تغير المناخ يضعف قدرات الجيوش.. تشويش مدمر
أصبح لآثار التغير المناخي من الأحوال الجوية المتطرفة تأثير كبير على تشويش الأنظمة عالية التقنية التي يعتمد عليها الجيش الأمريكي.
وبحسب ما جاء في مقال بحثي جديد للمعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث بريطاني، فإن لتغير المناخ الآن، تأثيرا على العديد من الأنظمة عالية التقنية التي أعطت الجيش الأمريكي تفوقه بمختلف المجالات العسكرية.
وأوضح "بيزنس إنسايدر"، نقلا عن المقال البحثي، أنه يمكن الآن على سبيل المثال، للظروف المناخية القاسية أن تؤدي إلى تدهور أنظمة الملاحة مثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وأجهزة الاستشعار الموجودة في الذخائر الموجهة بدقة.
ويمكن للظروف نفسها أن تشوش على المركبات الأرضية والطائرات بدون طيار ذات، بسبب الأمطار الغزيرة، والحرارة الشديدة، التي يمكن أن ترهق بدورها القوات العسكرية، والعواصف الترابية التي يمكن أن تعطل محركات الدبابات، العواصف التي يمكن أن تدمر السفن في البحر.
وأشار المقال إلى أنه وسط ما يعيشه العالم من طقس متطرف بسبب تغير المناخ، أصبح واجبا أن يكون لدى القادة والقوات فكرة جيدة عما سيكون عليه الطقس في اليوم التالي أو الشهر التالي عند التخطيط للعمليات العسكرية، رغم ذلك هذه التوقعات بدأت تفسدها عدم القدرة المتزايدة على التنبؤ بأنماط الطقس بسبب التغير المناخي.
المقال، حذر كاتبه "جميس ريجينز"، من المعهد الملكي للخدمات المتحدة، من أن ربما يكون التنبؤ الموثوق بشدة الطقس المتطرف من أجل توجيه الاستراتيجيات العسكرية، هو التحدي الأكثر أهمية الذي تواجهه الولايات المتحدة والجيوش المتحالفة معها للتكيف مع المناخ المتغير أو التخفيف من حدته، لأنه من الضروري أن تكون العمليات والحملات العسكرية متوافقة مع الحالة الجوية.
وتدخل الطقس الغير متوقع في احباط خطط القادة العسكريين ليس بالأمر الجديد، لو لم يجعل المطر الأرض موحلة في الليلة التي سبقت المعركة، لكان من الممكن أن يتمكن نابليون من رفع مدفعيته والفوز في معركة واترلو الأخيرة للإمبراطور الفرنسي عام 1815.
كما كانت العواصف الترابية المفاجئة سبباً في إصابة طائرات الهليكوبتر بالشلل أثناء العملية الأميركية الجريئة لإنقاذ الرهائن من إيران في عام 1980.
وكادت الأمطار والأمواج الهائجة أن تتسبب في إلغاء عمليات الإنزال فيما يعرف بـ "يوم النصر" في يونيو/حزيران 1944، ولكن بفضل كفاءة خبراء الأرصاد الجوية تمكن الحلفاء من التنبؤ بانقطاع العواصف على عكس توقعات جيش ألمانيا النازية، مما سمح لجيوش الحلفاء بتحقيق مفاجأة تكتيكية.
أهمية تنبؤات حالة المناخ
وعلى الرغم من الصورة الواضحة التي ترسمها هذه الأمثلة من تأثيرات التنبؤ بالطقس، فإن الطقس يظل ظاهرة قصيرة المدى، في حين أن حالة المناخ تعكس أنماط طويلة المدى تستمر بالحدوث بشكل متكرر، بما في ذلك ظواهر الطقس المتطرف.
ورغم أن العلماء الآن على وفاق أكثر من أي وقت مضى بأن الأرض تواجه الاحترار العالمي إلا أن هذا لا يعني أن الطقس سيكون أكثر سخونة في كل مكان طوال الوقت، لكنه يشير إلى أن الأحداث المناخية القاسية - الحرارة والمطر وحتى الثلوج - ستكون أكثر شدة عند حدوثها مع تراجع قدرة الخبراء على التنبؤ بها.
