التطرف الديني لا يصدر بين ليلة وضحاها، وإنما هو نتيجة إيمان المتطرف بأفكار متطرفة،
لم يسبق أن كانت قضايا التطرف العنيف باسم الدين ذات حضور كوني، وفي التداول السياسي والإعلامي والبحثي والأمني والاجتماعي، مثلما هي اليوم في العالم بأسره، وليس في العالم الإسلامي فحسب، على اعتبار أن التطرف قديم منذ تعرض الأديان للتشوه والتحريف، كما أنه لا علاقة له بدين مُحدد أو أيديولوجية مُعينة، خاصة أن الدين يُشكل طاقة روحية وأخلاقية تروم إصلاح المجتمعات الإنسانية، وتحقيق الأمن والسلام بين الناس، واحترام حقوقهم وصيانة كرامتهم، وليس خلق أجواء الفتنة والتقسيم والحروب والصراعات، كما يمارس العديد من المغالين والمتطرفين في عالمنا المعاصر.
إننا نعاين تسليط الضوء العالمي على التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب، وبالتحديد التطرف الديني، وذلك لتضافر عدة عوامل ومعطيات، تتداخل فيها عدة أبعاد، منها السياسي والاجتماعي والثقافي والتاريخي، وغيرها.
هل هناك أرضية نظرية أو مؤسساتية يمكن الانطلاق منها في سياق تأطير متفق عليه حول المواجهة المفتوحة ضد خطاب التطرف العنيف؟ وماذا عن المجالات المختلفة، التعليمية والتربوية والإصلاحية (العقابية)، للمدن والضواحي؟ وما هي الأدوار المنوطة بالمؤسسات التعليمية في تشكيل الوعي الثقافي والديني؟.
التطرف الديني لا يصدر بين ليلة وضحاها، وإنما هو نتيجة إيمان المتطرف بأفكار متطرفة، أي شاذة عن التداول الديني والسياسي والثقافي، وبالتالي فالتفاعل مع هذه التطرفات المادية ومواجهتها على أرض الواقع، يتطلب الانطلاق من الأصل، أي التفاعل مع التطرف السائد في الجهاز المفاهيمي للإنسان المتطرف؛ أو الذي تعرض لما يُشبه عملية غسيل دماغ جعلته ينتقل من الوسطية والاعتدال إلى التطرف العنيف.
وبسبب تضافر عدة اعتبارات، أهمها القانوني والسياسي والأمني، غالباً ما يصمت الإنسان المتطرف عن الإدلاء بآرائه المتطرفة، في انتظار اللحظة التي يمكن فيها تفعيل ما يُؤمن به، لذلك لوحظ أن التطرف العنيف يكون غالباً في حالة «كمون»، فلا يخرج للعلن إلا في شكل ردود فعل على أحداث جِسام، على غرار ما عايناه في أكثر من حدث إرهابي خلال القرن الماضي من حروب على أساس تفوق عرق أو دين أو طائفة، أو على غرار ما أفرزته الحربان العالميتان (الأولى والثانية) اللتان ذهب ضحيتهما أكثر من 60 مليون شخص في المجال المسيحي، أو اعتداءات تطهير عرقي أو ديني بالشرق الأقصى أو بجمهوريات يوغسلافيا السابقة أو بمنطقة وسط أفريقيا وشرقها (اسم «جيش الربّ» في أوغندا) أو بالولايات المتحدة الأميركية.. أو على أساس سياسي انفصالي كما حدث بإيرلندا والباسك وكورسيكا.. إلخ.
وبالنسبة للعالم العربي والإسلامي، فإنه يوجد في مقدمة بؤر الاهتمام العالمي خلال العقدين الأخيرين، وخاصة منذ مطلع العام 2011، عندما بزغت فجأة عدة أصوات دينية متطرفة، لم تكن مُصنفة في خانة التطرف قبل ذلك، بل انتظمت في جماعات وتنظيمات على طول المنطقة، وساهمت (ضمن عوامل أخرى) في توسع مساحة الفوضى السياسية والأمنية التي تعاني منها المنطقة.
بالنتيجة، فإننا أمام ظاهرة معقدة ومركبة، تزداد تعقيداً خلال المستقبل القريب والمتوسط، وقد تزداد تعقيداً أيضاً على الأمد البعيد إذا لم يتم التصدي لمُسبباتها الداخلية والخارجية.
وأمام هذه المعطيات، كان لزاماً على الدول والمؤسسات المنخرطة في محاربة الإرهاب ودواعيه، وضع معالم المواجهة الحاسمة ضد الخطاب العنيف، بما يتطلب المساهمة الاجتهادية أولاً، والجماعية ثانياً، في البحث عن أجوبة نظرية وعملية على الأسئلة التالية:
هل هناك أرضية نظرية أو مؤسساتية يمكن الانطلاق منها في سياق تأطير متفق عليه حول المواجهة المفتوحة ضد خطاب التطرف العنيف؟ وماذا عن المجالات المختلفة، التعليمية والتربوية والإصلاحية (العقابية)، للمدن والضواحي؟ وما هي الأدوار المنوطة بالمؤسسات التعليمية في تشكيل الوعي الثقافي والديني، بما يحول دون السقوط في إغراءات خطاب التطرف العنيف؟
في هذا السياق بادرت عدة جهات رسمية وشعبية، إقليمية ودولية لإطلاق عدة مبادرات لمكافحة التطرف العنيف، وضمّت مجموعة مجالات، منها المجال التربوي، حيث كانت «مذكرة أبوظبي حول الممارسات الجيدة للتعليم ومكافحة التطرف العنيف»، من خلال «مركز هداية»، من أحسن المبادرات العلمية التي تنسق بجدارة جهوداً أممية ومؤسساتية لإرجاع الحياة والأمل في صفوف تلاميذ مدارسنا وطلاب جامعاتنا وتحصينهم ضد ثقافة الموت والكراهية.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة