من مصر إلى أوروبا.. خريطة تفكك الإخوان بعد «30 يونيو»

حين تتوهم الجماعات أنها أقوى من المجتمعات، تأتي الشعوب لتصحح المعادلة وتعيد ضبط التاريخ، وهذا ما حصل مع المصريين قبل 12 عاما.
ففي الساعات التي سبقت خروج الملايين من المصريين، ضد الإخوان، يوم 30 يونيو/حزيران 2013، كانت الجماعة المدرجة على قوائم الإرهاب في عدد من الدول، تعتقد أن الأمر لا يتعدى موجة احتجاج ستنحسر سريعا، لتواصل مشروعها الذي بشّرت أنصارها بأنه سيدوم "500 عام".
لكن ما بنته في ثلاثة عقود انتهى في مرحلة مفصلية، سطّرها الشعب المصري، حين تحول حلم السيطرة إلى بداية تفكك جماعة ظنت أن لها وصاية على المستقبل. كما يؤكد خبراء في حركات الإسلام السياسي للعين الإخبارية.
فمع حجم الاحتجاجات الكبيرة ضد جماعة الإخوان والرئيس الأسبق محمد مرسي، تدخل الجيش في ذلك اليوم، وأعلن عن خطة طريق بعد مهلة للقوى السياسية للتوصل لحل للأزمة التي مرت بها البلد.
وبموجب هذه الخطة عُزل مرسي شعبيا، ودخلت الجماعة في طور جديد من الفشل المتكرر والانقسام الذي لم تكن تتوقعه.
كانت الجماعة تفسّر ثورة يناير/كانون الثاني 2011 كـ"منحة ربانية" تعيد لها حق مؤسسها حسن البنا، وتُمهد الطريق لحكم طويل يقود إلى "أستاذية العالم" وفق تصورها العقائدي.
لكن الواقع سرعان ما نسف هذه الأوهام، وجاءت "30 يونيو" كزلزال أسقط الهيكل التنظيمي، وزعزع حلم التمدد في الداخل والخارج.
خبراء: دفن المشروع الإخواني
يرى هشام النجار، المتخصص في حركات الإسلام السياسي، أن 30 يونيو كانت لحظة فاصلة كشفت ارتهان الجماعة لقوى خارجية، ووضعت حدا لواحدة من أخطر الأدوات التي استُخدمت في مشروع التفكيك الإقليمي، مشبّها ما جرى بثورة يوليو/تموز 1952 من حيث الأثر الوطني.
وقال النجار لـ"العين الإخبارية"، إن بداية "انحدار الإخوان كانت مع ثورة 30 يونيو"، مضيفا "ثبت أن جماعة الإخوان هي أخطر أداة استعملها الاستعمار القديم ممثلا في بريطانيا والاستعمار الجديد بكل مشاريعه وخططه التفكيكية التدميرية".
وأكد الخبير السياسي أن "ثورة يونيو تصدت باقتدار ووعي كبير بالتاريخ والواقع والتحديات غير المسبوقة، لهذا الخطر الكبير".
وتابع "ثورة يونيو كانت وستظل محطة فارقة في التاريخ الوطني المصري والتاريخ العربي عموما، حيث إن الإخوان الإرهابية بلغت في ذلك الوقت، مستوى غير مسبوق من الارتهان الكامل الشامل للقوى الخارجية ولمصالحها وأجنداتها سواء أكانت قوى دولية أو إقليمية، وباتت العلاقات والتمويلات واللقاءات معلنة والخطط واضحة والأهداف مكشوفة".
وأشار الخبير في شؤون حركات الإسلام السياسي إلى أن "الصفقة التي رصدها المصريون مبكرا ووضحت ملامحها للجميع أن يتم التمكين لجماعة الإخوان بحيث تتحكم في مفاصل الدولة وتدفع باتجاه إضعاف الجيش المصري عددا وعدة وميزانية، وتقدم كل التنازلات المطلوبة منها في ملفات حساسة تتصل بالأمن القومي المصري والعربي".
بدوره، اعتبر صبرة القاسمي، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أن "ثورة الـ30 من يونيو كانت بداية نهاية المشروع الإخواني في المنطقة ككل بعد عقود من الزيف والتضليل والاستغلال لحاجة الشعوب".
وأضاف القاسمي في حديث مع "العين الإخبارية"، أن ما حصل في 30 يونيو كان بمثابة دفن للمشروع الإخواني بعد قرابة 90 عاما على إطلاقه".
