إخوان تونس وفتحي البلدي.. هل يعجّل التجاهل بانفجار "الصندوق الأسود"؟
ضجة يثيرها إخوان تونس حول توقيف نور الدين البحيري فيما يتجاهلون فتحي البلدي في حركة مقصودة تخشى فتح ملفات شائكة.
البلدي الذي ارتبط اسمه بالتحقيقات التي تجريها وزارة الداخلية بشأن الجهاز السري، سواء أثناء ممارسته عمله مستشارا لوزير الداخلية علي العريض في حكومة الترويكا أو بعد استبعاده من المنصب، يواجه تجاهلا فجّر استفهامات بالأوساط السياسية التونسية ممن تتساءل حول المغزى من تكتيك إعلامي غيّب الرجل عن بيانات الحركة الإخوانية وتصريحات قياداتها.
سياسة الكيل بمكيالين لم تغب عن إخوان تونس منذ ظهورهم الأول، وصمت مقصود يستهدف منع الاهتمام بشخصية الرجل ومهامه والأدوار التي قام بها، ما قد يعيد الجدل مجددا إلى الواجهة بشأن الجهاز السري واتهام الحركة باختراق المؤسسة الأمنية، وهو اتهام ظل يُطرح بشدة خلال السنوات الماضية رغم النفي المستمر الذي يصدر عن الحركة والمتحدثين باسمها.
تكتم وتنكر
"قيود جبرية" تثقل كاهل إخوان تونس بدخولهم دائرة الضوء سواء قضائيا أو سياسيا أو حتى شعبيا، في ظل أوراق بدأت بالتساقط معلنة بدء موسم الحساب وتحقيق العدالة لشعب قهرته سياسات التنظيم لأكثر من عقد.
ومع وضع كل من القياديين الإخوانيين نور الدين البحيري (نائب رئيس حركة النهضة) وفتحي البلدي، رهن الإقامة الجبرية، يبدو أن العد التنازلي لتنظيم محكوم بثنائية الدم والقتل بدأ لتوه.
ملفات حارقة تلاحق البلدي في وزارة الداخلية تتعلق بارتباطه بالإرهاب وإنشاء خلايا أمنية موازية تنفذ أجندات حركة النهضة وتحركاتها المريبة طيلة العقد الماضي.
وفتحي البلدي هو ابن أخ الفاضل البلدي أحد مؤسسي التنظيم الإخواني في تونس، والذي تم سجنه مطلع الثمانينيات زمن حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لارتباطه بالإرهاب واشتراكه في تشكيل تنظيمات سرية تعمل ضد مصلحة الدولة.
سنوات سجن لم تشفع لأن تنظر الحركة للبلدي بعين متكافئة كتلك التي تعامل بها البحيري، حيث تتجنب بشكل كامل الحديث عنه رغم أنه جرى توقيفه مع الآخر، ورغم أنه كان ذراعهم اليمنى في وزارة الداخلية، وهو المسؤول عن الجهاز السري داخلها.
وقد كان رئيس ما يسمى "الغرفة السوداء" التي تحدثت عنها هيئة الدفاع عن الراحلين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، اللذين تعرضا للاغتيال قبل سنوات.
ويرى مراقبون أن هذا التكتم يهدف لمنع الاهتمام بشخصية الرجل ومهامه القذرة ولمنع عودة الجدل من جديد حول التهم الموجهة للإخوان باختراق المؤسسة الأمنية.
رجل الظل
يرى بلال الحسيني، النقابي الأمني التونسي المتقاعد، أن فتحي البلدي هو رجل الظل الذي زرعته حركة النهضة سنة 2012 في وزارة الداخلية وكان يعمل على عملية انتداب الأمنيين تحت شرط الولاء للتنظيم الإخواني.
وقال الحسيني، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، إن البلدي عمل تحت إشراف الرجل الثاني في حركة النهضة وهو علي العريض عندما كان الأخير وزيرا للداخلية، وهو الذي أشرف على عملية تهريب الإرهابي سيف الله بن حسين المكنى "أبو عياض" (المسؤول العسكري عن تنظيم أنصار الشريعة منفذ عملية اغتيال شكري بلعيد والبراهمي) .
ويؤكد الحسيني أن سقوط البلدي يمثل بمثابة قطع أذرع حركة النهضة داخل المؤسسة الأمنية التي عرفت كل أشكال الاختراقات منذ تولي الإخوان الحكم أواخر سنة 2011.
صيد ثمين
من جانبه، يصف محمد بوعود، الكاتب السياسي التونسي المختص في الجماعات المتشددة، عملية الإطاحة بالبلدي بأنها بداية فتح ملف الجهاز السري للتنظيم الإخواني، وبداية لكشف عمليات التسفير (تسفير الشباب التونسي إلى سوريا للالتحاق بداعش).
ويقول بوعود في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "سقوط البلدي والبحيري سيعجل بسقوط (زعيم الإخوان راشد) الغنوشي باعتبارهما الصندوق الأسود لخيوط الإرهاب في تونس وجرائم النهضة بحق خصومها السياسيين".
ورافق البلدي أغلب وزراء الداخلية إلى حدود الحكومة السابقة، وقد شمله قرار الإحالة على التقاعد الوجوبي الصادر الشهر الماضي.
والبلدي كان عون أمن قبل سنة 2011، وبعد التفطن لانتمائه للجهاز السري للحركة من قبل نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، تمّ عزله والحكم عليه بالسجن لمدة أكثر من 15 سنة بتهمة الانتماء لتنظيم غير معترف به.
وفي سنة 2011، تمت إعادة إدماجه في وزارة الداخلية ومنحه كافة الامتيازات، وشغل منصب مستشار وزير الداخلية آنذاك علي العريض في حكومة حمادي الجبالي، ولم يفارقه حتى عند ترؤسه لحكومة الترويكا الثانية ولكن بصفة غير رسمية.
والإثنين، أعلن توفيق شرف الدين وزير الداخلية التونسية، في مؤتمر صحفي، أن هناك "شبهات إرهاب جدية" في ملف توقيف نائب رئيس حزب النهضة نور الدين البحيري، وفتحي البلدي ووضعهما تحت الإقامة الجبرية.
وقال شرف الدين "هناك مخاوف من عمليات إرهابية تمس بسلامة الوطن، لذلك كان لزاما علي أن أتخذ القرار"، مؤكدا أنه تواصل مع وزارة العدل في الموضوع لكن "تعطلت الإجراءات".
وأوضح الوزير أن "الأمر يتعلق بتقديم شهادات الجنسية وبطاقات هوية وجوازات سفر بطريقة غير قانونية لأشخاص لن أصفهم وسأترك الأبحاث القضائية تطلق عليهم الوصف السليم"، مشيرا إلى أن من بين الأشخاص فتاة سورية، ملمحا لقضايا تسفير الإرهابيين.
aXA6IDE4LjIyMS4xMi42MSA= جزيرة ام اند امز