فاروق الباز.. رحلة عالم من دلتا مصر إلى كويكب بالسماء
وكالة "ناسا" الأمريكية أطلقت اسم عالم الفضاء المصري الدكتور فاروق الباز على كويكب مكتشف حديثا، تقديرا لإسهاماته العلمية البارزة
من محافظة الشرقية بدلتا مصر إلى الولايات المتحدة، لم تكن رحلة العالم المصري الكبير فاروق الباز نحو العالمية سهلة، لكن بقدر الصعاب كان الأمل والتحدي الذي جعله اليوم واحدا من أبرز علماء العالم، تكرمه وكالة ناسا بإطلاق اسمه على كويكب صغير اكتشف مؤخرا.
- فاروق الباز لـ "العين الإخبارية": متفائل بمشروع الفضاء الإماراتي
- شعارا "طموح زايد" ومركز محمد بن راشد للفضاء يزينان متحف "بايكونور"
ولد العالم المصري فاروق الباز في الثاني من يناير/كانون الثاني عام 1938، شجَّعه الوالدان على التدرج في مراحل التعليم المختلفة، حيث كانا يؤمنان دائما بقدراته ونبوغه.
وكان والده أول من حصل على التعليم الأزهري في قريته، وكانت أمه رغم بساطتها عونا له في اتخاذ قراراته المصيرية، حيث كانت تمتلك ذكاء فطريا، حسب وصف العالم المصري.
وأطلقت الإدارة الوطنية الأمريكية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) اسم فاروق الباز، الذي يشغل منصب مدير مركز تطبيقات الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، على كويكب مكتشف حديثاً، تقديرا لإسهاماته العلمية البارزة.
وقال "الباز" لـ"العين الإخبارية": "هذا شرف عظيم، حيث أمثل بهذا التكريم كل علماء مصر، خاصة أن هناك علماء عظاما تم تكريمهم بهذه الطريقة منذ جاليليو وهابل وآخرين".
وأضاف "الباز": "أهم ما في هذا الخبر هو تشجيع الجيل الصاعد للاجتهاد من أجل العمل للوصول إلى أرقى الدرجات".
حياته العملية
بدأ عالم الفضاء المصري حياته المهنية عام 1967، بمعامل "بلّ" بواشنطن كمشرف على التخطيط للدراسات القمرية واستكشاف سطح القمر، ثم قام بتأسيس وإدارة مركز دراسات الأرض والكواكب في المتحف الوطني للجو والفضاء بمعهد "سميثونيان" بواشنطن، إضافة إلى عمله مستشارا علميا للرئيس الراحل أنور السادات خلال الفترة "1978-1981".
وحصل "الباز" على شهادة البكالوريوس تخصص (كيمياء-جيولوجيا) في عام 1958 من جامعة عين شمس بمصر.
وبعدها نال شهادة الماجستير في الجيولوجيا عام 1961 من معهد علم المعادن بولاية ميسوري الأمريكية، ثم حصل على عضوية جمعية سيجما كاي (Sigma Xi) العلمية، فيما نال شهادة الدكتوراه عام 1964م وتخصص في الجيولوجيا الاقتصادية.
مناصب عدة
والدكتور فاروق الباز تقلد العديد من المناصب، منها مدير مركز تطبيقات الاستشعار عن بعد في جامعة ولاية بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية.
وقبلها كان يشغل "الباز" نائبا لرئيس قسم العلم والتكنولوجيا في مؤسسة آيتك لأجهزة التصوير بمدينة لكسنجتون، بولاية ماساتشوستس.
وقام الدكتور الباز بتأسيس وإدارة مركز دراسات الأرض والكواكب في المتحف الوطني للجو والفضاء بمعهد سميثونيان بواشنطن عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية.
ومنذ عام 1967 إلى عام 1972 عمل الدكتور فاروق الباز بمعامل بلّ بواشنطن، كمشرف على التخطيط للدراسات القمرية واستكشاف سطح القمر.
وفي خلال هذه السنوات، اشترك العالم المصري في تقييم برنامج الوكالة الوطنية للطيران والفضاء "ناسا" للرحلات المدارية للقمر، بالإضافة إلى عضويته في المجموعات العلمية التدعمية لإعداد مهمات رحلات أبوللو على سطح القمر.
فاروق الباز شغل أيضا منصب سكرتير لجنة اختيار مواقع هبوط سفن برنامج أبوللو على سطح القمر.
كما كان رئيساً لفريق تدريبات رواد الفضاء في العلوم عامة وتصوير القمر خاصة.
كما تولى منصب رئيس أبحاث التجارب الخاصة بالمراقبات الأرضية من الفضاء والتصوير، وذلك في مشروع الرحلة الفضائية المشتركة أبوللو-سويوز في عام 1975.
وخلال الأعوام بين 1967 و1970 عمل على اختيار 16 منطقة مميزة على القمر لهبوط رواد الفضاء عليها، بغرض الحصول على أكبر مكسب علمي عن التكوين الجيولوجي للقمر ومعرفة تاريخ تكوين القمر وعلاقة تكوين قمر بتكوين الأرض.
وفي تلك الفترة عمل "الباز" مباشرة مع رواد فضاء كثيرين، وأعدهم الإعداد العلمي السليم للقيام بمهمتهم على القمر وكانوا يسمونه "الملك The King".
سورة الفاتحة على القمر!
تميزت رحلة أبولو 15 بتطوير وتحسينات متعددة لمركبة الفضاء والعربة القمرية، حتى أن الرواد وكل العاملين في ناسا قلقين على نجاح الرحلة.
فأشار الباز إليهم بأن يأخذوا معهم سورة الفاتحة لتحميهم ويكون الله معهم، وكانوا متعلقين بالحصول على أي شيء يستبشرون به ويطمئنهم على أداء رحلتهم والعودة بسلام إلى الأرض.
وقام فاروق الباز بطبع سورة الفاتحة على ورقة في بيته، وقام هو وبناته بتسجيل أسمائهم على الورقة أيضا، ليس هذا فحسب، بل قام مع بناته بالصلاة يوم انطلاق الرحلة والدعاء بأن تتم رحلة الرواد على خير، ثم قام بحفظ سورة الفاتحة في حافظة من البلاستيك وسلمها لألفريد وردن وكان الرواد شاكرين له.
حصيلة كبيرة من الجوائز
حصل الباز على ما يقرب من 31 جائزة، منها: إنجاز أبولو، الميدالية المميزة للعلوم، تدريب فريق العمل من ناسا، فريق علم القمريات، فريق العمل في مشروع أبولو الأمريكي السوفيتي، ميريت من الدرجة الأولى من الرئيس أنور السادات، والباب الذهبي من المعهد الدولي في بوسطن.
ولم يكتف "الباز" بحصد العديد من الجوائز، بل تم تكريمه حيث سميت مدرسته الابتدائية باسمه، وقد أنشأت الجمعية الجيولوجية في أمريكا جائزة سنوية باسمه أطلق عليها "جائزة فاروق الباز لأبحاث الصحراء".
رحلته مع الكتابة
كتب "الباز" 12 كتابا، منها أبولو فوق القمر، الصحراء والأراضي الجافة، حرب الخليج والبيئة، أطلس لصور الأقمار الصناعية للكويت، ممر التعمير في الصحراء الغربية بمصر. شارك في المجلس الاستشاري لعدة مجلات علمية عالمية وكتب مقالات عديدة، وتمت لقاءات كثيرة عن قصة حياته وصلت إلى الأربعين، منها "النجوم المصرية في السماء"، "من الأهرام إلى القمر"، "الفتى الفلاح فوق القمر" وغيرها.
مصر في الذاكرة
ويبقى مسقط رأس الدكتور الباز، وهي مصر، في ذاكرته دائما، حيث قدم خدماته للبلاد حين عُين كمستشار للعلوم للرئيس المصري الراحل أنور السادات من عام 1978 وحتى عام 1981، وبسبب النمو السكاني وما يصاحبه من متطلبات الغذاء والألياف.
وآمن الرئيس السادات بأن على المصريين ألا يبقوا متمركزين في وادي النيل وأن عليهم استصلاح المزيد من أراضي الصحراء، وقد كلف "الباز" بمهمة اختيار المساحات الصحراوية التي سيتم تطويرها دون الإضرار ببيئاتها.
وسافر إلى زوايا بعيدة من مصر، واصفاً الموارد الطبيعية لكل منطقة، وكيف يمكن استخدامها بشكل مناسب، واستمرت المشاريع العديدة التي بدأت خلال هذه الأعوام الأربع بمساعدة شعب مصر حتى اليوم.
واقترح الدكتور الباز تطبيقا بارزا لتحليل صور الأقمار الصناعية لموقع موارد المياه الجوفية في جنوب غرب مصر، وهو جزء من المنطقة الأكثر جفافا على الأرض، وقد تم من خلاله اختيار مواقع لآبار الاستكشاف في سهل مغطى بالرمل، كان يعتقد أنه بحيرة سابقة في العصور الجيولوجية الماضية.
وأثبت "الباز" وجود المياه الحلوة بكميات هائلة لتوريد أكثر من 1000 بئر بعمق أكثر من 100 متر، التي يمكن استخدامها لريّ القمح والحمص وغيرها من المحاصيل في منطقة شرق العوينات.
aXA6IDMuMTQ1LjExMi4yMyA= جزيرة ام اند امز