في 7 أيام فقط وبعزيمة رجال لا يعرفون المستحيل، نجحت مصر في تعويم سفينة الحاويات البنمية "إيفر جيفن".
رافق تلك الجهود ترقب دولي وتوقعات بأن تطول الأزمة لأكثر من أسبوعين، لكن تم حلها في نصف هذه المدة، لتكشف الواقعة للجميع حرفية تعامل الجهات المصرية مع الحادثة والسرعة في حلها بمجهود جبار لرجال تلين لشدتهم الجبال.
البداية كانت في صباح الثلاثاء 23 من مارس 2021 حين ساءت الأحوال الجوية وهبت رياح شديدة حملت معها الأتربة والغبار، أدت إلى ضعف الرؤية وعدم تحكم الطاقم بتوجيه السفينة، فجنحت عن مسارها وعلقت بالرمال والأتربة، متسببة بإغلاق قناة السويس بشكل كامل، دون أن يتأذى أي من طاقمها البالغ 25 بحارا أو الحاويات التي على متنها.
هيئة قناة السويس التي تراقب حركة السفن باستخدام أحدث شبكات الرادار والكمبيوتر، أعلنت تعليق حركة الملاحة بالقناة ووضعت على الفور خطة عاجلة لإنقاذ السفينة الجانحة، وبدأت الحفارات بإزالة الرمال من تحتها، و9 قاطرات جر بشدها لإعادتها إلى مسارها الطبيعي، لكن حجمها الذي يعادل 4 ملاعب كرة قدم، وحمولتها الكبيرة البالغة 224 ألف طن وانخفاض المد، حال دون إعادتها إلى مسارها.
محنة "إيفر جيفن" ومنحة قناة السويس.. ماذا بعد انتهاء الأزمة؟
الواقعة تسببت بخسائر كبيرة لقطاع النقل البحري نتيجة توقف حركة 150 سفينة على الأقل قرب ميناء بورسعيد على ساحل البحر المتوسط، وميناء السويس على ساحل البحر الأحمر، وفي منطقة البحيرات وكلها تنتظر تعويم "إيفر جيفن" لاستكمال رحلاتها.
تلك الخسائر أجبرت شركة "شوي كيسن كايشا" اليابانية المالكة للسفينة إلى تقديم اعتذار رسمي لجميع الأطراف المتضررة من الحادث، وإعلان مسؤوليتها عن نفقات عملية التعويم وتكلفة الإصلاح، وأنها تستعين بفريقي إنقاذ بحري من هولندا واليابان للمساعدة في تعويم السفينة.
لكن اعتذار الشركة اليابانية ودفع تكاليف عملية الإنقاذ لا يكفيان، فبحسب مصادر مطلعة بقطاع التأمين فإن الشركة وشركات التأمين دفعت ملايين الدولارات لأصحاب حمولة السفينة وحمولات السفن الأخرى العالقة عن الأضرار بسلع قابلة للتلف أو تأخر تسليمها، إضافة إلى تعويض هيئة قناة السويس عن فاقد الإيرادات.
في يوم 25 مارس، دخلت السفينة "مشهور" وخبراء شركة smit الهولندية للمشاركة في أعمال الإنقاذ البحري، لتبدأ مناورات شد السفينة الجانحة بمشاركة 10 قاطرات، ونجحت هيئة قناة السويس في تشغيل محرك السفينة ولكنها لم تتحرك من مكانها لسرعة المد والجزر.
إثر تعويم "إيفر جيفن".. رئيس قناة السويس يعلن عبور 113 سفينة عالقة
في 28 مارس كان يوماً مفصلياً لإتمام المهمة الصعبة، بعد حفر 27 ألف متر مكعب من الرمال بعمق 18 مترًا أسفل "إيفر جيفن"، وانضمام القاطرة الهولندية ALP Guard بقوة شد تبلغ 285 طنًا للمساعدة في عمليات التعويم.
لتنجح مصر يوم 29 مارس بمشاركة 14 قاطرة، وفي مقدمتهم القاطرة بركة 1 والقاطرة عزت عادل، في عملية تعويم السفينة الجانحة، دون خسائر بشرية أو تفريغ حمولة السفينة، في حدث لم يعرفه العالم من قبل في تاريخ الملاحة البحرية.
لتعود رئة الملاحة البحرية الدولية قناة السويس للعمل بانتظار عبور أكثر من 400 سفينة عطلت مرورها السفينة البنمية.
الآن بإمكان العالم أن ينام مطمئناً على تجارته، فهنا دولة عظيمة اسمها مصر قادرة على صنع المعجزات بسواعد أبنائها المخلصين.