ونوه بأن الجماعة "كان لديها مشروع تسميه التمكين أو فتح مصر يقوم على السيطرة على كل مؤسسات الدولة المصرية وتطويعها لخدمة مصالح الجماعة ثم الانطلاق بعد ذلك للسيطرة على الإقليم ككل".
زلزال وارتدادات
لم يتوقف ارتداد زلزال "30 من يونيو"، على الداخل المصري، فحين سقطت الإخوان أُسقط معها الرأس الكبير الذي ظل يتحكم في الجماعة وتنظيمها العالمي المعروف بالتنظيم الدولي.
وبعد الإطاحة بمرسي، قررت الجماعة الدخول في صراع صفري مع السلطة الجديدة في البلاد التي حظيت بدعم شعبي غير مسبوق.
ورفضت جماعة الإخوان كل الوساطات للتهدئة أو حل الأزمة بطريقة سياسية لأنها اعتقدت أن دولا خارجية ستتدخل من أجل الضغط على القيادة المصرية للسماح بعودة الجماعة للحكم مرة أخرى.
وبفعل هذا الصدام، قٌوضت البنية القيادية للجماعة بسرعة غير مسبوقة.
وخلال أقل من شهر ونصف الشهر، أُلقي القبض على جل القيادات البارزة ممن تشغل عضوية مكتب الإرشاد، أعلى هيئة قيادية في الإخوان، وعدد كبير من أعضاء مجلس الشورى العام، الهيئة الرقابية والتشريعية للجماعة، وكذلك قُبض على الكثير من كوادرها في المحافظات المصرية المختلفة.
وبالتالي، عاشت الجماعة فراغا قياديا حقيقيا أدى لفقدانها التنسيق المركزي، وظلت تعاني من ذلك الوقت وحتى اختيار قيادة بديلة سُميت بالقيادة الاستدراكية في 2014.
"خطة أغسطس" الفوضوية
بعدها- قررت الجماعة أن تنخرط بشكل موسع في العمل المسلح وفق خطة وضعتها عُرفت بـ"خطة أغسطس"، وجرى تسليح قطاعات من الجماعة لهذه المهمة، وتصورت الإخوان أنها ستُسقط الحكم الجديد في شهور معدودة.
وحين فشلت "خطة أغسطس"، انكشفت الجماعة أمام قيادتها قبل أعضائها العاديين، إذ قرر محمود عزت القائم بأعمال المرشد وقتها، أن يحل اللجنة الإدارية العليا ويحيل قائدها محمد كمال للتحقيق في مايو/أيار 2015.
انقسام وتشظٍّ
وبعد تلك اللحظة، دخلت الجماعة أول انقسام هيكلي لها منذ الستينيات، فخرجت مجموعة محمد كمال مع نحو 17: 20 % من كوادر الإخوان، وأسسوا ما عُرف بالمكتب العام الذي سمى نفسه لاحقا تيار التغيير، والذي تمثله حاليا ما يُعرف بالأمانة العامة لجماعة الإخوان والتي تنشط من خارج مصر.
ومنذ ذلك الانقسام، تكررت الانشقاقات، فتعددت القيادات والمقار والمرشدون، وتشظّت الجماعة إلى جبهات في إسطنبول ولندن و"الأمانة العامة".
بينما بات الصف التنظيمي شبه معطل في الداخل المصري، مع زيادة أعداد المنشقين والمنسحبين.
فما أن أُلقي القبض على محمود عزت في 2020، حتى انقسمت الجماعة هيكليا مرة ثانية إلى جبهتين متصارعتين هما جبهتي إسطنبول المنسوبة لمحمود حسين القائم بأعمال المرشد في الجبهة، وجبهة لندن التي نسبت للقائم بأعمال المرشد (السابق) إبراهيم منير ثم لخلفه صلاح عبدالحق.
وبذلك، صار للجماعة مرشد فعلي في السجن هو محمد بديع و2 من القائمين بالأعمال هما صلاح عبد الحق ومحمود حسين، فضلا عن جبهة ثالثة تسمي نفسها الأمانة العامة تدعي أن لديها مكتبا تنفيذيا يقوم بإدارة شؤون الجماعة كبديل للمرشد ومكتب الإرشاد.
وهذا الانقسام هو الأول من نوعه في تاريخ جماعة الإخوان إذ لم يحدث انقسام شبيه حتى في خضم الصراعات التي حدثت داخل السجون في الستينيات، وفق مراقبين.
