دخان الحرائق يخنق اقتصاد العالم.. ويمحو 16 تريليون دولار في عقدين
وسط موجة حر شديدة، وبينما تنبعث أعمدة دخان حرائق الغابات من مناطق عدة في العالم، يتزايد اختناق الاقتصاد الدولي الذي يدفع الثمن من نموه وما حققه من ناتج إجمالي، في حين تزحف الآثار السلبية للأدخنة على العمال وإنتاجيتهم وجدوى ساعات عملهم.
وإذا كانت الخسائر تتجلى في الأضرار الصحية التي تصيب الإنسان أو في تعطيل وإلغاء فعاليات ذات منفعة اقتصادية، فإن مجموعة متزايدة من الأبحاث تحاول وضع رقم بالدولار على التداعيات الاقتصادية الأكبر.
وقد يكون هناك خسائر أخرى غير المناخ والبيئة، وربما تكون أشد إيلاما لبعض الدول من تلك المتعلقة بالمناخ.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO) تعد حرائق الغابات مصدر قلق متزايد ليس فقط بسبب فقدان الممتلكات، ولكن أيضاً بسبب تأثيرها على جودة الهواء والمحاصيل والموارد والنقل والمسائل الصحية للحيوانات والبشر، ومعظم حرائق الغابات ناتجة عن نشاط بشري مثل حرائق المعسكرات غير المراقبة والسجائر المهملة بينما بعضها ناتج عن الحمم البركانية والإضاءة.
وبشكل عام، نقلت فايننشال تايمز عن دراسة نشرها أكاديميون في دارتموث العام الماضي أن موجات الحر، الناجمة عن تغير المناخ الذي يسببه الإنسان، كلفت الاقتصاد العالمي ما يقدر بنحو 16 تريليون دولار على مدى 21 عاماً من التسعينيات.
حرائق أمريكا الشمالية
وذكر تقرير بلجنة الموازنة التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي مؤرخ بتاريخ 8 مارس/آذار من العام الجاري أن التكاليف السنوية لحرائق الغابات تتراوح بين 7.6 إلى 62.8 مليار دولار.
وحددت البيانات المناطق في الغرب، مثل كاليفورنيا ونيفادا وأريزونا، مع مساحات طويلة من المناخ الجاف وقليل من الأمطار، أنها معرضة بشكل خاص لحرائق غابات يمكن أن تكون مدمرة، وتنمو بسرعة، وتقتل منازل ومجتمعات بأكملها وتتسبب في أضرار بمليارات الدولارات.
ويعد الزحف العمراني وتغير المناخ عاملين يزيدان من احتمالية وتواتر حرائق الغابات في جميع أنحاء البلاد.
وبشكل عام، فإن حرائق الغابات تطلق جسيمات دقيقة تعرف باسم PM2.5، وهي أصغر بحوالي 30 مرة من قطر شعرة الإنسان. يمكن لهذه الجسيمات أن تدخل إلى الرئتين ومجرى الدم وهي ضارة بشكل خاص لأولئك الذين يعانون من أمراض موجودة مسبقاً.
وفي يونيو/حزيران الماضي، تم إلغاء مباريات البيسبول وعروض برودواي، وأغلقت المدارس وتم تأجيل الرحلات الجوية.
وخلصت دراسة، نُشرت الشهر الماضي في مجلة Science of the Total Environment، إلى أن جزيئات الدخان من حرائق الغابات يمكن أن تؤدي في النهاية إلى ما بين 4000 و9000 حالة وفاة مبكرة في الولايات المتحدة بما يكلف 36 مليار دولار إلى 82 مليار دولار سنوياً في الرعاية الصحية.
وشرحت الدراسة أنه خلال فترة الدخان من 4 إلى 8 يونيو/حزيران، مثلا، كانت تكلفة الرعاية الصحية المرتبطة بالدخان وحده 1.28 مليار دولار.
ومن ناحية أخرى، وجد الباحثون في جامعة ستانفورد الذين رسموا أعمدة حرائق الغابات في جميع أنحاء الولايات المتحدة أن التعرض للدخان في يوم واحد يقلل من أرباح الفرد ربع السنوية بنسبة 0.1٪.
كما تشير ورقة قادمة في Review of Economics and Statistics إلى أنه بين عامي 2007 و2019، انخفضت أرباح الولايات المتحدة بمتوسط 125 مليار دولار سنوياً بسبب حرائق الغابات.
وقال ديفيد موليتور، المؤلف المشارك للدراسة وأستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة إلينوي، في مقابلة إن "جودة الهواء مهمة لأكثر من مجرد النتائج الصحية، يظهر ذلك في إحصاءات الإنتاجية الاقتصادية".
اليونان
وفي اليونان حيث تكتوي مساحات واسعة بنيران يوليو/تموز الحالي، تحدث تقرير لفايننشال تايمز بشكل مباشر عن الخسائر السياحية التي تؤلم البلد الأوروبي الذي نجا قبل نحو عقد من أمة اقتصادية طاحنة.
وذكر التقرير أن المسؤولين اضطروا لغلق موقع الأكروبوليس، وجهة السياح في أثينا، لعدة ساعات في اليوم بسبب موجة الحر الشديدة.
لكن الأثر الاقتصادي لما يحذر الخبراء من أنه قد يكون حقبة جديدة من درجات الحرارة القياسية يتجاوز السياحة، وتستعد الصناعات التي تتراوح بين البناء والتصنيع والزراعة والنقل والتأمين لتغيير طريقة عملها، حيث تصبح أيام درجات الحرارة المرتفعة أكثر روتينية بسبب تغير المناخ.
ويتضح للعلماء أن الظواهر الجوية المتطرفة، بما في ذلك موجات الحر، ستصبح أكثر تواتراً وشدة مع كل جزء من درجة الاحترار.
ووفقا لكاثي بوجمان ماكليود، مديرة مركز مرونة مؤسسة Adrienne Arsht-Rockefeller في المجلس الأطلسي، إن الحرارة الشديدة "تقلل من نمونا"، وتؤدي إلى تدهور اقتصاداتنا.. المدارج تنهار، المترو يغلق، المطاعم تضطر إلى الإغلاق لأن طاقم المطبخ محتر للغاية".
ومن المرجح أن تتصاعد هذه التكاليف في العقود المقبلة مع إعادة توجيه الاقتصادات لمواسم الذروة التي تشهد حرارة شديدة للغاية، للتخفيف من المخاطر والاضطرابات التي ستحدثها.
ويقول دان يورجنسن، وزير المناخ في الدنمارك "الحرارة الشديدة هي إحدى العواقب الخطيرة جدًا لتغير المناخ". "النبأ المأساوي للغاية هو أن هذا ربما سيزداد سوءاً".
حار جدا للعمل
أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الحرارة الشديدة تشكل تهديداً اقتصادياً هي أنها تجعل العمل أكثر صعوبة، تسير درجات الحرارة المرتفعة جنباً إلى جنب مع انخفاض الإنتاجية.
وتوقعت دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية، وهي وكالة الأمم المتحدة للعمال، أنه بحلول عام 2030 سيضيع ما يعادل أكثر من 2 في المائة من إجمالي ساعات العمل في جميع أنحاء العالم كل عام، بسبب تباطؤ وتيرة إنجاز العمال.
ويقدر عدد الأشخاص المعرضون لخطر الحرارة الشديدة بنحو 200 مليون شخص، وهو رقم من المتوقع أن ينمو ثمانية أضعاف بحلول عام 2050، وفقاً لساشين بويت، مدير المرونة المناخية في شبكة C40.