وأحد الأمثلة على ذلك هو ولاية كاليفورنيا في عام 2024، التي انتقلت من سنوات الجفاف إلى تعرضها لسيول جوية، بعد سقوط كميات هائلة من الأمطار التي تسببت في انهيارات طينية وألحقت أضرارًا بالمنازل والطرق.
وهذا يمكن أن يكون كارثيا بالنسبة للمزارعين والأشخاص الذين يعيشون في مناطق الفيضانات، ولن يقل في تأثيره الكارثي بالنسبة للجيوش، وخاصة تلك التي تتمتع بقدرات متقدمة مثل القوات المسلحة الأمريكية، والتي تعتمد على أنظمة حساسة ومترابطة يمكن أن تتدهور بسبب الطقس.
على سبيل المثال، تعتبر معلومات الأرصاد الجوية أساسية لنظام تحديد الموقع والملاحة والتوقيت الذي يرمز له بـ PNT، الذي يمكن العديد من الأسلحة الموجهة وشبكات الاتصالات من القيام بعملها والتنسيق.
وأوضح كاتب المقال البحثي "ريجينز"، الذي يعتبر خبيرا بالاستخبارات والشريك المؤسس لشركة Antiphon Solutions، وهي شركة تحليلات مقرها ولاية أوكلاهوما، "إن الحرائق الدقيقة، وعمليات تحليق الطائرات، ومناورة السفن الحربية ، ومسارات الصواريخ الباليستية، ونوافذ إطلاق الأقمار الصناعية لدعم جمع المعلومات الاستخبارية وأنظمة الاتصالات، كلها تعتمد على حلول نظام PNT ، التي ترتكز على توقعات الأرصاد الجوية".
تطوير نماذج التنبؤ الدقيقة أصبح أولوية
وهذا يضع أهمية كبيرة لتطوير النماذج والتكنولوجيات القادرة على تقديم تنبؤات جوية دقيقة على المدى القصير والطويل، والقيام بذلك حتى مع تطور الفهم العلمي لتأثير تغير المناخ العالمي.
على سبيل المثال، فإن معرفة المعدل الذي يذوب به الجليد في القطب الشمالي، يشكل أهمية كبيرة للعديد من الدول، مما يؤدي إلى إنشاء قنوات شحن جديدة والكشف عن الثروات المعدنية.
وقال ريجينز لـ "بيزنس انسايدر"، إن ارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي يخلق تحديًا كبيرًا لأجهزة الدفاع والأمن القومي أمام وصناع القرار في الولايات المتحدة وحلفائهم في أمريكا الشمالية والجناح الشمالي لحلف شمال الأطلسي في أوروبا.
وفي تصريحاته تابع "ريجينز" بقوله "أضف إلى هذا المزيج المهام الإنسانية التي يقوم بها الجيش الأمريكي استجابة للفيضانات والرياح الموسمية وغيرها من مشاكل الطقس، ويتعين على البنتاغون وحلف شمال الأطلسي أن يدركا المخاطر التي يشكلها الطقس المتطرف في مناخ متغير على العمليات العسكرية."
ومع ذلك، يشير ريجينز إلى مشكلة أخرى، وهي الحصول على تنبؤات الطقس في الوقت المناسب لأولئك الذين يحتاجون إليها، بقوله أن "التنبؤ العسكري يعمل بشكل جيد طالما أن الوحدات لديها وصول آمن لمعلومات الطقس التنبؤية العددية عبر شبكة الإنترنت، في الوقت الفعلي تقريبًا لتخطيط المهام وتنفيذها".
والمشكلة هي أن الوحدات التكتيكية الموجودة على الخطوط الأمامية، أو في المناطق النائية، غالبًا ما تفتقر إلى القدرة على الاتصال لتلقي تقارير الطقس.
وقال ريجينز "تعمل الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) والقطاع الخاص والجامعات بنشاط على تحسين نماذج الطقس العالمية"، وتابع "الحلقة المفقودة هي دمج هذه القدرة في حزمة تكتيكية تفيد المقاتلين الحربيين."
aXA6IDE4LjE5MS4yMDAuMTE0IA== جزيرة ام اند امز