وفضلا عن الصراع والانقسام التنظيمي، زادت نسبة الخارجين من الجماعة سواء المنشقين بشكل رسمي أو حتى بشكل صامت، ولم يعد الإطار التنظيمي للإخوان الذي يضم الأسر التربوية والقطاعات التنظيمية.
ووسط الخلافات التنظيمية، انكشفت حقيقة انفضاض أتباع الإخوان عنها، فجبهة محمود حسين (إسطنبول)، ادعت أن العمل التنظيمي مستمر بنسبة 100%، وهو ما كذبته الجبهة الأخرى المعروفة بجبهة لندن (صلاح عبدالحق)، وقالت إن الصف الإخواني لم يعد يُمارس أي أنشطة تنظيمية خلال السنوات الأخيرة وخصوصًا في الداخل المصري.
من مصر إلى الوطن العربي وأوروبا
الزلزال المصري كانت له ارتدادات في الإقليم والعالم. ففي الأردن، تعرضت الجماعة لانشقاقات وتضييق قانوني وصل حد الحظر.
الأردن
فخلال نحو عامين من الإطاحة بالإخوان في مصر، بدأت السلطات الأردنية حملة تدقيق في أنشطة جماعة الإخوان في المملكة، وتزامنت مع حدوث انشقاقات كبيرة في الجماعة منها انشقاق المراقب العام لها سابق عبد المجيد الذنيبات وإعلانه تأسيس جمعية مستقلة باسم الإخوان المسلمين في الأردن بعيدة كل البعد عن الجماعة المدرجة على قوائم الإرهاب في عدد من الدول.
ثم تعزز حظر الإخوان في الأردن خلال العام الجاري على خلفية انكشاف القضية المعروفة بقضية تخزين وتصنيع الصواريخ والمسيرات التي ضبطتها دائرة المخابرات العامة الأردنية وأعلنت عنها في أبريل/نيسان الماضي.
فلسطين
وفي فلسطين، أعلنت حركة حماس عام 2017 فك الارتباط بالتنظيم الدولي.
وجاءت هذه الخطوة بعد خلافات داخلية كبيرة بين تيارين في الحركة أحدهما يرى الانحياز الكامل للإخوان، والآخر يرى أن الحركة خسرت بهذا الانحياز وعليها التخلص من عبء الارتباط بالجماعة، وهو ما تم بالفعل إذ خرجت الحركة من إطار التنظيم الدولي للإخوان وإن ظلت هناك بعض الروابط بينها وبين الجماعة.
تونس
أما في تونس، فتلقت الجماعة ضربة قوية عام 2021 بحل البرلمان وإقالة الحكومة التي تسيطر عليها حركة النهضة الإخوانية.
ودخلت الجماعة بتونس في سلسلة من الصدمات مع الرئيس قيس سعيد، أفضت إلى القبض على كبار قادتها بما في ذلك رئيس الحركة راشد الغنوشي ونوابه.
المغرب
وفي المغرب، في نفس العام، خسرت الجماعة الانتخابات البرلمانية بعد 10 سنوات من البقاء في السلطة وخسرت معها كل الدعم الشعبي الذي حازته من قبل.
وبفعل هذه الخسارة نشبت الخلافات الداخلية فيها بين تيار يميل لعبد الإله بنكيران الأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية المغربي وتيار آخر محسوب على سعد الدين العثماني رئيس الوزراء السابق ورفاقه ممن يميلون للتخلي عن الأطر التقليدية لجماعة الإخوان.
السودان
وفي السودان، أطاح الشعب السوداني، عام 2019، بحكم الرئيس عمر البشير بعد عقود من الاستمرار في السلطة.
وجاءت الإطاحة لتغير المشهد السياسي ككل وتُبعد جماعة الإخوان المعروفة داخليا بـ"الكيزان" عن موقع المسؤولية والسيطرة على مقدرات البلاد.
بيد أن الجماعة لم تستسلم وما زالت تحاول العودة من شقوق الحرب الأهلية بالسودان عبر تشكيل مليشيات مسلحة للمشاركة في الحرب منها اللواء المعروف بلواء البراء بن مالك، والذي يقاتل إلى جانب الجيش.
أوروبا
وفي أوروبا، بدأت حملات تحقيق وتضييق، خاصة في النمسا وفرنسا، حيث باتت الجماعة تُعتبر تهديدا أمنيا محتملا.