في مثل هذه الأيام التي يحتفل فيها المسيحيون بأعياد الميلاد، كنت في زيارة مع عائلتي إلى لوس أنجلوس. وبينما كنت جالساً مع أولادي نستمتع بشرب القهوة في أحد المراكز التجارية وقف بجانبنا رجل في العقد الرابع من حياته. وقال لي: هل تؤمن بالمسيح؟
قلت له بصورة سريعة ولطيفة: بكل تأكيد، يبدو أنه شاهد زوجتي وبناتي قبل ذهابهن للتسوق، وهن يرتدين الحجاب. فقال مستغرباً ما الدليل على إيمانك بالمسيح؟ قلت له إنْ كان عندك وقت تفضل اجلس معنا، ثم قلت له هذا هو ابني اسأله عن اسمه. استغرب عندما قال له ولدي إن اسمه عيسى! فقال لي ولِمَ أسميته عيسى؟ قلت له لأن اسم أمه مريم، زاد الرجل من استغرابه، فقلت له: وأخي اسمه يوسف وخالي اسمه إبراهيم، كما أنني ذهبت إلى الفاتيكان وحضرت قداس البابا، ابتسم صاحبي الأمريكي وقال لي: يبدو أنك كاثوليكي أكثر مني. فكيف تزاوج بين كونك مسلماً وبين إيمانك بعيسى؟ قلت له أنا كمسلم لا يكمل إيماني دون الإيمان بعيسى عليه السلام، وكل الأنبياء الذين بعثوا من قبله، فقال صاحبي ألا يتعارض ذلك مع إيمانك بمحمد؟ كان جوابي صادماً للرجل قلت له: إن محمد عليه الصلاة والسلام هو الذي طلب منا ذلك أي الإيمان بالرسل من قبله، ومن لطائف القرآن وجود سورة كاملة عن الصديقة مريم عليها السلام أدعوك لقراءتها، ولا توجد سورة عن آمنة أم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، لذلك يفهم كل مسلم سيرة عيسى عليه وعلى أمه السلام.
هنا ارتاح الرجل من كلامي، وقال لي كيف تفسر وجود هذا العدد من الأنبياء؟ قلت له انظر إلى هاتفك المحمول كم مرة بعد أن اشتريته أجريت له عملية تحديث، فقال أكثر من مرة فقلت له لِمَ؟ قال لأن الشركة المُصنّعة له تطلب مني ذلك لتجنب الفيروسات ولتطوير الإمكانات. فقلت له مع فارق التشبيه الخالق سبحانه وتعالى كلما رأى من البشر بعض الانحرافات أرسل لهم تحديثاً عن طريق أحد الرسل، لذلك قال عيسى لقومه ملخصاً رسالته، «مصدقاً لما بين يديّ من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حُرّم عليكم». هل تعلم أن أجدادنا في القدم انحرفوا عما بعث به عيسى عليه السلام حتى إنهم عَبدوا الحجر والتمر وقدّسوا الشجر والقمر، لذلك بعث الله لهم محمداً عليه السلام مكملاً ما بدأه عيسى عليه السلام مجدداً لهم إيمانهم بالخالق سبحانه، ويدلهم على درب الجنة، الذي بعث من أجله موسى وعيسى والأنبياء من قبلهم عليهم الصلاة والسلام.
شكرني الرجل على تفهمي وتسامحي، وقال لي إن صورة الإسلام لدينا مُشوهة، فنحن عملياً لا نعرف عن دينكم أكثر من الإرهاب المرتبط به، وقال: لم أعرف قط الإسلام كدين تسامح وتعايش وقبول للآخر، أنتم كمسلمين مقصرون جداً في تقديم الإسلام للعالم بالصورة الحضارية التي شرحتها لي، فهل نحن كذلك؟
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة