رغم مجريات الأمور من حولنا، والتي ترقى لدرجة الزلازل والصدمات، ورغم ظن البعض أن العالم في حاجة إلى استعادة هدوئه وروتينه السابقَين، فإن ما نكابده حالياً من وباء واقتتالات ومعاودة إطلالات جماعات الإرهاب تتطلب إحداث تغييرات كبرى.
التغيرات الكبرى تحدث إما مباغتة فتصيب المتلقين بالصدمة وتسبب لهم نوعاً من شلل التفكير ووهن التدبير، أو تجري بتخطيط وتنسيق وتسبقهما قناعة منطقية وشبه إجماع مجتمعي لضمان النجاح.
وما يجري في كوكبنا من وباء يصر على أن يبقى خطوة أو خطوات متقدماً على البشرية في اتخاذ القرار وتقرير المسار ومعه المصائر، يخبرنا أن علينا أن نمضي قدماً في اتخاذ ما يناسبنا من قرارات تغيير من شأنها أن تعدّل نسبياً حال الكوكب المائل عموماً، والمائل جداً على وجه الخصوص في منطقتنا.
في منطقتنا العربية، تعاني المرأة مراراتٍ عدة، ثقافية ومجتمعية وعلمية وتعليمية واقتصادية، كأن المرارات المتوارثة لم تكن كافية لإبقائها بعيدة عن المكانة التي تستحقها، فإذا بالاقتتالات المتواترة.
والمشكلات الاقتصادية الضاغطة والخانقة، والصفيح الساخن الملتهب منذ أحداث 2011 هنا وهناك، ثم وباء "كوفيد-19" الآخذ في شحذ همته وشحن طاقته فيتغير ويتحور ويجدد نفسه ليعلن بقاءه معنا لحين إشعار آخر، إذا بكل ما سبق يعلن تضامنه ويقف على قلب أثر مميت واحد على المرأة العربية.
المرأة العربية الجديرة بجائزة نوبل للتحمل والجلد والصبر والأمل والبقاء على قيد الحياة، وقتما تبدو معالم الحياة إلى أفول، تجني ثماراً مضاعفة من مشكلاتها المتوارثة ومعها المشكلات الناجمة عن تواتر الأحداث والحوادث من حولها.
حصاد "كوفيد-19" والاضطرابات في العديد من الدول العربية وموجات التشدد والتطرف وحتى تغير المناخ وتهديدات نقص المياه والغذاء والأمان والسلام، تلقي بظلال أكثر وخامة وأقسى حدة على المرأة.
ولطالما اعتبر كثيرون المرأة وقضاياها الحياتية رفاهية لا يجوز الحديث عنها إلا في أوقات الفراغ أو بحبوحة لا تتوافر إلا لمن يستطيع إليها سبيلاً، وكأن المرأة في حد ذاتها كائن يندرج تحت بند "السلع الاستفزازية"، التي لا يصح التطرق إليها مراعاة لمشاعر البشر.
وتتعرض المرأة ومشكلاتها المزمنة لمصاعب إضافية في الآونة الأخيرة مع وضع الفيروس وتفاقم الاقتتالات وتبعثر آمال السلام والوئام.
لذلك حين تبزغ أضواء في عتمة الواقع لتبشرنا بأننا حاضرات وموجودات، بل راسخات ومحفورات في قوائم أولويات أولي الأمر، فإن هذا يعني أن غداً أفضل، وأن التغيير الكبير المدروس والمخطط له سيحدث، فربما حال الكوكب أعوج، وحظه تضاءل، وتصرفاته حادت عن المنطق حين أصر على تهميش نصفه.
نصف المجتمع والمؤثر فيه مِن ألفه إلى يائه مخصص له جناح في الحدث الذي يعد فاتحة العودة إلى حياة شبه طبيعية منذ أطل الوباء برأسه.. "إكسبو 2020 دبي"، الذي يخبرنا بأن دبي تصر على إدهاش العالم.
الحدث الكبير يعدنا بأن في فعالياته شيئاً يناسب كل شخص، وأنه دعوة حقيقية ليشارك الجميع في صناعة غد أفضل، لكن في آفاق "جناح المرأة" في إكسبو 2020 شيئاً واحداً يناسب الجميع.
حيث الجواب واضح من عنوانه.. الجواب أو الجناح يعرض التأثير الإيجابي للمرأة في العالم والتحديات التي ما زالت تواجهها.
والسرد لا يتوقف عند حدود تسليط الضوء على ما قدمته المرأة، أو عند التحديات والمشكلات التي تلاحقها، بل تمتد لتسلط ضوءاً على سمة من سمات النساء، ألا وهي عرض المبادرات وطرح الحلول التي تضعها المرأة لصناعة عالم أفضل، إذ لا تكتفي أبداً بتصدير المشكلات، بل ترفق بها حلولاً ومبادرات.
ومن جهتي، أرشح أحد شعارات الجناح المهم في "إكسبو 2020" ليكون خطة عمل قوامها الأمل.. "حين تزدهر المرأة، تزدهر البشرية" ليس مجرد شعار، فتحليله وتفسير كلماته والنظر إلى ما تعنيه ربما تحمل خلاصاً للبشرية.
وازدهار المرأة لا يعني بأي حال من الأحوال أفول الرجل أو انتهاء دوره، بل هو تعضيد له وضبط زوايا المجتمعات، التي لم ولن تسترد عافية أو تقوم لها قائمة وتستمر وتُستدام إلا بازدهار نسائها.
قبل أسابيع، وفي أثناء ترحيبه بوفود الدول والمنظمات الدولية ضمن استعدادات انطلاق "إكسبو 2020"، أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أن "العالم يستعد لاستعادة عافيته عبر أكبر حدث ثقافي في العالم".
كل الأمنيات أن تكون استعادة العافية مضاعفة عبر "إكسبو 2020"، فالحدث الكبير لن يكون فقط رسالة طمأنينة للعالم بأننا نستعيد عافية الحياة، لكنه تأكيد أن الحياة ليست بقاء على قيدها فقط، لكنها ازدهار لا يتحقق إلا بازدهار المرأة.
نقلا عن البيان الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة