الأمر المؤكد أن قرار مجلس الأمن الذي دان الاستيطان هو الذي أحيا الآمال في إمكان وقف استهانة إسرائيل بالقانون الدولي.
مع أن قرار مجلس الأمن الدولي بإدانة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة حظي بمساندة العالم أجمع استمر رئيس وزرا ء إسرائيل في صلفه يعلن رفضه الكامل للقرار وثقته بأن تقوم الإدارة الأمريكية الجديدة ممثلة في الرئيس ترامب بتصحيح هذا القرار بعدما تسلم الرئيس الجديد مهام مسؤولياته في 20 يناير، بل وصل الأمر إلى حد استدعاء كل سفراء الدول الـ14 أعضاء مجلس الأمن إلى الخارجية الإسرائيلية بمن فيهم سفير الولايات المتحدة كي يتلقوا جميعاً توبيخاً على مساندتهم لقرار مجلس الأمن.
وسواء كان الرئيس السابق أوباما اتخذ قراره بالامتناع عن التصويت وحجب استخدام الفيتو الأمريكي وهو على عتبات مغادرة البيت الأبيض كي يثأر لنفسه من ثمانية أعوام صعبة تعرض خلالها لازدراء رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي لم يتورع عن تهديد الرئيس الأمريكي أوباما علنا، أو أن أوباما اختار أن ينهي فترة حكمه بتسوية كل المشاكل المعلقة بما في ذلك قضية المستوطنات التي حاول التعامل معها مع بداية فترة حكمه الأولى لكن نتنياهو تحداه بصلف بالغ وألزمه أن يبتلع مبادرته التي كانت تؤكد ضرورة وقف الاستيطان كشرط أساسي لاستمرار التفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين غير أن أوباما أثبت في نهاية فترة حكمه أنه لن يبقى مجرد بطة عرجاء وسوف يستمر في تحمل مسؤولياته حتى الفترة الأخيرة.
الأمر المؤكد أن قرار مجلس الأمن الذي دان الاستيطان هو الذي أحيا الآمال في إمكان وقف استهانة إسرائيل بالقانون الدولي وعزز إرادة دول المجتمع الدولي بضرورة التزام إسرائيل جادة الصواب ووقف أعمال الاستيطان والعودة إلى مائدة التفاوض في إطار جديد، يحد من احتكار الولايات المتحدة لسلام الشرق الأوسط، ويلزم إسرائيل بضرورة وجود أفق سياسي للتفاوض يضمن الحفاظ على حل الدولتين باعتباره الحل الوحيد الصحيح الذي يمكن أن تقبله كل الأطراف، ويهيئ مناخاً جديداً لسلام شامل وعادل ينهي كل أوجه الصراع العربي الإسرائيلي ويفتح الطريق لعلاقات طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل استناداً إلى مبدأ (كل الأرض مقابل كل السلام) الذي أكدته المبادرة العربية.
الأمر المؤكد أيضاً أنه لولا صدور قرار مجلس الأمن بإدانة الاستيطان لما حظي مؤتمر باريس لسلام الشرق الأوسط، بهذا الحضور الواسع الذي شمل غالبية المجتمع الدولي، وتمثل في حضور 70 دولة تمثل كل أعضاء مجلس الأمن الدائمين وغير الدائمين وكافة الأطراف المعنية بالصراع العربي الإسرائلي باستثناء إسرائيل التي أعلنت رفضها لانعقاد المؤتمر واعتبرته عملاً من أعمال الماضي قبل أن تشرق على سماء الشرق الأوسط تباشير الرئيس الجمهوري الجديد دونالد ترامب الذي رفض قرار مجلس الأمن وأعلن عزمه تصحيحه أو إلغاءه، وزاد على ذلك أن كشف عن نياته الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى هناك.
ثمة من يعتبرون انعقاد مؤتمر باريس بداية جديدة لموقف أوروبي أكثر إيجابية يتميز كثيراً عن الموقف الأمريكي وخصوصاً بعد أن اتسع حجم الخلاف بين رؤى الرئيس الجمهوري الجديد ورؤى المجتمع الدولي والأوروبي على وجه الخصوص الذين يشددون على ضرورة وقف عمليات الاستيطان وامتناع كل الأطراف عن اتخاذ أي خطوات أحادية الجانب تعيق أو تعطل حل الدولتين إضافة إلى أهمية التزام إسرائيل بأفق سياسي للتفاوض المباشر يضمن للفلسطينيين قيام دولتهم المستقلة ويضمن في الوقت نفسه أمن إسرائيل.
ما يزيد من وضوح رسالة مؤتمر باريس أن تصدر قراراته قبل خمسة أيام من تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة إلى حد أن البعض اعتبر الرسالة الأساسية للمؤتمر رسالة تحذير للرئيس الأمريكي الجديد من مغبة اتخاذ قرارات متسرعة يمكن أن تدمر عملية السلام وتعيد القضية الفلسطينية إلى المربع رقم واحد وتزيد من فرص التوتر والعنف في منطقة الشرق الأوسط.
ما من سبب يبرر هذا التوجه الأوروبي المتزايد إلى اتباع سياسات أكثر استقلالية عن سياسات أمريكا في قضية سلام الشرق الأوسط سوى إحساس الأوروبيين بخطورة سياسات صقور إسرائيل على أمن الشرق الأوسط واستقراره وعدم جديتها في الالتزام بتسوية عادلة يمكن أن تقبلها كل الأطراف في ظل الاحتمالات المتزايدة لارتفاع درجات التوتر والعنف في الشرق الأوسط بسبب انسداد الأفق السياسي لعملية التسوية وإصرار إسرائيل على التفاوض من أجل التفاوض .
فضلاً عن مخاوف الأوروبيين المتزايدة من التأثيرات المحتملة لسياسات الرئيس الأمريكي الجديد ترامب التي يمكن أن تفتح أبواب الصراع علي مصارعيها وخصوصاً إذا أصر على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس الشرقية، الأمر الذي يمكن أن يكون شرارة تشعل العنف من جديد وتضرب أمن الشرق الأوسط واستقراره.
أظن أن الأطراف العربية وخصوصاً مصر والسعودية اللتين تملكان فرص الدخول في حوار بناء مع الإدارة الأمريكية الجديدة يحملان قدراً كبيراً من مسؤولية محاولة تصحيح مسار سياسات الرئيس الأمريكي الجديد، ليس فقط تجاه قضية الصراع العربي الإسرائيلي ولكن تجاه رؤية الرئيس ترامب الخاصة لمخاطر الإسلام على حضارة الغرب واستقراره التي من شانها أن تصب المزيد من الزيت على قضية صدام الحضارات بدلاً من حوارها.
نقلاً عن البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة