احتضنت العاصمة العراقية، بغداد، السبت الماضي، قمة دولية مهمة، أُطلق عليها اسم "قمة دول جوار العراق" بمشاركة خمس دول عربية ذات ثقل بالمشهد الإقليمي، وبحضور منظمتي الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي.
ولا مبالغة في القول إن هذه القمة كانت فعلاً مهمة، ليس بالنظر إلى ما صدر عنها من بيان، وإنما بمكان انعقادها ومستوى المشاركة وما دار على هامش جلساتها من لقاءات ثنائية كانت تبدو مستحيلة قبل عام.
قمة بغداد تؤكد إصرار العراق على العودة إلى محيطه العربي باعتبار ذلك إرادة شعبية بالأساس، وعزمه على أن يلعب دوراً فاعلاً في ملفات المنطقة، والحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي سبق أن أظهرت هذه الرغبة بوضوح وعبر مواقف وخطوات كثيرة.
استجابة الدول العربية لدعوة العراق والمشاركة في القمة بهذا المستوى الرفيع تأتي تأكيداً للحرص العربي العام على دعم العراق في جهوده لاستعادة قوة وهيبة الدولة وعودته للعب دور فاعل على الساحة العربية، والحرص على استقلال العراق وقوة حكومته ومؤسساتها ورفض التدخل في شؤونه.
كان ذلك جلياً في الكلمات التي ألقاها القادة والوزراء العرب في القمة، وأيضاً في البيان الختامي الذي صدر عنها.
القمة كانت فرصة لإيران كي تقدم رؤية جديدة عن دورها في العراق والعلاقات التي كرّر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أنه يريد تحسينها مع دول الجوار، ولكن وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان، الذي خرق البروتوكول في الصورة التذكارية بوقوفه في الصف المخصص لرؤساء الدول، كانت كلمته، التي ألقاها بالعربية، معبّرة عن تمسك بلاده بهيمنتها ودورها في العراق، عندما طالب الولايات المتحدة بالانسحاب من العراق وكأنه لا يعترف بوجود حكومة في العراق تقرر ما هو في مصلحته وما ليس فيها! فلم يكن "عبد اللهيان" معنياً بدوافع انعقاد القمة: "تحديات مشتركة تقتضي تعامل دول الإقليم معها على أساس التعاون المشترك والمصالح المتبادلة ووفقاً لمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون للدول واحترام السيادة الوطنية"، فإيران لا ترى من هذه التحديات سوى وقوف أمريكا عقبة أمام الاعتراف بنفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
يمكن القول إن العراق استطاع، من خلال قمة بغداد، تحقيق خطوات بارزة في ترميم علاقاته داخل المنطقة وخارجها، ورفضه أن يكون ساحة لحروب الآخرين، أو مصدر تهديد لجيرانه، ورغبته في بناء الجسور في كل الاتجاهات.
أمّا إيران، التي يُعتبر العراق اختباراً لقياس سلوكها، فإنها لن تطمئن لمثل هذا التجمع الإقليمي، الذي يسعى إلى ترسيخ سيادة العراق ودعم الاستقرار فيه، ولكن رسالة القمة واضحة، وهي أن العالم العربي والمجتمع الدولي لن يتخليا عن العراق، وسوف يدعمان سيادته واستقراره، ويقفان مع مطالب شعبه المشروعة في الحرية والديمقراطية والأمن والرخاء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة