قضية «ابن رشد».. كيف تنجح فرنسا في مواجهة «الاختراق الإخواني»؟

تجد السلطات الفرنسية نفسها في مفترق طرق، بعد حكم قضائي لصالح "مدرسة إخوانية"، ما يفرض تعديلات صعبة في مسار المكافحة والإطار التشريعي.
يأتي ذلك بينما تشتد ضغوط سياسية مطالِبة بتشديد القبضة على مؤسسات الإسلام السياسي، خاصة تلك المرتبطة بجماعة الإخوان، لحماية قيم الجمهورية الفرنسية.
وفي سابقة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية، أعادت المحكمة الإدارية في مدينة ليل، الأربعاء الماضي، عقد الشراكة بين الدولة الفرنسية وثانوية "ابن رشد"، بعد أن كانت السلطات قد أنهته في ديسمبر/كانون الأول 2023 بسبب ما قالت إنه "مخالفات جسيمة لقيم الجمهورية".
لكن المحكمة رأت أن قرار الإنهاء لم يكن مدعومًا بأدلة قانونية كافية، بل شابته "إجراءات غير منتظمة".
وفي رد فعل سريع، شنّ وزير الداخلية برونو ريتايو، هجومًا لاذعًا على المؤسسة، واصفًا إياها بأنها "قلعة للاختراق الإخواني"، مطالبًا الدولة باستئناف القرار القضائي، ومؤكدًا أن أموال الفرنسيين "لا يجب أن تُستخدم في تمويل هذا النوع من المؤسسات".
"اختراق دون انتهاك"
ورغم أن وزير العدل جيرالد دارمانان أبدى تأييده لفكرة وجود "ثانويات مسلمة ضمن التعاقد مع الدولة"، فإنه شدد على أن القضية تتجاوز الجوانب القانونية، وقال: "هذا ليس مجرد صراع قانوني، بل هو أيضًا صراع ثقافي".
من جانبه، قال الباحث السياسي توماس بيسيي، المختص في قضايا الإسلام السياسي بمركز دراسات السياسات الجمهورية (CRPR)، لـ"العين الإخبارية"، إن "جماعة الإخوان في فرنسا نجحت على مدى العقدين الأخيرين في تطوير استراتيجيات قانونية ناعمة تسمح لها باختراق المؤسسات التعليمية ضمن الإطار الديمقراطي الفرنسي، دون خرق مباشر للقانون".
وأضاف بيسيي أن المؤسسات التابعة للإخوان "تستند إلى خطاب مزدوج: خارجي ملتزم بالجمهورية، وداخلي يدعم المشروع الأيديولوجي"، مشيرًا إلى أن "فسخ العقود معهم غالبًا ما يفتقر إلى الأدلة الملموسة، مما يجعل الطعن القضائي أمرًا سهلاً".
ويتابع: "القضاء الإداري في فرنسا يتحرك بناءً على مبدأ المشروعية الإجرائية، وهو ما يعرفه المحسوبون على الإسلام السياسي جيدًا، لذا لا يمكن إيقاف هذه الاختراقات دون مراجعة الإطار التشريعي المنظِّم للعقود التربوية الخاصة".
خياران
من جهتها، ترى الباحثة السياسية كلير مونييه من معهد مونتين للدراسات، أن الدولة الفرنسية "أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما احترام مبدأ حرية التعليم وتعدد الهويات الثقافية، وإما فرض رقابة صارمة باسم حماية العلمانية، وهو ما يعزز خطاب الاضطهاد لدى بعض الجماعات".
وتؤكد مونييه لـ"العين الإخبارية" أن حديث وزير الداخلية حول نشر تقرير "مروّع" عن اختراق الإخوان، في الأيام المقبلة، "قد يكون أداة ضغط إعلامي لإعادة كسب المعركة السياسية، لكنه قد لا يصمد أمام معايير القضاء المستقل".
وتضيف: "دون تعديل الإطار القانوني الذي ينظم العقود بين الدولة والمدارس الدينية، ستظل المعركة رمزية أكثر منها فعالة، وسيبقى الإسلام السياسي قادرًا على المناورة داخل الهامش المتاح".
وفي هذا السياق المتشابك، يبدو أن قدرة وزير الداخلية على التصدّي لمناورات الإخوان تبقى محدودة بحدود القانون. فالخيارات المتاحة حاليًا تفرض مراجعة شاملة للإطار التشريعي، خصوصًا فيما يتعلق بالشروط القانونية لإنهاء عقود التعاون مع المدارس الخاصة ذات التوجهات الدينية، وفق مراقبين.