يحاول الجيش التركي منذ أكثر من أسبوع بمشاركة مجموعات مسلّحة موالية له، السيطرة على بلدة عين عيسى الواقعة شمال غربي محافظة الرقة السورية، والخاضعة حالياً لسيطرة قوات "سوريا الديمقراطية" المعروفة اختصاراً بـ"قسد".
لكن حتى الآن لم يتمكن من إحراز أي تقدّم سوى أن الجماعات التي تطلق على نفسها اسم "الجيش الوطني السوري"، تمكنت من الدخول إلى قريتين في ضواحي البلدة.
إن بلدة عين عيسى، تحتل موقعاً استراتيجياً مهماً للغاية، لكونها تشكّل عقدة مواصلات تربط بين محافظة الحسكة شرقاً وحلب غرباً، وكذلك تبعد أقل من 50 كيلومتراً عن محافظة الرقة التي تتبع لها إدارياً. إضافة لمرور الطريق الدولي M4 منها. ناهيك عن أنها كانت حتى نهاية عام 2019 الماضي، بمثابة مركز لـ "الإدارة الذاتية" التي أٌقيمت بحكم الأمر الواقع في تلك المنطقة في ظل الأزمة السورية، والتي تضم أجزاءً من محافظات حلب والرقة والحسكة ودير الزور.
وكذلك تشكل بلدة عين عيسى أهمية كبيرة لقوات "سوريا الديمقراطية" على اعتبار أنها تربط بين باقي المناطق الخاضعة لسيطرتها، ما يعني أن فقدان السيطرة عليها سوف يؤدي حتماً إلى قطع صلة الوصل الجغرافية بين تلك المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد". ولذلك تدافع هذه القوات عن عين عيسى حتى الساعة، حيث تتصدى لهجوم الجيش التركي والجماعات الموالية له منذ أيام، وتحرص على منعهم من احتلالها، لا سيما أن كلا الطرفين الأخيرين يهدف إلى تحويل مناطق سيطرة "قسد" إلى جزرٍ معزولة غير متواصلة جغرافياً.
ووفق منطق الربح والخسارة، فإن فقدان قوات "سوريا الديمقراطية" لهذه البلدة الاستراتيجية لصالح الجيش التركي والجماعات المسلحة المدعومة تركيا، يشكل كارثة بكافة المقاييس، خاصة أن القوات التركية ارتكبت العديد من الفظائع بحق أهالي المدن السورية التي وقعت تحت سيطرتهم في وقتٍ سابق، مثل عفرين ورأس العين وتل أبيض والباب وجرابلس وغيرها. إضافة إلى أن القوات التركية والجماعات المسلحة المدعومة منها لن تسمح بمرور مقاتلي "سوريا الديمقراطية" من بلدة عين عيسى للوصول إلى مناطق أخرى. وقد اشترطت أنقرة بموجب اتفاقيتين منفصلتين العام الماضي، مع واشنطن وموسكو، إبعاد قوات "سوريا الديمقراطية" عن حدودها 32 كيلومتراً، وهي تحاول اليوم السيطرة على البلدة الاستراتيجية، علماً أنها تبعد عن الحدود التركية نحو 40 كيلومتراً.
وبالتالي، لكي تتجنب قوات "سوريا الديمقراطية" خسارة هذه البلدة بعد التحرك العسكري التركي، عليها الوصول إلى اتفاقٍ مع القوات الروسية التي أقامت عدّة نقاط عسكرية في عين عيسى من جهة، ومع الحكومة السورية من جهة ثانية، على اعتبار أن أنقرة لا ترفض وجود الجيش السوري على حدودها. وسيكون أفضل من احتلالها من قبل الجيش التركي ومليشياته.
ولذلك ينبغي على الأطراف الفاعلة، موسكو ودمشق وثالثهما "قسد"، التوصل إلى اتفاق يمنع اجتياح الجيش التركي لبلدة عين عيسى مهما كان ثمن وشكل هذا الاتفاق الضروري في الوقت الراهن، لا سيما وأن تمكّن أنقرة من السيطرة على هذه البلدة سيشكل خطراً كبيراً على تواجد الأطراف الثلاثة في شمال شرقي سوريا، كما أنه سيؤدي الى تكرار مأساة النزوح وتشريد أهلها والسطو على ممتلكاتهم وارتكاب أبشع الجرائم بحقهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة