ولم يكن فوز دونالد ترامب بالرئاسة مصادفة، بل فرضه واقع القراءات المعمقة في سير إحداث العالم، وقد كان خطابه يمزج بين التهريج السياسي والتسويق الدبلوماسي
في مقال لي بعنوان «ترامب سيفوز بالانتخابات الأميركية»، وذلك قبل 9 أشهر تقريباً من إعلان فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية كنت أتنبأ وأستشرف مستقبل الانتخابات الأميركية، وكان طرحي يُعد ضرباً من الخيال وكلاماً خارجاً عن المنطق، ولكن ذلك ما كنت أراهن عليه بالتحديد، وهو أن المنطق العقلاني لمنظومةٍ ليس للعقلانية فيها الكثير مقابل المصالح الاستراتيجية للأمم وطبيعة الشعوب وميولها السياسية، وفوق كل ذلك من يحرك العالم في الخفاء، وهم أنفسهم من خططوا للحرب العالمية الأولى والثانية، ومن زرع دولة إسرائيل في قلب العالم العربي، ومن يمهد الآن للحرب العالمية الثالثة.
ولم يكن فوز دونالد ترامب بالرئاسة مصادفة، بل فرضه واقع القراءات المعمقة في سير إحداث العالم، وقد كان خطابه يمزج بين التهريج السياسي والتسويق الدبلوماسي، وبدأ عصر القومية الأميركية كما حمل في طياته بالتأكيد، ومن دون شك رسائل للداخل والخارج ومن هم الأعداء ومن هم الأصدقاء، وما هي شروط البقاء كصديق أو الخروج خارج دائرة العداوة مع الحَبْر الأعظم للسياسة في العالم.
والجدير بالذكر أن الرئيس دونالد ترامب ملاحق بالقضايا والتحقيقات التي تضغط عليه وتجعله رئيساً مهدداً، ويتبع الخط المرسوم له بحذر شديد، ولذلك تحدث في خطابه الرئاسي الأول عن الأمن القومي والاقتصاد، والمواطنة وحقوق المواطن الأميركي ورجوع أميركا إلى سابق عهدها كقوة وحيدة تقود العالم والاعتماد على الذات لتمكين المحلي، ونوّه بضرورة تقليل فاتورة الضمان الاجتماعي والعمل والإنتاجية مقابل الحصول على خدمات الضمان الاجتماعي، وهناك خطورة أن يقسّم حديث ترامب الأمة فئات باستهدافه قراراً معيناً أو ديناً على وجه التحديد، وخاصة أنه ألغى قراراً مهماً يتعلق بالتأمين الصحي وإخراج الملايين ممن لا يملكون أوراقاً ثبوتية للعمل في أميركا مع تأمين أكبر للحدود، ووقف موجات المهاجرين غير الشرعيين، ولكن كل ذلك سيُحدث تغييرات جذرية في أسلوب الحياة الأميركية، وسيعيد المهن التي هجرها العامل الأميركي إلى الواجهة، مما قد يُرجع الولايات المتحدة إلى عصر الإقطاعية الاقتصادية والقومية الاقتصادية.
كما أشار الرئيس إلى القانون والنظام ومكافحة الجريمة والعصابات والمخدرات لوقف تلك المذبحة والخراب الأميركي- على حد قوله- مما سيجعله يشدد قوانين السيطرة على السلاح، وهو لوبي يعتبر من أكبر اللوبيات في العالم، وهو سبب آخر لوضع ترامب في قائمة الإزاحة من الطريق، حيث إن إصلاح العنف المسلح في أميركا له ثمن غالٍ، وستساهم سياسات ترامب في ازدياد وحشية الشرطة في التعامل مع الأقليات، وسيواجه تحديات أمنية داخلية صناعة أميركية خالصة، وستفتح ملفات علاقة الرئيس مع روسيا، وقد شرعت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ تحقيقاً في الموضوع نفسه.
وما يهم العرب والمسلمين من خطاب ترامب أنه ربط الإرهاب بالدين الإسلامي، وتطرق إلى الحديث عن تغير معادلة التعامل مع إيران وملفها النووي، وهو له ثمن باهظ ستدفعه الأمة العربية ككل كونه تهديداً ظاهرياً، وفي شأن آخر لمح الرئيس بأن دولته لن تتدخل في العراق وسوريا واليمن تدخلاً مباشراً، وفي الوقت نفسه، لن يغير نهجاً أميركياً تاريخياً وتمركزاً يكلف الولايات المتحدة ثروات طائلة لتأمين مصالحها الوجودية في العالم، حيث يوجد أسطول أو قاعدة أميركية في أكثر من ربع دول العالم، ويُقدر عدد القواعد الأميركية بحوالي 800 قاعدة عسكرية حول العالم تكلف الولايات المتحدة أكثر من 150 مليار دولار أميركي سنوياً، وذلك باستثناء القواعد التي توجد في مناطق الصراعات المسلحة، وسيبدأ ترامب عصر الجزية الأميركية ودفع «الإتاوات» السنوية من الجميع.
ولن يتعامل ترامب مع العالم العربي بطريقه تختلف عن باقي دول العالم، ولا توجد خسارة أو ربح من فوز ترامب، فالغايات العليا الأميركية لا تتغير بتغير الرئيس، وسيدعم ترامب الرئيس السوري، ويسمي ذلك جهوداً داعمة لمكافحة الإرهاب، وسيعمل على تقارب العلاقات الإيرانية- الإسرائيلية، والضغط على بعض حكومات دول العالم العربي من خلال قوانين الإرهاب التي مررت، والتي ستمرر في عهد ترامب، وسيكون هناك تقارب أميركي- مصري، غير مسبوق، وستبقى الحالة اليمنية غير مستقرة للضغط على أطراف معينة، وستجمد حلول القضية الفلسطينية إلى إشعار آخر، ولذلك يجب أن يتعامل العرب مع ترامب بمنهجية رأسمالية بحتة، وفن إدارة النزاعات الناعمة، ووضع دراسات جدوى لكل قنوات التواصل مع الإدارة الأميركية الجديدة في البيت الأبيض.
نقلا عن / الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة