شهد عام 2021 بداية تفكك الكثير من تنظيمات "الإسلام السياسي"، وفي مقدمتها "الإخوان".
وذلك بعد عدد من الإخفاقات، التي مر وما زال يمر بها تنظيم الإخوان الإرهابي، نتيجة تفاعلات داخلية وصراع دائر بين عجائز التنظيم، وأخرى قد تكون مرتبطة باستراتيجيات مواجهة الإرهاب، والتي انعكست هي الأخرى على البناء الهيكلي للإخوان، وهذا دليل آخر على تفكك التنظيم.
لقد مر "الإخوان"، الأب الروحي لتنظيمات "الإسلام السياسي"، بعدد من الإخفاقات خلال العقد الأخير، بعد أن لفظته الشعوب العربية، فعزلته عن السلطة، التي وصل إليها بالفوضى والغفلة، ثم انتهت هذه الإخفاقات ببداية سقوطه الثاني بعد صراع أجنحته، ولعل هذه هي بداية الانهيار ومقدمة تفكك التنظيم، فالإخوان، كتنظيم عرفه الناس قديمًا، قد اختفى وبدت صورة منه حاليا أكثر تشوهًا. فقد أظهرت التحولات الماضية تنظيما جديدا، ولكن برأسين.
2021 كان عامًا حاسمًا في تفكك تنظيم الإخوان، وهو ما انعكس على باقي التنظيمات المتطرفة، ولعل العام الحالي 2022 سوف يكون حاسمًا في القضاء على بقايا التنظيم، فالجهود التي بُذلت في جانب المواجهة مع زيادة وعي الشعوب بالخطر الإخواني ساعدت على تفكيك البنية التنظيمية للإخوان من الداخل.
صحيح قد تكون عوامل التفكك داخلية، ولكنها ثمار مواجهة كشفت التنظيم أمام المجتمعات العربية والإسلامية وأمام قواعد التنظيم أنفسها، والتي خدعها قادة التنظيم الذين يحلمون بالسلطة.
ولهذا السبب نؤكد أن ثورة الشعوب العربية على الإخوان خلال العام المنصرم لم تكن مرتبطة بخلاف سياسي أو لفشل التنظيم في إدارة الحكم أو دولاب العمل داخل بعض الدول التي وُجد بها فقط، وإنما مرتبطة أيضا بقدرة هذه الشعوب على التمييز بين الغث والسمين، وبالتالي خلاف هذه الشعوب مع الإخوان "خلاف فكري بالأساس" ومرتبط بتطرف التنظيم وخطره على مفهوم الدولة الوطنية وعلى الإنسانية عموما، يُضاف إلى ذلك عوامل الفشل السياسية التي تدخل في بنية التنظيم وأفكاره المسمومة.
لا يوجد لدى التنظيم ما يستطيع أن يسوّقه للشعوب، بعد أن انكشف وجهه الحقيقي وزيف ما يرفعه من شعارات، كما أنه بدا منفرًا أمام قواعده بعد الاتهامات التي وجهتها كل جبهة من الجبهتين المتصارعتين للأخرى، والتي وصلت إلى حد الاتهام في الذمة المالية والفساد الأخلاقي والتنظيمي والعمالة لأجهزة استخبارات أجنبية، اتهامات باتت علانية، وتكشف صورة التنظيم الحقيقية، التي كانت غائبة لصالح صورة أخرى مُختلَقَة رسمها التنظيم لنفسه خلال عقود.
لقد تراجع حضور تنظيم الإخوان في عدد من البلدان العربية في عام 2021، منها تونس والمغرب والسودان، ما يُبشر بتراجعه في ليبيا حال أجريت الانتخابات في القريب، ولعل كل هذه الإخفاقات هي انعكاس لإخفاق التنظيم في مصر أولا، وتفكك بنيته عبر الصراع الداخلي على المال والسلطة يؤكد لنا سقوطه في بقية الأقطار التي لا يزال موجودا بها خلال العام الحالي، حيث لن تفيده شعاراته التي يرفعها مهما كانت متعلقة بالوطن أو الدين، ليس لكونها شعارات مزيفة فقط، ولكن لأن أمثال هؤلاء خطر على الدين والوطن والحياة معًا، وهو ما أدركته الشعوب متأخرا.
العام الحالي سوف يشهد تطورًا جديدًا على صعيد تفكك التنظيمات المتطرفة، فلا يمكن أن نصف هذه التنظيمات بأنها "انتهت وأصبحت والعدم سواء"، ولكننا نرى أنها "تفككت"، ولعل هذا يستلزم جهودًا مضاعفة للقضاء بشكل نهائي عليها، فدائمًا ما تكون الحلقة الأخيرة هي الأصعب لأنها مرتبطة بتفكيك الأفكار المؤسِّسة وصناعة بديل يشغل المساحة التي كان يحتلها فكر هذه التنظيمات الإرهابية.
هذه الأفكار تتطلب رؤية تكون محور استراتيجية مكتوبة يعكف عليها باحثون متخصصون، هذه الرؤية ترصد الواقع وتشخصه بصورة دقيقة ثم تقدم الحلول بعد ذلك، هذه الرؤية تكون معنية بتفعيل المؤسسات المساعدة في تفكيك بنية "الإخوان"، بدءًا من المؤسسة الدينية، مرورًا بالمؤسسات الثقافية، وانتهاء بالمؤسسات التعليمية.
لا بد أن يكون التعويل على مواجهة تنظيم "الإخوان" مبنيا على جهود محلية وإقليمية، فثمار انهيار التنظيم ظهرت بعد هذه المواجهة رغم احتضان بعض الدول الكبرى للتنظيمات المتطرفة، ربما لأهداف سياسية أو لمصلحة ضيقة، ولا بد أن تكون هناك في الجبهة المقابلة جهود هدفها الأساسي إقناع المجتمع الدولي بضرورة الاشتراك في مواجهة هذا الإرهاب بصورة أكثر فاعلية.
لا نكون مفرطين في قراءتنا إذا قلنا إن تنظيم "الإخوان" -وغيره من تنظيمات "الإسلام السياسي"- يتهاوى، فهناك دلائل شاهدة على هذه الحقيقة، ولكننا في الوقت نفسه نرى أن التنظيم ما زال يتنفس ولو ببقايا رئة.. إنه وضعٌ قد يستمر لسنوات، فنهاية تنظيمات "الإسلام السياسي" دفعة واحدة مرتبطة بنهاية "الإخوان" أولا.
أعيد التأكيد أن من المهم أن يشهد العام الجديد ولادة مشروع تفكيك التنظيمات المتطرفة وفق الرؤية الدقيقة لبنيتها وأفكارها، وهذا لن يكون إلا من خلال توافر المعلومات والقدرة على التحليل والقراءة الدقيقة لحاضر ومستقبل هذه التنظيمات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة