إكسبو دبي.. سبيل العالم إلى تأسيس مستقبل الغذاء المستدام
أُسدل الستار الإثنين 21 فبراير على فعاليات منتدى الأعمال المتخصص للغذاء والزراعة وسبل العيش في معرض إكسبو 2020 دبي.
حيث أجمع قادة الحكومات وصانعو التغيير على أن حل تحديات النمو السكاني والإنتاج المستدام للغذاء هو أمر ممكن، لكنه يتطلب تعاونا والتزاما جادا من الحكومات والشركات والمجتمع العلمي والأفراد في جميع أنحاء العالم، والذين يتعين عليهم التصرّف الآن.
وشاركت نيوزيلندا في تنظيم هذا المنتدى بالتعاون مع غرفة تجارة دبي ومعرض إكسبو 2020 دبي، سعيًا لتحفيز العمل الجماعي في سبيل تسريع الانتقال إلى أنظمة غذائية أكثر استدامة من أجل توفير الغذاء لحوالي 10 مليارات شخص بحلول عام 2050.
ضرورة تطوير الأنظمة الغذائية والزراعية
وفي ظل الضغوط الشديدة والبالغة التي تواجهها النظم البيئية للأراضي والمياه في شتى أرجاء العالم، اتفق المشاركون في المنتدى على ضرورة تصعيد الحاجة الملحة لتطوير الأنظمة الغذائية والزراعية في العالم بهدف تقليل التأثير البيئي للقطاع، وجعل التوزيع العالمي للأغذية أكثر كفاءة وإنصافاً للجميع.
وقادت مؤسسة New Zealand G2G مشاركة نيوزيلندا في المنتدى -وهي عبارة عن مشروع مشترك بين وزارة الشؤون الخارجية والتجارة النيوزيلندية (MFAT) وهيئة التجارة والمشاريع النيوزيلندية (NZTE)- بالإضافة إلى مشاركة كل من دولة الإمارات العربية المتحدة، وأستراليا، والباهاماس، والبرازيل، وكوستاريكا، وقبرص، وإستونيا، وغانا، والمجر، والهند، والمغرب، وبيرو، ورواندا، والمملكة العربية السعودية، وكوريا الجنوبية، وهولندا، وترينيداد وتوباغو، وأوكرانيا، والولايات المتحدة الأميركية، وفيتنام، وزامبيا.
وألقت مريم بنت محمد المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارت العربية المتحدة، كلمة رئيسية دعت من خلالها إلى إعادة هيكلة صناعة الأغذية على نطاق واسع، من الإنتاج إلى التوزيع، وإرساء السياسات ذات الصلة من أجل تحقيق الهدف 12 من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة "الاستهلاك والإنتاج المسؤولان".
وقالت: "إن الموضوع الذي تتم مناقشته اليوم على درجة عالية من الأهمية، لا سيما في ضوء التحديات التي تواجهها أنظمتنا الغذائية. لقد فرض تغير المناخ ضغوطاً شديدة على مواردنا لهذا السبب، يتعين علينا أن نكثّف جهودنا معاً لتغيير المنظومة الغذائية سريعاً، وتسخير التكنولوجيا والابتكار لتحقيق الأمن الغذائي والاستدامة في أنحاء العالم".
كما أوضحت "المهيري" أولويات المناخ التي حددتها مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ (Aim for Climate) التي تم إطلاقها حديثاً خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP26 بقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.
تسريع الابتكار الزراعي
وأضافت: "تمثل مبادرة AIM for Climate وسيلة فعّالة وحافزاً قوياً للتغيير. نحن في مهمة لتسريع الابتكار الزراعي، واستقطاب 140 شريكًا حكوميًا وغير حكومي لمواجهة تغير المناخ ومشكلات الجوع في العالم. ويعد الانتقال إلى أنظمة غذائية مستدامة أمرًا مهمًا للغاية"، مشيرة إلى مضاعفة مبادرة AIM for Climate هدفها الاستثماري من 4 مليارات إلى 8 مليارات دولار مع انطلاقة فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP27 في نهاية العام الجاري".
وتعليقًا على الدور الرائد لنيوزيلندا في تنظيم الحدث، قال داميان أوكونر، وزير الزراعة ووزير التجارة ونمو الصادرات - حكومة نيوزيلندا: "شرف لنا أن نشارك في جمع هذه النخبة المميزة من قادة الفكر من العديد من الدول حول العالم. نحن ندرك أهمية العمل الجماعي لبناء أنظمة غذائية أكثر إيجابية ومرونة وشمولية للجميع. وأن نكون في حالة توازن مع الطبيعة، وليس ضدها".
وتابع "إن إنتاج الغذاء يعتبر أحد أنبل المساعي البشرية، ويجب أن يدعم تطوّر المجتمعات الريفية وتحسين جودة العيش، بل الازدهار الاجتماعي والاقتصادي مع الحفاظ على سلامة الموارد الطبيعية وتعزيزها".
وأضاف "أمامنا الكثير لنتعلمه من بعضنا البعض، خاصة من مجتمعات السكان الأصليين. إن رؤية نيوزيلندا المستقبلية بشأن إنتاجنا للغذاء تستند إلى مفهوم الماوري تجاه البيئة Te Taiao؛ ومفاده العلاقة العميقة والقوية من الاحترام والمعاملة بالمثل مع العالم الطبيعي. وتحت مظلة هذا المفهوم، تأتي سلامة المناخ والأرض والمياه وأنظمة المعيشة في المقام الأول. فعندما تزدهر الطبيعة تزدهر كذلك عائلاتنا ومجتمعاتنا وأعمالنا. إنه مفهوم موحد وثيق الصلة بنا جميعاً، لا سيما مع الدور الذي يحمله الخبراء والقادة على عاتقهم لإرساء الأنظمة الغذائية بما يخدم الأجيال الحالية والمستقبلية.. والفكرة الأساسية باتت واضحة تماماً الآن.. علينا أن نعمل معاً، وأن نواصل الابتكار لإطعام الكوكب بصورة مستدامة وعادلة. وبذلك، سوف ننجح في إنهاء الجوع في العالم".
وقال حسن الهاشمي، مدير إدارة العلاقات الدولية في غرفة دبي إن النمو السكاني في الدولة والمناخ الصحراوي والتحديات العالمية أبرزت الحاجة إلى الأمن الغذائي كضرورة استراتيجية لا غنى عنها، مشيراً إلى أن دبي أظهرت أنها نموذج للمدن التي استفادت من التكنولوجيا والشراكات العالمية لتعزيز الأمن الغذائي رغم التحديات العالمية.
ولفت الهاشمي في كلمته خلال منتدى الأعمال المتخصص للغذاء والزراعة وسبل العيش في إكسبو 2020 دبي إلى أن الدولة استشرفت المستقبل، وشرعت بالاستثمار في تقنيات صناعات غذائية وزراعية متطورة كالمزارع المائية والأفقية، وسبل الري الذكية، حيث تستخدم تقنيات الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي لتحسين إنتاج وجودة قطاع الأغذية والمشروبات.
ودعا الهاشمي إلى الاعتماد على الابتكار والإبداع في إدارة سلاسل وموارد إنتاج الأغذية والمزروعات، مشيراً إلى أن دبي مستمرة بلعب دور فعّال وهام في ضمان سهولة وسرعة انتقال السلع الغذائية، وربط مراكز التجارة الغذائية حول العالم بما يرسخ مكانتها كوجهة عالمية للتجارة.
حان وقت العمل
خلال سلسلة من الجلسات النقاشية والمحادثات المتنوعة، تطرّقت الوفود المشاركة إلى أهمية التعاون بين القطاعين العام والخاص في المنظومة الزراعية العالمية، والاستخدام الفعّال للموارد بالنسبة للمزارعين، والأنظمة الحديثة لسلامة الأغذية، وإنتاجية الثروة الحيوانية، ودور التكنولوجيا في حل التحديات التي تواجه أنظمة الغذاء العالمية.
واتفق الوزراء ومسؤولو الإدارات والخبراء من كوستاريكا ونيوزيلندا وزامبيا على أن الهدف المتمثـل في إطعام الأجيال القادمة لا يمكن تحقيقه بدون ترسيخ الشراكات بين القطاعين العام والخاص، خاصة من حيث تحسين الاتصال وإمكانية الوصول للخدمات والدعم لأصحاب المزارع الصغيرة من أجل تحقيق التوزان التجاري بين مختلف الأطراف المعنية في سلسلة القيمة الزراعية.
وقال بيدرو بايروتي، رئيس هيئة ترويج التجارة PROCOMER في كوستاريكا "إن إطعام الكوكب ليست في الحقيقة مشكلة إنتاج، بل هي في الغالب مشكلة توزيع. ويمكن للشراكة بين القطاعين العام والخاص أن تكون أداة ليس فقط لإطعام 10 مليارات شخص، ولكن لخلق عالم أفضل من خلال توفير المزيد من الوظائف والفرص، والتصدي لعدم المساواة، وفي نهاية المطاف تحقيق المزيد من الرخاء والرفاهية. نعم، سيكون لكل بلد وشراكة بين القطاعين العام والخاص مجموعة من التحديات الخاصة بها، ولكن مع وجود رؤية مشتركة تتماشى مع النتائج المرجوّة، يمكننا معاً بناء عالم أفضل للجميع".
وتمثل المزارع الصغيرة التي تقل مساحتها عن هكتارين حوالي 84% من إجمالي 570 مليون مزرعة في العالم، والعديد من أصحاب المزارع الصغيرة هم من أفقر الناس في العالم، كما أنهم متأهبون لتحقيق أقصى استفادة من التعاون الإنمائي، مما يعود بالفائدة على الكوكب والمجتمعات والاقتصادات المحلية، وفقاً للدكتورة سوزي نيومان، رئيسة قسم التنمية وأبحاث النبات والغذاء في نيوزيلندا.
وبالحديث عن العمل الميداني في مزارع البستنة الصغيرة في الهند وفيتنام، قالت نيومان "ما أظهره تعاوننا هو أنه من الممكن تحقيق التغيير والتطوير المستدام لأصحاب المزارع الصغيرة، ولكن هناك العديد من المتغيرات والعوامل الأخرى التي تتطلب العلم التطبيقي، والتعاون، والثقة. وأهم ما يمكن قوله إن الأمر كله يتعلق بالشراكة، فهناك قوة حقيقية في العمل معاً للتغلب على التحديات الكبيرة، إذ يمكن لذلك أن يغير حياة الناس بشكل لا يُصدّق".
وعندما يتعلق الأمر بتطوير الأنظمة الحديثة لسلامة الأغذية، دعت الوفود المشاركة البلدان التي تتمتع بعلاقات تجارية قوية إلى استخدام معرفتها وخبراتها من أجل التعاون بشكل أفضل للتغلب على التحدي العالمي لسلامة الأغذية.
وقالت الدكتورة عائشة فيرال، وزيرة الأمن الغذائي، حكومة نيوزيلندا: "يتطلب إنتاج أغذية آمنة وتصديرها دولياً نظاماً يعمل وفقاً للمعايير العالمية. ويحتاج أي نظام متكامل ناجح إلى تعاون الحكومة والقطاع الخاص.
ويتماشى الإطار التنظيمي في نيوزيلندا مع الدول الأخرى ومنظمات المعايير الدولية، مثل معايير Codex، ومقاييس سلامة الأغذية في أستراليا ونيوزلندا (FSANZ)، لتحقيق نتائج أفضل الممارسات للصحة العامة وسلامة الأغذية. ومن خلال التعاون والعمل معاً لحل مشكلات إدارة الأمن الغذائي، يمكننا تطوير أنظمة لسلامة الأغذية، وتفعيلها وتحسينها على مستوى العالم".
كما سلط المنتدى الضوء على أهمية الاتصال الرقمي، والبيانات، والذكاء الاصطناعي لتعزيز الأمن الغذائي. ويمكن لمثل هذه الرقمنة أن تجعل سلاسل القيمة أكثر كفاءة، وأن تقود جهود الاستدامة في عمليات الإنتاج، مما يعزز من إمكانات الاكتفاء الذاتي للأسواق.
وتم استعراض أحد الأمثلة على ذلك من قبل الدكتور ممدوح الشراري، نائب مدير الإدارة العامة للإنتاج الحيواني في وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمملكة العربية السعودية؛ وشارل ليبرغرين، مستشار في شركة AbacusBio النيوزيلندية الرائدة عالمياً في مجال استشارات الأعمال الزراعية. فمن خلال تبني علم وراثة الماشية في AbacusBio، نجحوا في تحسين إنتاجية مربّي الأغنام في المملكة على المدى الطويل.
ومع ذلك، فإن التقدم التكنولوجي وحده لا يكفي، وستستغرق هذه التغييرات وقتاً للتنفيذ. إن إطعام الأجيال القادمة ضمن الحدود البيئية يعني أيضاً البحث عن مصادر غذائية بديلة.
وقال فولكر كونتشه، الرئيس التنفيذي لشركة Cawthron، أكبر مؤسسة علمية مستقلة في نيوزيلندا: "مع تغطية 71% من سطح الأرض بالمحيطات، تعتبر البيئات البحرية من أكثر النظم البيئية المتجددة على هذا الكوكب، ونحن بحاجة للتفكير في كيفية استفادتنا من هذه المساحات بطريقة أكثر فعالية واستدامة من أجل إطعام 10 مليارات شخص حول العالم".
وقد تم اختيار نيوزيلندا من قبل إكسبو 2020 دبي وغرفة تجارة دبي للاشتراك في تنظيم هذا المنتدى المتخصص للأعمال، نظراً لريادتها في أنظمة الغذاء المستدامة والعلوم التطبيقية الذكية، وسجلها الحافل في إنتاج منتجات عالية القيمة. وتُعرف نيوزيلندا على مستوى العالم بأنها واحدة من أكثر الدول تقدماً في الزراعة والثقافة المائية، حيث يلبي قطاعها الغذائي متطلبات حوالي 40 مليون مستهلك عالمي كل عام، أي ثمانية أضعاف عدد سكانها.