«البراء» الإخواني بالسودان.. حرب استعادة السلطة من بوابة الفوضى

مع دخول الحرب في السودان عامها الثالث منتصف الشهر الجاري، يبحث تنظيم الإخوان عن عودة للمشهد السياسي من باب الفوضى.
وأطاحت الثورة السودانية في 2019 بتنظيم الإخوان الذي سيطر على الحكم لعقود، وسارع المكون المدني في الثورة إلى ضمان غلق مسارات الجماعة الباحثة عن عودة.
وبتفجر الحرب في 15 أبريل/نيسان 2023، قفز الإخوان إلى أتون الفوضى لضمان استمرارها، بعد أن أصبحت الفرصة الأخيرة للجماعة البقاء داخل الفضاء العام في البلد الأفريقي.
وشكل "لواء البراء بن مالك" المحسوب على جماعة الإخوان في السودان، رأس الحربة الإخوانية في ضمان التأثير على صناعة القرار في البلاد.
وانخرطت المليشيات الإخوانية في الحرب إلى جانب الجيش مستفيدة من دعم خارجي مالي واستخباراتي.
لواء البراء.. ما هو؟
ولم يبرز لواء البراء بن مالك على الساحة السودانية بمسماه الحالي إلا بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير وركز في بداياته على حماية الإفطارات الرمضانية التي تنظمها جماعة الإخوان وما يُعرف بالحركة الإسلامية في السودان، لكن نشأته الفعلية تسبق هذا التاريخ، وفق المعلومات التي حصلت عليها "العين الإخبارية"، إذ إنه تشكل بالأساس كإحدى كتائب الظل التي أنشأتها قيادة جهاز المخابرات الوطنية السودانية، وتلقى مسلحوه تدريبات على أيدي قادة جهاز المخابرات والجيش السوداني.
ووفقًا لمعلومات "العين الإخبارية" فإن لواء البراء بن مالك تلقى دعماً عملياً واستخباراتياً من فروع جماعة الإخوان – المدرجة على قوائم الإرهاب في دول عدة – خارج السودان، وشمل هذا الدعم تدريبات عسكرية وأمنية واستخباراتية على مدار السنوات السابقة شارك فيها مدربون عسكريون من الإخوان في سوريا، والجماعة الإسلامية اللبنانية (فرع الإخوان)، وغيرهم.
كما تلقى مقاتلو لواء البراء بن مالك دعماً من دول إقليمية منخرطة في الصراع داخل السودان شمل إمدادهم بمسيرات قتالية وتزويدهم بمعلومات استخباراتية وإحداثيات لقوات الدعم السريع وهو ما ساهم في إبقاء نار الحرب مستمرة.
وبالإضافة للتدريبات والمساعدة العسكرية والاستخباراتية، حاز لواء البراء بن مالك العديد من مخازن السلاح السرية التي جهزها النظام السابق ولم تكن معلومة لدى قيادة الجيش السوداني.
آلاف المسلحين وتحركات مشبوهة
وقدر المتحدث باسم لواء البراء بن مالك في حوار صحفي أجراه الشهر الماضي عدد مسلحيه بما يزيد على 20 ألف شخص، فيما تشير معلومات غير موثقة إلى أن العدد الفعلي لمنتسبي اللواء في عموم السودان بنحو 50 ألفا، وهذا العدد يشمل المسلحين والعاملين في إسناد اللواء وغيرهم.
ولجأت جماعة الإخوان إلى توظيف لواء البراء بن مالك في اختراق الجيش السوداني لضمان السيطرة عليه في المستقبل بحيث تعود الجماعة لمقاليد السلطة في السودان بعد أن أطاحت الثورة السودانية في 2019 بنظام الكيزان، المحسوب على الإخوان، ورئيسه عمر حسن البشير، فبجانب وجود كتائب مقاتلة مندرجة تحت قيادة اللواء الذي يقوده المصباح أبو زيد، تغلغل مسلحو اللواء في أسلحة المدرعات والمشاة وجهاز الاستخبارات السوداني.
ويعد الجنرال ياسر عبد الرحمن العطا مساعد القائد العام للجيش السوداني أحد أبرز داعمي لواء البراء بن مالك الموجودين في قلب دائرة صناعة القرار في الجيش السوداني.
والعطا كان رئيسًا للجنة إزالة التمكين التي كُلفت بمهمة تفكيك نظام الكيزان (البشير) في السودان، لكنه استقال بعد أن وُجهت له انتقادات بشأن ضعف أداء اللجنة.
وبحسب مصادر "العين الإخبارية"، ساعد وجود العطا في قيادة الجيش لواء البراء بن مالك في الحصول على دعم ونفوذ كبير داخله، واستغل اللواء نفوذه داخل قيادة الجيش السوداني لمنح قادته ومسلحيه رتباً عسكرية بغير الطريق المعتاد، وممن حصلوا على هذه الرتب قائد اللواء المصباح أبو زيد الذي حصل على رتبة "رائد" منذ فترة، وهو ما يخالف التقاليد المعمول بها في المؤسسات العسكرية الاحترافية.
السلطة هي الهدف
ولا يقتصر عمل لواء البراء بن مالك على الجهد العسكري في الجبهات بل أسس اللواء مجموعات استخباراتية تعمل على جمع معلومات عن كل خصوم الإخوان في السودان بدءًا من قوات الدعم السريع وصولًا إلى القوى المدنية وغيرهم من التيارات المناهضة للجماعة.
وتعمل وحدات ومفارز الاستخبارات والعمليات التابعة للواء البراء بالتنسيق مع قيادة اللواء التي تنسق بدورها مع قيادة جماعة الإخوان، وسبق لقيادة اللواء أن توسطت لدى قيادة الجيش والاستخبارات السوداني للإفراج عن كوادر من الإخوان يحملون جنسيات غير سودانية أُلقي القبض عليهم في مناطق العمليات في الخرطوم وخارجها، لكن لم يتم الإعلان عن تلك الوساطات، بحسب معلومات "العين الإخبارية".
وبجانب انتشاره في أسلحة الجيش الرئيسية يقوم لواء البراء بن مالك بالتنسيق مع الحركات المسلحة الأخرى لضمان ولائها، ومن بينها القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح في دارفور التي تشكلت بعد نشوب الحرب الجارية في السودان من الحركات المسلحة في دارفور، وانحازت للجيش السوداني ضد الدعم السريع في وقت سابق.
وتستغل قيادة لواء البراء بن مالك الدعم المالي الذي تحصل عليه من جماعة الإخوان، وأطراف أخرى في تمويل الحركات المسلحة الأخرى وكسب النفوذ لدى قيادتها ومقاتليها لا سيما مع ضعف الموارد المالية لتلك الحركات وكذلك لدى الجيش السوداني الذي لم يتمكن من توفير الدعم الكافي للحركات المسلحة.
ولا تهدف جماعة الإخوان للسيطرة على المؤسسة العسكرية والأمنية في السودان فحسب، بل لاستعادة السيطرة على القطاعات المدنية التنفيذية أيضًا، ولذا أعلن لواء البراء بن مالك في وقت سابق عن فتح باب الانضمام والتسجيل لكتائب الإسناد المدني التي تعمل على مهمة إسناد الجهاز التنفيذي والإداري في المجالات المهنية، والخدمية، والإنسانية، بالإضافة للعمل في الإسناد العسكري للواء.
حرب مؤجلة
ومؤخرًا، أطلقت وسائل إعلام تابعة لجماعة الإخوان في السودان وخارجه حملة إعلامية للترويج للواء البراء بن مالك، نُشرت خلالها العديد من المواد الدعائية التي تصور لواء البراء بن مالك بالقوة الضاربة التي تقاتل ضد قوات الدعم السريع والتي لولاها لما تمكن الجيش السوداني من استعادة السيطرة على الخرطوم.
غير أن الزخم الذي حققه لواء البراء بن مالك خلال العامين الماضيين يُقلق قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الذي يخشى من النفوذ المتزايد للمجموعة المحسوبة على جماعة الإخوان، فضلاً عن خشيته من العزلة الإقليمية والدولية.
ويفضل قائد الجيش السوداني على ما يبدو تأجيل المواجهة مع الإخوان في الصراع على السلطة إلى مرحلة لاحقة والتركيز حاليًا على كسب جولة الصراع مع الدعم السريع.