست منة، ولكن هؤلاء أبناء المغاربة يستحقون منا كل ما قدمناه، والحكومة لا تزال مستمرة وأي تدخل نحن في حاجة إليه سنقوم به على الفور.