«التغلغل» الإخواني في فرنسا.. تهديد للمجتمع وهذا طريق مواجهته

في ظل تزايد الحديث عن التهديد الإخواني والإسلام السياسي" داخل فرنسا، أعاد تقرير رسمي تسليط الضوء على مصطلح مثير للجدل: "التغلغل".
هذا المفهوم، الذي نشأ في قلب اليسار الثوري الفرنسي، عاد اليوم إلى الواجهة لكن في سياق مختلف تمامًا، إذ يحاول تنظيم الإخوان استخدامه لتغيير البنية الاجتماعية من الداخل.
وبين التحذير الأمني والخطاب السياسي، وبين محاولات الاندماج ووصم الجاليات، يجد المسلمون الفرنسيون أنفسهم مرة أخرى في قلب معركة لغوية وسياسية تهدد بتعقيد علاقتهم بالدولة الفرنسية.. فهل يمثل "التغلغل" خطرًا حقيقيًا للمجتمع الفرنسي؟
مصطلح "التغلغل"، أصبح شائعًا بعد صدور تقرير لوزارة الداخلية الفرنسية بعنوان "الإخوان المسلمون والإسلام السياسي في فرنسا" في مايو/أيار الماضي، رغم أنه ورد مرة واحدة فقط في التقرير، إلا أن أثره كان لافتًا.
وبحسب نص التقرير الصادر عن وزارة الداخلية الفرنسية فإنه "تمارس جماعة الإخوان المسلمين التغلغل.. ويعتقد أنهم يستخدمون لهذا الغرض تقنية الخطاب المزدوج، بحيث يخفون نواياهم الحقيقية، بينما يظهرون التزامهم بالقواعد والمبادئ التي تحكم الحياة العامة الغربية، وذلك بهدف تغيير المجتمعات من الداخل وفرض أجندتهم".
وأعاد تقرير وزارة الداخلية الفرنسية الصادر في مايو/أيار الماضي تسليط الضوء على أحد أكثر المفاهيم إثارة للجدل في النقاش العام حول الإسلام السياسي في فرنسا وهو ما يُعرف بـ"التغلغل داخل المؤسسات".
ويشير التقرير إلى أن جماعة الإخوان تمارس هذا الأسلوب بهدف التأثير التدريجي داخل المجتمع الفرنسي، باستخدام خطاب مزدوج يوائم بين المبادئ الغربية المعلنة وأجندات دينية أكثر تحفظًا.
وفي ظل هذا السياق، تتصاعد الأسئلة حول حقيقة هذا التهديد، وانعكاساته على الجاليات المسلمة، وإمكانات فرنسا القانونية في مواجهته.
ما هو مفهوم التغلغل؟
يعد هذا المفهوم جزءًا من القاموس السياسي الفرنسي منذ بدايات القرن العشرين، حيث استُخدم أولاً لوصف تكتيكات الحركات التروتسكية التي كانت تتغلغل داخل الأحزاب الاشتراكية لتغييرها من الداخل.
واليوم، يُعاد استخدام المفهوم، ولكن في إطار الإسلام السياسي، وتحديدًا في وصف استراتيجيات جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا، بحسب مجلة "الفلسفة" الفرنسية.
ووفقا لتقرير وزارة الداخلية الفرنسية، فإن التغلغل لا يتم عبر العمل العلني بل باستخدام تكتيك الخطاب المزدوج، الذي يُظهر التوافق مع العلمانية والقوانين الغربية، بينما يُخفي في الوقت ذاته أهدافًا بعيدة تتعلق بإعادة تشكيل البُنى المجتمعية.
وقال الباحث الفرنسي لوران بوارييه، المختص في شؤون التنظيمات الإسلامية بجامعة ليون ومعهد مونتين للدراسات لـ"العين الإخبارية" إن "مفهوم التغلغل الذي يُنسب إلى جماعة الإخوان، وإن ورد بشكل مقتضب في تقرير الداخلية، يختزل نقاشًا أوسع حول علاقتهم بالديمقراطية الغربية".
وأضاف بوارييه أن الجماعة تاريخيًا تحترف بناء شبكات ناعمة في المجتمعات، سواء عبر الجمعيات الثقافية أو التعليمية أو الخيرية.
وتابع قائلا إن:" التأثير الفعلي للإخوان على الحياة السياسية أو المجتمعية في فرنسا محدود ومجتزأ"، مشيرا إلى وجود شخصيات ومؤسسات ذات مرجعيات فكرية قريبة منهم، لكنهم لا يملكون قوة انتخابية مؤثرة، ولا حاضنة جماهيرية كبيرة، معتبرا أن معظم المسلمين في فرنسا غير منخرطين في هذه الأطر.
المسلمون في فرنسا بين الاعتدال والريبة
الباحث ذاته أشار إلى أن مثل هذه المصطلحات، كـ"التغلغل" أو "الخطاب المزدوج"، رغم أنها قد تكون ضرورية في بعض السياقات الأمنية، إلا أنها تشكل عبئًا نفسيًا وسياسيًا على الجالية المسلمة التي تسعى للاندماج في المجتمع دون وصم.
وأضاف أنه "عندما تصنف الجمعيات الإسلامية ذات الطابع الثقافي أو الديني تلقائيًا كـ"واجهة إخوانية"، فإن ذلك يُربك المسلمين الملتزمين بالقانون، ويزرع الشكوك حول شرعيتهم الاجتماعية، وهذا خطر لا يمكن التقليل من شأنه".
كيف تفصل الجالية المسلمة نفسها عن هذه الاتهامات؟
ووفقا لبوارييه، يكمن الحل في "الشفافية التنظيمية، والتقيد الصارم بالقانون، والانخراط النشط في الحياة المدنية.
وقال إنه "على الجاليات والمؤسسات الإسلامية أن تُبعد نفسها عن الخطابات الرمزية المزدوجة، وتعلن مواقف واضحة تجاه القيم الجمهورية.. كما ينبغي بناء شراكات حقيقية مع السلطات المدنية والتربوية بعيدًا عن الأطر الأيديولوجية".
هل تستطيع فرنسا مواجهة جمعيات مرتبطة بالإخوان قانونيًا؟
وفقًا للقانون الفرنسي، يمكن حل الجمعيات أو تقييد أنشطتها في حال ثبوت تورطها في أنشطة تحرّض على الكراهية أو تخل بالأمن العام.
ومع ذلك، يؤكد الباحث الفرنسي أن: "المجال القانوني دقيق، إذ لا يمكن معاقبة جمعية لمجرد الاشتباه في مرجعيتها الفكرية ما لم تُقدم أدلة ملموسة على مخالفتها للقانون".
ورأى أن "المطلوب ليس مطاردة أشباح، بل مراقبة حقيقية وهادئة، وفصل صارم بين الالتزام الديني السلمي، وبين النشاط السياسي الذي يستهدف تقويض النظام الجمهوري".