استقر نسبيا التعافي الاقتصادي الصيني في أغسطس، ما يشير إلى أن قوة الدفع للنمو الاقتصادي تتعثر في أعقاب الحملة التنظيمية والإجراءات الأخيرة، التي اتخذتها الحكومة، ورد فعل السلطات ضد تفجر فيروس كورونا، وضعف الطلب المحلي.
وقد تباطأ الاقتصاد الصيني أكثر من المتوقع في يوليو، بعد أن تعافى الاقتصاد بشدة ليكون التعافي على شكل حرف v مدفوعا بنمو الصادرات والقطاع الصناعي.
وقد حدثت صدمة للاقتصاد بانتشار المتحور "دلتا" القابل للانتشار بسرعة عالية، والكوارث الطبيعية التي ألمت بوسط الصين، والتي أثرت على كل من الإنتاج والاستهلاك.
واستمرت القيود، التي أعاقت التعافي الكلي، شاملة نقص رقائق أشباه الموصلات، والاختناقات اللوجستية مثل مشكلات حركة الشحن، وأسعار المواد الخام المرتفعة.
وقد أشارت بكين إلى أن هناك إجراءات تنظيمية في مجال الأعمال في السنوات المقبلة كذلك، ولكن الاقتصاديين يرون أن على السلطات أن تدير بحرص وتيرة وكثافة هذه الإجراءات في مواجهة اقتصاد يضعف بأكثر مما كان متصورا هذا العام بعد تفشي فيروس كورونا في البلاد.
وبينما كان من الصعب وضع توقعات كمية للأثر المباشر للقيود التنظيمية على النمو، فيمكن التعرض لأثر كل إجراء على الحالة الاقتصادية.
ونعرض هنا لأثر الإجراءات المتعلقة بالتخلص من الانبعاثات الكربونية، وأثر الإجراءات التنظيمية في مجال شركات تكنولوجيا التعليم، ثم أثر انخفاض الاستثمار في البنية التحتية هذا العام.
التخلص من الكربون
فيما يتعلق بالإجراءات المتصلة بالتخلص من الكربون، وضعت الصين هدفا طموحا بأن تكون خالية من الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2060، وهو هدف يواجه تحديات كبيرة مع الوضع في الاعتبار أن الصين لم تصل بعد إلى نقطة الذروة في الانبعاثات الكربونية.
وفي أول خطوة على خريطة الطريق لتحقيق هدف "صفر انبعاثات"، تعهدت بكين بزيادة استخدام الطاقة المتجددة وتطوير تكنولوجيا جديدة لاحتجاز الانبعاثات، وكذا تخفيض نسبة الانبعاث لكل 1% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد تعهدت بكين بتخفيض ناتج الصلب في قطاع يسهم بأكثر من 15% من الانبعاثات على المستوى الوطني، وعلى الرغم من تحذيرات المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني ضد أي إجراءات من أجل تنفيذ هذه الأهداف، فقد انخفض إنتاج الصلب في شهر يوليو إلى أقل مستوى له خلال 15 شهرا، كما هبط أيضا إنتاج الفحم إلى أقل مستوى له في أربعة أشهر على الأقل.
ويمكن للوتيرة التي يتم بها خفض انبعاثات الكربون أن تقلص من النمو الاقتصادي.
قطاع التعليم
كما أجرت الصين عملية مراجعة شاملة لقطاع تكنولوجيا التعليم، الذي يصل حجمه إلى 100 مليار دولار، مع الحظر على الشركات، التي تدرس المناهج الدراسية الآن، من أن تكون هادفة للربح، وحظر تحولها إلى شركات عامة أو جمع رأس المال.
وترتبط التحركات في هذا القطاع بأهداف بكين الاجتماعية، التي ترمي إلى خفض عدم المساواة وخفض تكلفة التعليم، لتشجيع العائلات على المزيد من الإنجاب، على الرغم من أنه في المدى القصير سيؤدي هذا إلى مصاعب في أسواق رأس المال والعمل.
ويقول الاقتصاديون إن الأثر على التوظيف والاستهلاك من إعادة تنظيم شركات تكنولوجيا التعليم يمكن أن يكون عابرا، مع ارتفاع الإنفاق في مجالات أخرى مقابل الانخفاض الذي سيحدث في الإنفاق على تكنولوجيا التعليم.
كما يرى البعض أنه سيتم خلق فرص توظيف في المدارس العامة بعد انخفاض التوظيف في الدروس الخصوصية فيما بعد المدرسة، مع انخفاض الشركات التي تقوم بذلك.
