انقضى عام 2021، وكان اليوم الأخير حاملاً معه خبراً، له مفعول الزلزال على حركة "النهضة": وضع نائب رئيس حركة "النهضة" الإخوانية ورئيس كتلتها في البرلمان المجمد أشغاله، نور الدين البحيري، رهن الإقامة الجبرية.
وذلك بقرار من وزير الداخلية، وهو قرار شمل أيضاً القيادي الإخواني، الذي زرعته الحركة الإخوانية في وزارة الداخلية عندما كان علي العريض ماسكاً بزمامها.
والبحيري هو قيادي إخواني مقرب جداً من رئيس الحركة راشد الغنوشي وقد لعب أدواراً أساسية في صلب الحزب وباسمه منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي عندما وقع باسم "الإسلاميين" الميثاق الوطني في بدايات حكم الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي.
وبعد 14 يناير 2011 شغل منصب وزير العدل في حكومة "الترويكا" الإخوانية الأولى، حيث حامت حوله شبهات تركيز منظومة قضائية موازية جنّدها ووظفها لتصفية الخصوم السياسيين، وأيضاً للابتزاز السياسي وغيره بحسب ما يتردد، وذلك بعدما أصبح الطريق أمامه سالكاً، إثر قيامه بعزل عدد هام من القضاة في مستهل حُكْمِ "الترويكا".
وليست هذه المنظومة الموازية هي فقط التي نخرت وتنخر القضاء، بل إن التحالف مع رئيس الحكومة الأسبق، يوسف الشاهد، الذي انقلب على الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي مكّن الحركة الإخوانية من تدعيم وجودها بجناح "مافيوزي" لتصبح هذه المنظومة الموازية سيفاً مسلطاً على رقاب المعارضين ورجال الأعمال.
ويعتقد الملاحظون أن وضع نور الدين البحيري وفتحي البلدي رهن الإقامة الجبرية هو في صميم صراع السيطرة على القضاء والداخلية بين النهضة الإخوانية والرئيس التونسي قيس سعيد، الذي يريد فرض تصوره لإصلاح منظومتي القضاء والأمن بعيداً عن اختراقات ومصالح الأحزاب، وخصوصاً الحزب الإخواني، وهو تمشٍ يسانده طيف من المشهد السياسي والحزبي، ولكن الغالبية تطالب بالضمانات الضرورية لتأمين استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.
وإذ يبدو أن الرئيس التونسي قيس سعيد نجح إلى حد كبير في تنقية وزارة الداخلية من شبكة المسؤولين، الذين اختاروا سُبل الانتهازية والولاءات للأشخاص والأحزاب، وهو مطالب لذلك بدفع عملية الإصلاح هذه إلى حدودها القصوى من أجل تركيز منظومة أمن جمهوري تقطع مع الشخصنة ولا تدين بالولاء إلا للوطن، فإن طريق إصلاح المنظومة القضائية لا يزال طويلاً وشاقاً وحتى مستعصياً.
وقد استبشر التونسيون خيراً عندما بدأ الرئيس قيس سعيد بمواجهة هذه المنظومة، وقدروا أنها بداية فتح الملفات التي أحكمت حركة النهضة الإخوانية إقفال كل المنافذ الموصلة إليها، خصوصاً ملفي الاغتيالات السياسية والجهاز السري الإخواني، وهي من المواضيع التي تسعى الحركة الإخوانية التعتيم عليها بشتى الوسائل، غير أنه سرعان ما تراكمت المصاعب أمام الرئيس التونسي، والتي حالت دونه ومواصلة المعركة من أجل تحرير القضاء من الاختراق الإخواني والمافيوزي، وهي صعوبات نعتقد أنها لن تتذلل سوى بالتشاور مع الهياكل التاريخية للمهنة القضائية ومع الطيف المدني والسياسي الذي لا ينشد أكثر من ضمان استقلالية القضاء وألا تكون عملية إصلاح القضاء المعلنة مجرد غطاء لوضع اليد على هذه السلطة المحورية في الديمقراطيات الحديثة.
إنه ما من شك في أن جماعات الإخوان و"الإسلام السياسي"، بما هي جماعات عقائدية منغلقة على الذات ولا تشتغل إلا في الظلام وتحت الأرض، وتعتمد بالأساس على آلية الاختراق لتقويض الدول والمجتمعات، هذه الجماعات لا يمكن مجابهتها بمثل أساليبها الملتوية والشيطانية، وإنما وجب مع هذه الجماعات استعمال الانفتاح على الآخر السوي بدل الانغلاق على الذات، وجب كذلك ترسيخ الفكر الإصلاحي عِوَضَ النبش في قاموس الثورات التي لن تأتي أبداً، ووجب في الأول والأخير تجذير المعارف حتى لا يتسلل الجهل إلى مجتمعاتنا، فهي جماعات لا تنتعش إلا في مجتمع الخرافة والجهل.
وإن المعركة التي بدأها الرئيس التونسي قيس سعيد هي بداية لن يُكتب لها النجاح إذا كان الهدف منها فقط هو السلطة، لأن آفاق السلطة ضيقة والحياة أرحب من السلطة، والحكم، ولنا في بعض مجتمعاتنا العربية، التي اختارت جمالية الحياة وتميزها أسوة حسنة لو كانوا يعلمون، وعسى أن يكون الرئيس التونسي قيس سعيد قد استقر رأيه على بدء المواجهة الفعلية مع النهضة الإخوانية، ليكون عام 2022 هو عام تنقية المناخ السياسي من السموم التي تعيق الانتقال الديمقراطي في تونس.
نقلا عن البيان الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة