«مفرخة» للفكر المتطرف بفرنسا.. هل يسقط «معهد الإخوان»؟

فرنسا تنوي رسميا غلق أحد أوكار الإخوان على أراضيها ممن تعمل على نشر الفكر المتطرف ضمن تغلغل مفخخ يهدد المجتمع.
ويشتد الجدل في فرنسا حول دور "المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية"، أحد أكبر مراكز تكوين الأئمة والدعاة المسلمين، والذي بات مهددًا بالحل على خلفية اتهامات "خطيرة" بالترويج لأفكار متطرفة تتعارض مع القيم الجمهورية.
هذا الجدل يزداد حدة بعدما كشف تقرير استخباراتي فرنسي حديث، سُلم إلى وزارة الداخلية وعُرض أمام مجلس الدفاع برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون، عن دور محوري للمعهد في تغلغل الإخوان بالمجتمعات الفرنسية، واصفا إياه بـ"ركيزة بارزة للحركة" داخل البلاد.
ووفقًا لوزارة الداخلية الفرنسية، فإن هذا المعهد قد يتحول إلى "قناة شرعية لتخريج أئمة يحملون فكراً سلفيًا محافظًا"، رغم محاولاته نفي التهم المتكررة بحقه.
فرنسا تواجه «الاستقطاب الهادئ».. «العين الإخبارية» ترصد ألاعيب الإخوان لتجنيد الشباب
دفاع غير مقنع
في بيان دفاعي لم يقنع المراقبين، بحسب صحيفة "لا كروا" الفرنسية، فإن المعهد سارع إلى التأكيد على التزامه بـ"الشفافية والمبادئ الجمهورية"، نافياً علاقته بأي خطاب يدعو إلى الكراهية أو العنف.
كما شدد على أن خريجيه يمارسون وظائفهم في المساجد الفرنسية في إطار "احترام القانون والعلمانية".
غير أن مصادر داخل وزارة الداخلية، استنادًا إلى تقارير استخباراتية، تؤكد أن المعهد "يُنتج خطباء يمتنعون عن مناهضة الفكر الانعزالي ويكرّسون خطاً أيديولوجياً متشدداً داخل المجتمع المسلم في فرنسا.
ولم يتردد وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو في وضع المعهد تحت مجهر قوانين مكافحة الانعزالية التي أقرها الرئيس ماكرون، معتبرًا أنه "لا مكان في فرنسا لمؤسسات تساهم في تكوين أئمة خارج الإطار المدني والعقلاني الذي تريده الجمهورية".
واعتبرت صحيفة "لا كروا" الفرنسية أن اللافت هو أن إدارة المعهد، التي تدعي الانفتاح، لا تزال تدرس فقهًا مقارنًا بمنهجيات تقليدية، وتُدرج في برامجها مواضيع تتعلق بالقانون الفرنسي وحقوق المرأة، لكن دون أن تفصح بوضوح عن كيفية تقديمها هذه القضايا أو المرجعيات الفكرية التي تعتمدها.
وهذا النهج يجعل كثيرين يتساءلون: هل يشكل هذا المعهد غطاءً تربويًا لتيارات أصولية أكثر خطورة من ظاهرها؟
وأوضحت الصحيفة الفرنسية، أنه بعد ثانوية "ابن رشد" في مدينة ليل، وثانوية "الكندي" في مدينة ديسين، ها هي هيكلية أخرى مرتبطة تاريخيًا باتحاد "مسلمو فرنسا"، واجهة الإخوان، تقع في مرمى وزارة الداخلية.
«معركة معقدة»
في السياق نفسه، يؤكد مراقبون أن معركة فرنسا مع "الإسلام السياسي الناعم" باتت أكثر تعقيدًا، فبدلاً من المنابر العنيفة، يتم الآن استخدام المؤسسات التعليمية والكوادر "المعتدلة ظاهريًا" لنشر رؤية محافظة تتعارض مع مبدأ العلمنة والانفتاح، وفقاً للصحيفة الفرنسية.
ويؤكد الدكتور رومان كاييه، الخبير في الحركات السلفية والمتطرفة، وهو أيضا باحث مستقل مقيم في ليون، على "ضرورة التمييز بين السلفية التقليدية والسلفية الإخوانية التي تتقن تغليف مشروعها بلغة قانونية وتعليمية".
وأوضح كاييه، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "ما نراه اليوم هو سلفية إخوانية هجينة تتخذ شكل المعاهد التعليمية وتستغل فراغ الدولة في تكوين الأئمة"، مشيراً إلى أن المعهد يشكل "أحد أبرز هذه النماذج".
وتابع: "قد لا يدرس هذا المعهد أفكارًا تكفيرية علنية، لكن خطورته في إعادة إنتاج منظومة دينية تُفضّل الانتماء الديني على المواطنة، وتُشوّه مفاهيم مثل العلمانية وحقوق المرأة من الداخل، بطريقة مبطنة".
وحذر كاييه من تأثير هذه المؤسسات على المدى الطويل، قائلا إن "الخطاب المتشدد لم يعد يأتي فقط من الدعاة المنفيين أو الإرهابيين المتطرفين، بل من خريجي معاهد رسمية تقدم أنفسها على أنها منفتحة، بينما تُعيد إنتاج بنية سلفية محافظة بمرجعية إخوانية".
وتساءل الباحث السياسي الفرنسي: "هل تملك الدولة الوسائل القانونية والسياسية لحسم هذا الملف دون إثارة مزيد من التوتر داخل الجالية المسلمة؟ أم أن المواجهة مع المؤسسات التي تنشط في الظل وتتحايل على القانون ستتطلب إعادة نظر شاملة في منظومة تكوين الأئمة على التراب الفرنسي؟".
«ثقافة انفصالية مبطنة»
ووفق الخبير، فإن المعهد يمثل نوعاً من "الإسلام السياسي المؤسسي" الذي يتحايل على القانون الفرنسي باستخدام خطاب قانوني ظاهري، لكنه يرسّخ ثقافة انفصالية فكرية.
وأشار إلى أن "خطر الإخوان لا يكمن فقط في الجدل حول التطرف، بل في صناعة جيل من الأئمة المؤدلجين الذين قد لا يخرقون القانون، لكنهم يُضعفون أسس العيش المشترك".
وأوصى كاييه بضرورة إعادة النظر في نموذج تكوين الأئمة داخل فرنسا، عبر دعم تكوين ديني مدني جمهوري لا ينتج خطباء ذوي "هوية مزدوجة".
من جانبها، قالت بريجيت مارشال، وهي أستاذة في علم الاجتماع، ومتخصصة في سوسيولوجيا الأديان، لـ"العين الإخبارية" إن المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية هو تجل كلاسيكي لمقاربة الإخوان المسلمين الناعمة".
وأضافت لـ"العين الإخبارية" أنه "يتم تقديم خطاب محافظ على أنه معتدل، لكنه في الحقيقة يرسخ بنية ذهنية موازية للقيم الجمهورية".
ورأت مارشال أن خطر المعهد لا يكمن في الدعوة المباشرة للعنف، بل في ترسيخ نموذج فكري انعزالي يهيئ التربة للفكر المتطرف.
وموضحة: "هذا النوع من المعاهد ينتج جيلاً من الدعاة الذين يرفضون صراحة العنف، لكنهم يحافظون على سردية الضحية، ويعززون الشكوك تجاه الدولة، ويعطلون الاندماج باسم الخصوصية الدينية. هذا النهج الإخواني معروف وممنهج".
ودعت إلى ضرورة "مساءلة مرجعياتهم الفكرية: هل يدرسون يوسف القرضاوي؟ هل يعتمدون على أدبيات سيد قطب؟ لا يكفي أن يتحدثوا عن الفقه المقارن أو القانون الفرنسي، بل كيف يقدمون ذلك؟ وهل الهدف احترام الجمهورية أم التحايل عليها؟".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI2IA==
جزيرة ام اند امز