كما يرون أن مثل هذه الإجراءات التنظيمية التي تمس هذه الشركات سيكون لها تأثير في تعديلات هيكلية في المدى القصير، لكن من غير المحتمل أن يكون لها أثر كبير على الطلب الكلي.
الاستثمار في البنية التحتية
وكانت الحكومات المحلية بطيئة في بيع سندات خاصة هذا العام، وهو ما يعود جزئيا إلى الافتقار إلى مشروعات جيدة، وإلى المراجعة الدقيقة للمشروعات.
والوتيرة البطيئة في الاقتراض تعني أن الاقتصاد سوف يتلقى دفعة أقل هذا العام من استثمارات البنية التحتية عما كان يعتقد في السابق.
وقد هبطت استثمارات البنية التحتية في شهر يوليو بنسبة 10% مقارنة بالعام الماضي، وهو أضعف مستوى من الاستثمارات منذ تفشي الجائحة في شهر فبراير.
وسوف يدفع انخفاض الإنفاق على البنية التحتية إلى تخفيض نمو الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 0.5% في العام الحالي ككل.
ويبدو الأثر على النمو الاقتصادي واضحا من مؤشر بلومبيرج الإجمالي لثمانية مؤشرات، والتي نعرض لخمسة مؤشرات منها فيما يلي:
فأولا نجد أن التعافي الاقتصادي الصيني استمر غير متوازن، مع عدم تعافي الطلب الخاص المحلي إلى نفس مستوى تعافي الإنتاج الصناعي، فقد ضعفت مبيعات المنازل أكثر في أغسطس، بعد أن قامت السلطات بتعزيز جهودها من أجل تهدئة سوق العقارات الوطنية.
ويواجه المطورون العقاريون الآن بضغوط متزايدة من حيث السيولة بسبب تشديد القواعد المالية، بينما هناك قيود أشد للشراء ومعدلات رهن عقاري أعلى بالنسبة لمشتري المنازل.
وثانيا فقد تردت مبيعات السيارات هي الأخرى.
وثالث المؤشرات هو استمرار الطلب الخارجي في التماسك، بالرغم من التحذيرات الرسمية من تدهور الظروف أمام التجارة في بقية هذا العام وأوائل العام المقبل.
وقد ارتفعت صادرات كوريا الجنوبية، وهي مقياس للتجارة العالمية، بنسبة 40.9% في العشرين يوما الأولى من شهر أغسطس مقارنة بمستوى هذه الصادرات منذ عام مضى، ما يشير إلى أن الصادرات سترتفع مرة أخرى في أغسطس.
وعلى أي حال، فهذه القوة ربما لا تستمر، مع تحول الطلبات من البلدان الآسيوية المجاورة إلى الصين للانخفاض بمجرد السيطرة على تفشي الجائحة في هذه البلدان وهبوط الطلب على معدات الوقاية الشخصية مع إعادة فتح الاقتصاد العالمي للأنشطة الاقتصادية مرة أخرى، وفقا لتقدير وزير التجارة الصيني.
وقال الوزير إننا "سنركز على التعديلات عبر الدورات التجارية من أجل الحفاظ على التجارة الخارجية ضمن حدود معقولة".
ورابعا فقد أظهر معدل تضخم المنتجين علامات على الانفراج في أغسطس، بعد أن شهد ارتفاعا مفاجئا في الشهر السابق.
وبينما ذكر البنك المركزي الصيني أن الارتفاع في أسعار المنتجين هو على الأغلب عابر ومؤقت، وأن الضغوط التضخمية يمكن التحكم فيها، فإن ارتفاع الضغوط التضخمية سوف يعقد من أي جهود لإيقاف التباطؤ الاقتصادي بمزيد من دعم السياسة النقدية والمالية خلال النصف الثاني من العام.
وخامسا فقد ضعفت الثقة بين المشروعات المتوسطة والصغيرة أكثر في أغسطس، مع عودة الفيروس وآثار الحملة التنظيمية التي شنتها السلطات، وطبقا لمسح شمل أكثر من 500 شركة، أجراه ستاندرد تشارترد، فقد توسعت المبيعات والإنتاج في أغسطس بوتيرة أبطأ، بينما هبط المؤشر الفرعي للتوقعات إلى أقل مستوى له في ستة أشهر، كما أظهر تقرير المسح المذكور.
وقد أدى تزايد الرياح المعاكسة للتعافي الاقتصادي الصيني إلى حث عدد من الاقتصاديين على خفض توقعاتهم لمعدل النمو.
والتوقع الوسطي فيما بينهم هو توسع الاقتصاد الصيني بنسبة 5.9% في الربع الثالث من العام، و8.5% معدل نمو للعام ككل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة